مواضيع

غرناطة وحقوق الإنسان الميكروسكوبيّة

غرناطة[1] هي أيضاً من جيران أمريكا، وكما جرت العادة، تكبّدت أمريكا عناء إنقاذ حقوق الإنسان فيها. هذه الجزيرة التي تبلغ مساحتها 200 كيلومتراً مربّعاً ويبلغ عدد سكّانها 110 آلاف شخص في منطقة الكارائيب تبعد عن أمريكا مسافة 2000 كيلومتر. في أكتوبر من العام 1983، توصّلت منظّمة السي. آي. أي إلى نتيجة مفادها بأنّ الأحداث التي وقعت في غرناطة قد تُلحق الأضرار بسلامة حقوق الإنسان. لهذا السبب، جهّزت تقريراً مضمونه بأنّ «اتحاد دول شرق الكارائيب طلبت من الولايات المتحدة الأمريكيّة الدفاع عن الديمقراطية والتدخّل بشكل فوري في غرناطة.» أُرسل هذا التقرير إلى مكتب الاتحاد، ولم يجد الاتحاد -مهما فكّر- من سبيل سوى إرساله إلى البيت الأبيض. لأنّه لو لم يرسله إلى البيت الأبيض، كانت الديمقراطيّة ستتعرّض للتهديد في هذا الاتحاد.

رحّب رونالد ريغان[2] -الرئيس الأمريكيّ حينها- الذي لم يكن قد دافع عن حقوق الإنسان والحريّة منذ زمن طويل، بهذه الدعوة التي وجهها الاتحاد فيما يتصل بالتدخّل في غرناطة، ووجّه أوامره للجيش الأمريكيّ بشنّ هجوم على غرناطة. شنّ الجيش الأمريكيّ عمليّة أسماها «الغضب العاجل» وهاجم غرناطة بشكل شامل ومن الجوّ والبحر. طبعاً، كان هناك خطرٌ عظيم آخر أيضاً في غرناطة، وتمثّل في أنّ المسؤولين في البيت الأبيض كانوا يحتملون أن تتعرّض أرواح عدد من المواطنين الأمريكيّين الذين يعيشون في غرناطة للخطر.

أعلنت حكومة غرناطة رسميّاً أن لا وجود لأيّ خطر يتربّص بحياة الأمريكيّين المقيمين في غرناطة، وهم منشغلون في واقع الأمر -كالسابق- بأعمالهم وحياتهم اليوميّة. لكن كان على الجيش الأمريكيّ أن يشنّ الهجوم على غرناطة لكي تبقى الحضارة الأمريكيّة والديمقراطيّة خالدة، وهذا ما حصل أيضاً. فريغان أعلن بعد شنّ الهجوم على غرناطة أنّنا تدخّلنا في الوقت المناسب في غرناطة، ولذلك لم يعد هناك من مبرّر لأن يقلق أحد على حقوق الإنسان ومصير الحريّة والحضارة في غرناطة.[3]

على هذا الأساس، من الأفضل أن لا تأخذوا كثيراً على محمل الجدّ ما كُتب بشأن الادعاءات حول هجوم أمريكا على غرناطة. على سبيل المثال، ما كتبه برنارد غوئور تسمن في 29 أكتوبر عام 1983 في صحيفة نيويورك تايمز، حيث أكّد على أنّ هذه الخطوة التي أقدم عليها الجيش الأمريكيّ شكّلت في الحقيقة مناورة نصف حقيقيّة، وأنّ أمريكا كانت تميل في واقع الأمر إلى أن يدرك الآخرون بهذا الأسلوب حجم قدراتها العسكريّة.


  • [1] Granada
  • [2] Ronald Wilson Reagan (1911 – 2004)؛ رئيس الولايات المتحدة الأمريكيّة الأربعين والذي حكم بين العامين 1981 و1989.
  • [3] تاريخ أمريكا، هاوارد زين، ص 768.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟