مواضيع

كمبوديا ولاوس، شاهدان على العدالة الأمريكيّة

من صفات الأمريكيّين الرائعة هي أنّهم لا يرغبون في التفريق بين مختلف الشعوب. لذلك، فإنّهم قاموا بعد نشر الحضارة والترويج للإنسانيّة وحقوق الإنسان في فيتنام، بإلقاء نظرة على جارة فيتنام، أي كمبوديا، لكي يتمتّع الكمبوديّون أيضاً بشيء من الحضارة الأمريكيّة. في أواسط شهر أيّار من العام 1975، وجّه الرّئيس الأمريكيّ في تلك الفترة جرالد فورد[1] أمراً بشنّ هجمات جويّة، بحريّة وبريّة على كمبوديا، وأذاقت الطائرات، والمدافع البحريّة والبوارج الحربيّة الأمريكيّة الكمبوديّين المذاق الرائع لقصف المناطق السكنيّة وأهلها. لم يكن من اللائق بالأمريكيّين أن يقطعوا مسافة نصف العالم، ويتفقّدوا الفيتناميّين بشكل أساسي دون أن يطلّوا على الشعب الكمبوديّ أيضاً! على أيّ حال، لقد كان من حقّ الكمبوديّين أيضاً أن يختبروا طعم حقوق الإنسان والحضارة الأمريكيّة.[2]

من حيث إنّ الجنود الأمريكيّين ألقوا منتجاتهم الحضاريّة بسرعة استثنائيّة في كمبوديا، لم يقدر الكمبوديّون بسبب تخلّفهم على هضم هذه الكميّة من حقوق الإنسان، لذلك وقعت أحداثٌ بعد قدوم أمريكا إلى كمبوديا وصفها نائب كاليفورنيا في الكونغرس بيت مك كلوي[3] كما يلي: «أحداث كمبوديا هي الشرّ الأعظم الذي ارتكبناه في بلد خارجي. والسبب الوحيد لهذه السلوكيات كان تأمين مصالحنا.»[4]

طبعاً، حظيت لاوس، جارة فيتنام الأخرى، بشرف تواجد الجنود الأمريكيّين: «على مدى عامين متتاليين، قامت الطائرات الحربيّة الأمريكيّة خلال فترة حرب فيتنام بقصف قرى ومدن شمال شرقي لاوس بشكل يومي، بحيث أنّ الآلاف من سكّان هذه المناطق أُجبروا خلال هذين العامين على قضاء أوقاتهم في الكهوف والحُفر تحت الأرض.»[5] ولكي تدركوا حجم الحرص الأمريكيّ على عدم التمييز بين الشعوب، يكفي أن تعلموا بأنّ المقاتلات الأمريكيّة قامت بين العامين 1965 و1973 بإلقاء أكثر من مليوني قنبلة على رؤوس شعب لاوس وقدّمتها لهم كهدايا. هذا العدد من القنابل كان أكثر من عدد القنابل التي ألقتها أمريكا في الحرب العالميّة الثانية فوق ألمانيا واليابان، وكان ذلك دليلٌ على أنّ أمريكا تهتمّ بالمناطق النائية والشعوب الفقيرة مثل شعب لاوس (الذي كانت جريمته الوحيدة مجاورته لفيتنام)، أكثر من اهتمامها بالبلدان الغنيّة وذات القوة مثل ألمانيا أو اليابان!

يتحدّث أحد الأمريكيّين ويُدعى فرد برانفمن[6] حول هذا القصف ويقول ما يلي: «كانت القرى تُسوّى بالتراب واحدة تلو الأخرى، وقد احترق عددٌ كبيرٌ من الناس وهم أحياء بسبب قنابل النابالم والقنابل الفسفوريّة أو تمزّقوا إثر القنابل. كانت أمريكا قد اتخذت قرارها بإبادة كلّ مناطق لاوس المجاورة لفيتنام من الناحيتين الفيزيائية والاجتماعيّة. طبعاً، كانت هذه العمليّات تُنفّذ بسريّة تامّة. وكانت نتيجة هذه العمليّات بأن تحوّلت لاوس إلى أرض للمهجّرين وكانت النتيجة مئات الآلاف من القتلى وأكثر من هذا العدد من المعوّقين، والسبب قرار اتخذه القادة الأمريكيّون لأجل سدّ الطريق أمام سبل مدّ يد العون للفيت كونغيّين.»[7]

لا بدّ أن تؤيّدوا كون الكمبوديّين واللاوسيّين المقصّر الأساس فيما حدث. لأنّ الإنسان العاقل يختار الجار الذي لا يسبب له المتاعب، ولو أنّ أهالي كمبوديا ولاوس تعاملوا بفطنة وحذر والتزموا بتوصيات السلامة بشكل كامل وجدّي، ولم يجاوروا بلداً مثل فيتنام، لما كانت هناك أيّ حاجة لأن يتحمّلوا هجمات وقصف الجيش الأمريكي.

كما جرت العادة، لم يكن تواجد الجيش الأمريكيّ في جنوب شرق آسيا (فيتنام، لاوس و…) ذا بعد واحد، وكان الجنود الأمريكيّون قد جلبوا هديّة أخرى إلى شعوب هذه المناطق المتخلّفة، إضافة إلى قنابل النابالم، الإنسانيّة، حقوق الإنسان، الحرية والإبادة. فحتى فترة ما قبل دخول الجيش الأمريكي إلى فيتنام ولاوس، كان أهالي هذه المناطق بسطاء وجاهلين بما يجري حولهم لدرجة أنّهم لم يكونوا يعرفون ما هي المخدرات والترياك. أي أنّ شباب هذه المناطق لم تكن لديهم فرصة الإدمان عندما يواجهون أيّ مشكلة في هذه الحياة.

بادر الجيش الأمريكيّ إلى الترويج لزرع الترياك في هذه المناطق وأنشأ في شمال لاوس أكبر الورش والمعامل والمختبرات الخاصّة بتحويل الترياك إلى هروئين، وكان بهذه الخطوة يسعى لتحقيق عدّة أهداف بضربة واحدة. أوّلاً، كان يحاول زيادة مستوى دخل الناس عبر زرع الترياك، والذي كان أكثر ربحاً بكثير من زراعة الأرز. ثانياً، هدف الجيش الأمريكيّ إلى تعريف الناس على العلوم الكيميائيّة والمختبرات وحاول إفهامهم بأنّه يمكن استخراج الهروئين من الترياك! وهذا الأمر كان ينطوي على قيمة علميّة عالية! وثالثا، يأتي دور الاستفادة من منتجات هذه المختبرات! فقد كان للناس وشباب المنطقة الحقّ في الاستفادة من هذه المواد من أجل التسلية ونسيان المشاكل والهموم، طبعاً بعد دفع ثمنها. وبجهود ومساعي الجيش الأمريكي ومنظّمة السي. آي. أي، تحوّلت منطقة جنوب شرق آسيا في غضون أقل من 5 سنوات إلى أهمّ منطقة منتجة للترياك حول العالم، لدرجة أنّ 70% من الترياك حول العالم يتمّ إنتاجه في هذه المنطقة.[8]


  • [1] Gerald Rudolph ‘Jerry’ Ford
  • [2] تاريخ أمريكا، هاوارد زين، ص 722.
  • [3] Paul Norton ‘Pete’ McCloskey (born 1927)
  • [4] قمع الأمل، ويليام بلوم، ترجمة عبد الرضا هوشنك مهدوي، طهران، دار نشر مركز وثائق الثورة الإسلاميّة، الطبعة الأولى: 2009، ص 321.
  • [5] قمع الأمل، ويليام بلوم، ص 323.
  • [6] Fredrick Robert Branfman (1942 – 2014)؛ كاتب وناشط ضدّ الحروب الأمريكيّة.
  • [7] قمع الأمل، ويليام بلوم، ص 335.
  • [8] قمع الأمل، ويليام بلوم، ص 329.
المصدر
كتاب تاريخ أمريكا المستطاب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟