مواضيع

غربة الإنسان المؤمن

في مقابل غربة الإنسان في الحضارة المادية، توجد غربة خاصة عزيزة ومتميزة للإنسان المؤمن في الحياة الدنيا من وجوه مختلفة، أذكرمنها التالي:

  • لأنه يشعر بأن عالم الدنيا والمادة والطبيعة تحجبه عن ربه وعن عالم الملكوت الأعلى، عالم النور والطهارة والقداسة التي تنتمي إليه روحه، فيشعر بالغربة والوحشة في هذه الحياة، وأنها بمثابة السجن الموحش المظلم لروحه، وفي الحديث الشريف عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: «العارف شخصه مع الخلق، وقلبه مع الله تعالى ولو سهى قلبه عن الله تعالى طرفة عين لمات شوقاً إليه»[1].
  • لأنه يشعر بأن الحياة الدنيا دار عبور، لا دار قرار وأن دار القرار هي الآخرة، فحاله كحال المسافر الغريب لأن الدار غير داره، والوطن غير وطنه والأهل غير أهله.
  • لأنه بسبب معرفته بنفسه ومعرفته بربه وبطريقه في الحياة ومعاده ومصيره وتعمقه في المعارف الإلهية وأخذه بالقيم الروحية والأخلاقية السماوية العليا، واستغراقه في محبة الله ذي الجلال والإكرام، والأنس به والانقطاع التام إليه عن كل شيء والفناء فيه والبقاء به، ليشعر بالغربة بين الناس المستغرقين في عالم الدنيا والمادة والطبيعة المستلهين بزينتها وزخارفها وشؤونها وأحوالها، الغارقين في الشهوات الحيوانية والملذات الحسية والمصالح الدنيوية العاجلة الفانية فلا يفهمون معارفه وأفكاره ولا يقبلونها، ويستوحشون من قيمه وسلوكه ومواقفه وعلاقاته، فيشعر بينهم بالغربة والضياع، قول الرسول الأعظم الأكرم (ص): «بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً فطوبى للغرباء»، أي: بدأ الاسلام غريباً في فكره وعقيدته وقيمه وتشريعاته بالنسبة إلى الجاهلية، وسيعود غريباً كذلك في فكره وعقيدته وقيمه وتشريعاته في جاهلية آخر الزمان، فطوبى للغرباء في الغربتين: الأولى حين بدأ الاسلام، والثانية حين يعود غريباً في آخر الزمان؛ لأنهم الراشدون المهتدون والفائزون المفلحون الصالحون الذين يصلح بهم الآخرون وينجون من الهلاك والشقاء في الدارين الدنيا والآخرة.

[1] بحار الأنوار، جزء 3، صفحة 14

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟