مواضيع

أمريكا والجيران

لا بدّ أنّكم استوعبتم حتى الآن هذه النقطة المهمّة بأنّ أمريكا لا تقدر على الجلوس متفرّجة ووضع كفّ على كف. فإن لزم الأمر، تجتاز نصف العالم وتذهب إلى الناحية الأخرى من الكرة الأرضيّة، علّها تستطيع ترك بصمات خيرة في الفيليبين، فيتنام أو لاوس، فتحيي حقوق الإنسان أو الحريّة وتضخّ أنفاساً جديدة، وإن اضطرّت، تكفّن الناس وتدفنهم بكل احترام! هل تتوقّعون في مثل هذه الحالة أن تكتفي الولايات المتحدة بالتفرّج على جيرانها دون أن تبادر للقيام بأي خطوة؟

على سبيل المثال، عندما تعرّضت الحريّة وحقوق الإنسان للخطر في دولة «السالفادور» الصغيرة في أمريكا المركزيّة (خلال الأعوام التي تلت عام 1980) وجاء عدد من عديمي الصلاحية والكفاءة وحاولوا بإطلاقهم لشعارات الحرية وصون الاستقلال الإساءة إلى العلاقة بين السالفادور وأمريكا، هل كانت أمريكا لتقدر على الجلوس والتفرّج دون القيام بأيّ ردّة فعل؟! كيف كانت لتسكت ضميرها؟ لذلك، في العام 1981، دخل عناصر السي. آي. أي والجيش المحلّي التابع لهم إلى مدينة ال موزوته[1] في السالفادور وحلّوا الأزمة في أقل من نصف يوم، وبالطبع، أنهوا كل المخاوف المرتبطة بالحرية وحقوق الإنسان. طبعاً، أعلنت لجنة التحقيق الدوليّة التابعة للأمم المتحدة في تقرير رسمي بأنّ حلّ هذه القضيّة (والذي تمّ بتلك السرعة) خلّف بعض الخسائر أيضاً، منها حوالي الألف ضحية من النساء والأطفال في مدينة ال موزوته، الذين لم يراعوا قواعد الاحتياط ووقفوا مقابل بنادق الجنود الأمريكيّين، وتمّ العثور على هياكلهم العظميّة ضمن التحقيق الذي جرى عام 1992 وانتشلت هياكلهم من عدة مقابر جماعيّة.[2]

برأيكم، عندما يدور الأمر حول الدفاع عن الديمقراطيّة، وتتهدّد روح الديمقراطيّة من قبل بعض الفقراء الجاهلين الذين سعوا دون إذن لتحصيل الاستقلال والحقوق الوطنية، هل سيبقى هناك فرقٌ بين أن ينهض حماة الديمقراطية وحقوق الإنسان – أي عناصر منظّمة السي. آي. أي – بمسؤولياتهم باستخدام الرماح والخناجر أو باستخدام المسدسات والبنادق والقذائف؟ لأنّه كما جرت العادة، ظهر بعض الصحفيّين الفضوليّين والثرثارين والمتذمّرين واعترضوا على قطع رؤوس الضحايا وتمزيق بطون الأطفال بالرماح في ال موزوته وقدّموا تقارير بشأن الاعتداء الجماعي على نساء وفتيات هذه المنطقة (طبعاً قبل قتلهنّ). عندما سأل الصحفيّون الذين سلف ذكرهم الحكومة الأمريكيّة في ذلك الحين حول هذه التقارير، أجاب المسؤولون الأمريكيّون حينها بابتسامة فكاهية وذكّروهم بأنّهم لم يذهبوا طيلة حياتهم إلى ال موزوته ولم يسمعوا باسمها أيضاً![3]


[1] El Mozote

[2] تاريخ أمريكا، هاوارد زين، ص 771.

[3] قمع الأمل، ويليام بلوم، ص 906.

المصدر
كتاب تاريخ أمريكا المستطاب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟