مواضيع

إسرائيل، ثمرة الحضارة الأمريكيّة

لا ينبغي أن نظنّ بأنّ الجيش الأمريكيّ أو منظّمة السي. آي. أي يتكفّلون فقط بنشر القيم الحضاريّة الأمريكيّة، ففي الكثير من الأحيان، تبادر أجهزة السياسة الخارجيّة والدبلوماسيّة في أمريكا عبر انتهاج الأساليب السلميّة إلى ترويج حقوق الإنسان والدفاع عن الديمقراطيّة. على سبيل المثال، دعم الأنظمة الديمقراطية، الحرّة والداعمة لحقوق الإنسان من قبيل حلول أمريكا المرتبطة بحماية هذه القيم والترويج لها. على هذا الأساس، بادرت الولايات المتحدة الأمريكيّة طوال الأعوام التي تلت الحرب العالميّة الثانية حتى اليوم إلى دعم الأنظمة الحاكمة لمصر، السعوديّة، الشيوخ الذين يحكمون بلدان جنوب الخليج الفارسي والكيان الصهيوني. دراسة ملفّات هذه الأنظمة تُثبت كم أنّ الأمريكيّين يمتلكون الدقّة في اختيار المصاديق والأنظمة، بحيث أنّها أبرزت أكبر نسب الحبّ والرغبة بالقيم الحضاريّة الأمريكيّة.

بين كلّ هذه العلاقات، اتّسمت العلاقة بين أمريكا والكيان الصهيوني بمزايا وخصوصيّة أكبر. لأنّ البعض يعتقدون أنّه توجد علاقة شبيهة بعلاقة الأب والابن بين هذين الكيانين أو بعلاقة الابن وزوج الأمّ. يختلف في هذا الشأن خبراء الجينات، فالبعض يعتبرون بريطانيا الأمّ، أمريكا الأب وإسرائيل الابن، لكنّ البعض الآخر من الخبراء يعتبرون أنّ بريطانيا هي الأمّ، وإسرائيل هي الابن اللقيط وغير الشرعي وأمريكا هي الزوج التالي أو الصديق لبريطانيا.

لقد بحث الأمريكيّون في جميع أنحاء العالم ولم يعثروا على بلد أكثر ديمقراطيّة، دعماً لحقوق الإنسان وليبراليّة من إسرائيل، وكان هذا السبب في أن كانوا منذ تأسيس الكيان وحتى اليوم القيّم، المحامي والمدافع الأوّل عنه. وفق التقرير السنوي لجهاز الأبحاث في الكونغرس الأمريكي، كانت إسرائيل خلال الأعوام التي تلت عام 1980، المتلقّي الأوّل لمساعدات أمريكا العسكريّة، وعلى سبيل المثال، قدّمت أمريكا في العام 2012 دعماً عسكريّاً بقيمة 6 مليون دولار يوميّاً، بحيث تمّ تأمين حوالي الـ20 بالمئة من الميزانيّة العسكريّة لإسرائيل ودُفعت من قبل أمريكا.[1] بعض الحسابات، قدّرت مستوى الدعم العسكريّ الذي قدّمته أمريكا لإسرائيل منذ العام 1973 حتى اليوم بأكثر من 140 مليار دولار. هذا بينما يساوي الناتج القومي المحلّي في إسرائيل الناتج القومي المحلّي لدول ثريّة مثل إسبانيا وكوريا الجنوبيّة.[2]

هذه الحقيقة تعني تماماً أنّ إسرائيل لا تحتاج كثيراً إلى هذه المساعدات، وأنّ أمريكا تقوم بتقديم مساعداتها لإسرائيل بشكل تطوّعي، من أجل دعم سلوك ومنهجيّة إسرائيل والقيم التي قام عليها هذا الكيان لكي تكون لها يدٌ ومساهمة في خطواتها المشرّفة. الخطوات التي أدّت منذ العام 1948 حتّى اليوم إلى نشر، تقوية ودعم حقوق الإنسان والديمقراطيّة في منطقة غرب آسيا. اللافت في هذا الأمر أنّ إسرائيل – كما أمريكا – لديها رغبة حقيقيّة لديها في نشر القيم الديمقراطيّة والليبراليّة حتّى أنّها تُشابه أمريكا في الأسلوب فاستفادت من وسائل مثل القنابل العنقوديّة والفسفوريّة، المقاتلات، القذائف، السجون، التعذيب و… من أجل تثبيت هذه القيم وترسيخها في جسد وروح المنطقة.

ومن أجل فهم أعمق للعلاقات بين هذين الكيانين، لا بدّ أن تعلموا أنّ أمريكا استخدمت بين العامين 1972 و2011 حقّ الفيتو في مجلس الأمن أكثر من 40 مرّة لصالح إسرائيل، كي لا يتمّ إصدار قرار ضدّ إسرائيل في مجلس الأمن ولا ينزعج صديق أمريكا الوفيّ في ساحة رسالة «بناء الحضارة البشريّة الحديثة» العالميّة.[3] لا بدّ من ذكر أنّ الإسرائيليّين رغم اشتراكهم إلى حدّ كبير في الصفات مع والدهم أو زوج أمهم (أي أمريكا)، إلا أنّهم أبدعوا بشكل مختلف في الساحة الحضاريّة وفي مجال الترويج للقيم الإنسانيّة الحديثة. مثل تركيز العمليّات الديمقراطيّة على الأطفال والرضّع أيضاً. من وجهة نظر الصهاينة، فإنّ الضوابط مثل الديمقراطيّة وحقوق الإنسان لا بدّ أن تنتقل إلى الأطفال منذ الطفولة وحتّى منذ الفترة التي يكونون فيها رُضّعاً بل حتّى عندما يكونون في بطون أمهاتهم، ولهذا السبب، صمّمت إسرائيل قنابل خاصّة بهؤلاء الأطفال. قنابل حاملة للديمقراطيّة وحقوق الإنسان على شكل ألعاب ودمى كانت المقاتلات الإسرائيليّة تلقي بها فوق المناطق المستهدفة، وعندما كان فضول الأطفال يُثار وينجذبون لهذه القنابل فيحملونها، كان يتمّ تفجيرها لتنشر أمواجاً من الديمقراطيّة، الحريّة وحقوق الإنسان بسرعة كبيرة وحجم كبير، لتمزّق أجسادهم وقلوبهم وأدمغتهم. وكان هذا السبب في كون الأماكن من قبيل مراكز الولادة، الحضانات والمدارس ضمن الأهداف المرغوب بها لدى الجنود الإسرائيليّين.


  • [1] مجلّة سياحة الغرب الشهرية، 2007، العدد 45.
  • [2] صحيفة رسالت، 7/7/2012.
  • [3] أمريكا استخدمت حقّ الفيتو 42 مرّة لصالح إسرائيل، وكالة أنباء القدس، 31/12/2014 (http://www.qodsna.com/NewsPage.aspx?newsid=50119).
المصدر
كتاب تاريخ أمريكا المستطاب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟