مواضيع

أمور مهمة تترتب على المعرفة بالنفس

كما تترتب على المعرفة بالنفس العديد من الأمور المهمة، منها:

  • معرفة عظمة الصنع من خلال الوقوف على عجائب الخلقة في النفس وأسرارها، ومعرفة صفات كمال الصانع، صفات الجمال وصفات الجلال، وعلى غناه المطلق واقتصار النفس إليه في وجودها وبقائها وصفاتها وأفعالها، أي: أن وجودها موصول بوجوده وإفاضاته مطلقاً، وأنها غير مستقلة عنه في أي شيء من شؤونها وأحوالها وصفاتها وأفعالها، ولا بأي حال من الأحوال، وأن صلاحها وكمالها وخيرها وسعادتها موصول بسلوك طريق عشقه ومحبته وطاعته المطلقة في جميع ما يأمر به وما ينهى عنه، وأن كل معصية له هي نافذة إلى الشقاء والنقص والهلاك، فهو وحده لا شريك له مصدر لكل كمالاتها وسعادتها، وما يمكن أن تتحلى به من الفضائل والخصال الحميدة وصفات الكمال، وما توفق إليه من الخير والصلاح والأعمال الصالحة، مما يهدي الإنسان إلى تكليفه الشرعي في الحياة، وإلى التمسك بالدين الإلهي الحق والصراط المستقيم والنهج القويم والاعتدال والطريقة الوسطى، وإلى اتباع أئمة الحق والهدى والبراءة من الطواغيت وأئمة الضلال والجور، ويكون عمله وسلوكه ومواقفه وتحمله للمسؤليات الخاصة والعامة كلها مبنية على ضوء هدى رب العالمين وأساسه المتين، وتعبير عن حب الإنسان لله رب العالمين ذي الجلال والإكرام والمنّ والإحسان والخشية منه، وبهدف الوصول إلى قربه والفوز برضوانه والزلفى لدية.
  • معرفة المعاد والسير الاضطراري إلى الله (عز وجل) من أجل الحساب والجزاء، قول الله تعالى: <يَا أَيُّهَا الإنسان إِنَّكَ كَادِحٌ إلىٰ رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ>[1]، أي: يا أيها الإنسان الذي كرمك الله تبارك وتعالى وشرفك وفضلك على سائر مخلوقاته وميّزك بالعقل والإرادة وحرية الاختيار، إنك تسعى وتتعب وتجهد نفسك في العمل والكد، وتعاني المشاكل وتواجه الصعوبات والتحديات والعوائق والموانع في حياتك من أجل امتحانك وتفعيل استعداداتك وإمكانياتك، وتظهر كما أنت على حقيقتك وستظل جاهداً طوال عمرك إلى أن تموت فتلاقي ربك حتماً لا مفر لك من ذلك ولا مهرب، فسيحاسبك ويجازيك على كل أعمالك كما هي عليه في يوم القيامة، إن خيراً فخير وإن شراً فشر، وذلك لأن الإنسان إذا عرف حقيقة نفسه فإنه سيعلم علم اليقين بأنه لم يخلق عبثاً، وإنما خلق بمقتضى الحكمة العليا البالغة لغاية كريمة رفيعة، فإن كان التعب في الحياة على كل حال، وأن لقاء الله (عز وجل) واقع لا محالة فإنه بحكم العقل والمنطق والفطرة والطبع السليم أن يختار الإنسان الطاعة على المعصية، والنعيم الباقي على المتاع الفاني، والسعادة على الشقاء.
  • معرفة الأنبياء الكرام والأوصياء المطهرين (عليهم السلام) وهم أئمة الحق والهدى والرشاد؛ لأنهم الطريق الوحيد إلى معرفة الله ذي الجلال والإكرام الكاملة وطاعته والفوز برضوانه والزلفى لديه، وإلى حفظ مصالح الإنسان وصلاحه وصيانة حقوقه وكرامته في الحياة وإيصاله إلى كماله وتحقيق غاية وجوده، ولا يمكن للإنسان أن يحقق أي شيء من ذلك بدون هذه المعرفة للأنبياء والأوصياء (عليهم السلام) والإيمان بهم وطاعتهم واتباعهم والاقتداء بهم.
  • معرفة أن الإنسان اجتماعي بالطبع، وأنه كلما تحققت القيم الإنسانية الروحية العليا أكثر في الناس، كلما كان كمالهم الإنساني أتم وأعظم، وساد بينهم التعاون والتراحم والتكاتف والتعاطف والتناصر على الحق وإجلال الحالة المجتمعية والحضارية والسعي لإقامة علاقات إنسانية متينة وراقية على كافة المستويات الأسرية والمجتمعية والوطنية والإقليمية والدولية، تقوم على قواعد واقعية ومضامين فكرية وروحية وأخلاقية حقيقية، وتوافق العقل والمنطق والفطرة والطبع الإنساني السليم وتحافظ على كرامة الإنسان وحريته وتصون حقوقه ومصالحه الحقيقية في الحياة، لا سيما في دورة الحياة الكاملة مما يشعر الإنسان بالمسؤولية تجاه أبناء جنسه ويدفعه إلى تحملها والتضحية من أجلها؛ لأنه يدرك بأنها جزء من مسؤوليته تجاه نفسه ومصيره في الدارين الدنيا والآخرة، فيكون ألمه تجاه الآخرين هو ألم باطني يعبر عن الشعور بحاجة فطرية كامنة في أعماق نفسه وفطرته، أي ألم الحب والذوبان في الحقيقة، أكثر منه ألم العلم والمعرفة بالحقيقة والواقع، وتكون غايته الصعود بنفسه ومجتمعه والناس أجمعين إلى الله ذي الجلال والإكرام، والتخلق بأخلاقه وتجسيد صفات كماله، صفات الجمال مثل: العلم والرحمة، وصفات الجلال، مثل: القهر والغلبة في واقع الحياة الفكرية والتربوية والحضارية عن طريق التمسك بالدين الإلهي الحق والصراط المستقيم والنهج القويم والاعتدال والطريقة الوسطى واتباع أئمة الحق (عليهم السلام) والاقتداء بهم والبراءة من أئمة الجور والضلال ومقاومتهم، والسعي لتطبيق الشريعة الإلهية المقدسة في جميع الشؤون الخاصة والعامة، ولإقامة القسط والعدل بين الناس والنهوض بالمجتمع على كافة الأصعدة السياسة والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وحفظ الحقوق والحريات والقيم الإنسانية العليا ومحاربة الفساد والتحلل والتخلف والانحطاط على ضوء هدي النبوة والإمامة الشرعية، وإيقاظ الهمم وتوظيف كافة الطاقات وتنمية الاستعدادات والمواهب والقابليات في الأفراد والمجتمع والدولة وإخراجها تدريجيًا من طور القوة والكمون إلى طور الفعلية والظهور، وإشعال نار العشق والمحبة الكامنة في أعماق نفوس الناس وفطرتهم، كل ذلك لإيجاد عالم جديد وحضارة إنسانية راقية ومميزة تقوم على التوازن الدنيوي والأخروي، ولا تغفل أو تتجاهل شيء من ذلك وتتجسد فيها حقيقة الخلاقة الإلهية للإنسان في الأرض.

نتائج مهمة: ونتوصل مما سبق إلى النتائج المهمة التالية:

  • إن معرفة الإنسان بنفسه تعتبر مسألة حيوية وجوهرية ومصيرية وفي غاية الأهمية بالنسبة إلى الإنسان، وتصل أهميته إلى درجة الضرورة القصوى، وتترتب على الجهل بها والغفلة عنها أو تجاهلها نتائج وخيمة جداً على واقع الإنسان ومستقبله، منها: غفلته عن ربه سبحانه وتعالى وعن معاده، وجهله بقيمة الحياة بالطريقة المثلى وغاية وجوده في الحياة مما يشعره بالضياع والغربة والعبثية والحقارة والتفاهة والدناءة إذا لا يتوفر لديه هدف حقيقي واضح ولا غاية واقعية فعلية في الحياة، لذلك وصل إلى الشعور بالضعف أمام الأخطار والصعوبات والعقبات والتحديات، وعن السيطرة على أهوائه ورغباته ونزواته وشهواته، وتنخفض لديه الحالة الروحية والقيّمية، ويضغف إحساسه بالمسؤولية العامة والخاصة، ويتصف بالأنانية والقسوة والوحشية والشراسة ونحوها ويكون مقياس عملة الربح والخسارة الشخصية المادية، مثل: المال، والمعنوية، مثل: الشهرة، ويفشل في توجيه نفسه وحسن تدبيرها وقد يدخل في مغامرات ويضحى بنفسه من أجل أهداف وغايات تافهة لأنه لايعرف قيمة نفسه ولا الطريقة المثلى في الحياة ولايمتلك الموازين والمعايير الصحيحة، ويبقى على هذه الحالة حتى ينتهي به المطاف إلى الشقاء الحقيقي والهلاك في الدارين الدنيا والآخرة وعليه لا تستقيم حياة الإنسان ولا يصل إلى كماله الممكن المقدر له واللائق به وتحقيق الراحة النفسية والسعادة الحقيقية له إلا بمعرفة حقيقة نفسه وتقويمها وتهذيبها وسلوك طريق التوحيد والعشق والمحبة والطاعة لله ذي الجلال والإكرام وحده لا شريك له.
  • إن جهل الإنسان بحقيقة نفسه هو منشأ الفلسفات المادية والإلحادية والعبثية والتشاؤمية ونحوها، والمسؤول عن انخفاض مستوى القيم والاخلاق والشعور بالمسؤولية الخاصة والعامة، والالتزام بالشريعة الإلهية المقدسة، ويخلق البيئة الخصبة للشيطان الرجيم ويمكّن النفس الأمارة بالسوء من الانجرار وراء الأهواء والوساوس الشيطانية والأوهام والخرافات والخيالات الباطلة والخضوع للشهوات الحيوانية والملذات الحسية ويؤدي إلى الانحلال والانحطاط ونشر الفساد وتمكين الظلم والجور والطغيان ونشوب الحروب والصراعات الدامية والتنافس غير الشريف ونشر الخراب والدمار على وجه الأرض ونحو ذلك.
  • يجب على الإنسان أن يكوّن لنفسه رؤية واضحة سديدة عن نفسه تقوم على الحقائق وتعتمد البرهان الصحيح وأن يضع لنفسه على ضوئها استراتيجية عمل شاملة وثابته لتدبير صيانة شؤونه وهذه حاجة ضرورية وخطوة لابدية في طريق السلوك إلى الله ذي الجلال والكرام وإلى إصلاح النفس والتكامل التربوي للأشخاص الفكري والروحي والنفسي والأخلاقي، وإلى إصلاح المجتمع والتكامل الحضاري العلمي والتكنولوجي والصناعي والاقتصادي والاجتماعي والسياسي والثقافي، وتحصيل السعادة الحقيقية الكاملة في الدارين الدنيا والآخرة.

[1] الانشقاق: 6

المصدر
كتاب معرفة النفس طريق لمعرفة الرب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟