مواضيع

الإصلاحات الحضاريّة العميقة

لا بدّ أن تذعنوا بأنّ أعمق أسلوب لإصلاح أيّ مجموعة تضمّ السكّان الأصليّين الجاهلين بمفاهيم الديمقراطيّة، حقوق الإنسان والليبراليّة، هو إبادة ذاك الشّعب! هكذا كان يفكّر الأوروبيّون المتحضّرون ومن المستبعد أن تكون لديكم الرغبة في معارضة أسلوب تفكير جماعةٍ متحضّرة!

مشروع تقليص أعداد السكّان الأصليّين، لم يكن يساهم فقط في زيادة أعداد المؤمنين بالديمقراطيّة، بل كان يؤدّي أيضاً إلى رفع مستوى رفاهية وسعادة السكّان الأصليّين أيضاً. فعلى كلّ حال، بقدر ما تتراجع أعداد السكّان الأصليّين، يرتفع منسوب السعادة والرفاهية! طبعاً، بذل خبراء الترويج للديمقراطيّة في القارّة الأمريكيّة جهوداً مضنية من أجل تحقيق هذا الهدف!

كورتز[1] على سبيل المثال كان من بين الأنصار لكولومبوس الذين خلفوه، ووطأت قدمه مع 700 من أنصاره عام 1519 المناطق الوسطى في قارة أمريكا؛ بينما كان عدد السكان الأصليّين في تلك المنطقة يبلغ حوالي الخمس وعشرين مليوناً. بذل كورتز وأتباعه جهوداً حثيثة وتجرّعوا المرارات حتّى نجحوا بعد قرنٍ من الزّمان (1605) تقليص عدد السكان الأصليّين في تلك المنطقة إلى مليون شخص! وإذا أجريتم حسابات بسيطة، ستكتشفون حينها أيّ خدمة عظيمة قدّمها كورتز للبشريّة والحضارة. فقد رفع من مستوى الرفاهية والثروات و … بيت السكّان الأصليّين (فعندما تتقلّص الأعداد 25 ضعفاً، يزداد نصيب الأفراد من الثروات والرفاهية 25 ضعفاً أيضاً!) كما خلّص حقوق الإنسان والديمقراطيّة من شرّ ملايين الكائنات العاجزة عن استيعاب هذه المفاهيم الأساسيّة.

طبعاً، سوف تتمتّعون بالقدرة على تقييم عمق الإصلاحات في القارّة الأمريكيّة عندما تعلموا أنّه بعد قرنٍ من دخول الأوروبيّين إلى هذه القارّة، شُمل 75 مليوناً من الهنود الحُمر بالإصلاحات العميقة واستُبدلوا بـ240 ألفاً من المهاجرين الأوروبيّين.[2] نعطيكم الحقّ في أن لا تصدّقوا حجم هذه الإصلاحات الهائلة والضخمة وتعتبروا أن في الأمر مبالغة، لكنّ الأساليب المتّبعة من قِبل الأوروبيّين من أجل تقليص عدد السكّان كانت إبداعيّة لدرجة أنّ الإنسان يُذهل لعدم انقراض أجيال الهنود الحُمر بعد تطبيق هذه الأساليب؟!

أساليب من قبيل فصل العائلات عن بعضها وإجبار جميع أعضاء العائلة على العمل الإجباري في مناجم الذهب، دون منحهم الحقّ في أخذ قسطٍ من الراحة ومع إعطائهم الحدّ الأقلّ من الماء والطعام وقتل الذين يهربون من العمل الإجباري وبيع السكّان الأصليّين كعبيد و…! هذه الأساليب كانت مؤثّرة لدرجة أنّ الآباء والأمّهات كانوا يقومون في العديد من الأحيان بخنق أبنائهم لكي ينقذوهم من الموت التدريجيّ جرّاء التعذيب، التجويع والأعمال الشاقّة في مناجم الذهب![3]


[1] Hernan Cortes de Monroy y Pizarro (1485 – 1547): من قادة الجيش الإسباني الذين ألحقوا الهزيمة بإمبراطورية آزتك في المكسيك.

[2] تاريخ أمريكا المخبّئ والمستور، نصير صاحب خُلق، طهران، دار نشر موعود، الطبعة الثامنة 2012، ص 33.

[3] تاريخ أمريكا، هاوارد زين، ص 15.

المصدر
كتاب تاريخ أمريكا المستطاب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟