مواضيع

بناما والإنقاذ على الطريقة الأمريكيّة

جدول المحتويات

تكرّرت قضيّة غرناطة في دولة بنما أيضاً. فبنما شأنها شأن غرناطة، كانت دولة صغيرة في جنوب أمريكا حكمها جنرالٌ يُدعى نوريغا[1] حوالي 10 إلى 15 سنة. كان نوريغا يسخّر كل إمكاناته الحكوميّة من أجل تهريب المخدّرات من أمريكا اللاتينية إلى الولايات المتحدة الأمريكيّة، وكان معتاداً على أن يلقي القبض بشكل يومي على عدد من أهل بلد، فيعذّبهم ثمّ يبادر إلى إعدامهم. وكان الأمريكيّون خلال هذه الأعوام يلتقون نوريغا ويؤكّدون على أنّ أوضاع حقوق الإنسان رائعة في بنما، وأنّ «الحريّة والديمقراطيّة» تشهدان نسبة كبيرة من الاستقرار في بنما، لدرجة أنّ جورج ووكر بوش[2] الأب الذي كان في تلك الفترة (أي العام 1977) رئيساً لمنظّمة السي. آي. أي، كان الداعم الأساسي لنوريغا. لكن في العام 1987، تعكّر صفو العلاقات بين نوريغا ومنظّمة السي. آي. أي، واختلف هذان الشريكان (شأنهما شأن الكثير من الشركاء الآخرين) بشأن حساباتهما التجاريّة المشتركة.

والأمريكيّون تصرّفوا كما يتصرّف أيّ شعب متحضّر آخر، وحكموا في إحدى محاكم فلوريدا على نوريغا حكماً غيابيّاً يقضي بالسجن المؤبّد له بتهمة تهريب المخدرات. ثمّ كلّفت المحكمة الجيش الأمريكي بنقل المحكوم عليه إلى أمريكا من أجل تنفيذ الحكم. في ذلك الوقت حيث كان جورج بوش الأب قد أصبح رئيساً للولايات المتحدة الأمريكيّة، أعلن بوش أنّ نوريغا حاكمٌ فاسد، متوحّش ومستبدّ للغاية، وينبغي تخليص الشعب البنمي والبشريّة من شرّ وجوده. في ديسمبر من العام 1989، شنّ الجيش الأمريكيّ هجوماً على بنما مستعيناً بـ26 ألف جندي. إثر القصف الجوّي الذي شنّته القوات الجويّة الأمريكية، تمّ تشريد أكثر من 14 ألف بنميّ وقُتل وجُرح الآلاف من غير العسكريّين. قد تتساءلون، ما الذي فعله الشعب البنمي وسط كلّ هذه الأحداث، وماذا كان ذنبهم؟! الردّ هو أنّ القانون يبقى قانوناً، وينبغي أن يتمّ تنفيذ حكم المحكمة لكي تكتسب العدالة مكانتها الحقيقيّة، حتّى وإن كلّف تطبيق العدالة أرواح، بيوت وحياة الآلاف من البنميّين الذين لا يدرون بما يجري حولهم، على أيّ حال، ينبغي إفهام شعوب العالم ومنها الشعب البنمي أهميّة وضرورة تنفيذ العدالة. وإن وجدتم مرشّحاً أفضل من أمريكا للنهوض بهذه المسؤوليّة (أي تعليم ضرورة تطبيق العدالة)، فلتسارعوا إلى التعريف به!

وإذا كنتم متشوّقين لمعرفة ما آلت إليه هذه القضيّة، فلا بدّ أن تعلموا بأنّه تمّ إلقاء القبض على نوريغا، وهو الآن منشغلٌ بشرب المياه الباردة في إحدى السّجون الأمريكيّة. والجيش الأمريكيّ بادر إلى تعيين أحد العقلاء في بنما والذي كان يتعاون مع منظمة السي. آي. أي بشكل كبير في مجالي حقوق الإنسان وتهريب المخدرات، رئيساً جديداً لجمهوريّة بنما، وهكذا تمّ حلّ مشكلة بنما وضمان استقرارها لسنوات طويلة.[3]


  • [1] Manuel Antonio Noriega Moreno (Born 1934)؛ دكتاتور بنما العسكري والذي حكم بين العامين 1983 و 1989.
  • [2] George Herbert Walker Bush (born 1924)؛ رئيس الولايات المتحدة الأمريكيّة الحادي والأربعين والذي حكم بين العامين 1989 و 1993 وكان رئيساً لمنظّمة السي. آي. أي بين عامي 1976 و1977.
  • [3] تاريخ أمريكا، هاوارد زين، ص 775.
المصدر
كتاب تاريخ أمريكا المستطاب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟