مواضيع

العمل بجهادٍ على تطوير البرامج الحاسوبيّة وإنتاج العلم

إنتاج العلم في هذا العصر، يعدّ من الجهاد

ما المقصود من الإنتاج؟ إنه لا يعني الاقتصار على إنتاج البضائع وحسب، بل ينبغي أن يكون الإنتاج شعارَ الأمّة على نطاقٍ واسع، فيصبح لدينا إنتاجٌ للعمل، وإنتاجٌ للعِلم، وإنتاجٌ تقني، إنتاجٌ للثروات، وإنتاجٌ للمعرفة، وإنتاجٌ للفرص، وإنتاجٌ للعزّة والمكانة، وإنتاجٌ للبضائع، وإنتاجٌ للمِلاكات الفاعلة، وهذه الأمور كلّها عمليّات إنتاج.

إنَّ رمز سعادة أمّتنا يكون في العمل على إنتاج الهِمم العالية على نطاقٍ واسع، سواء من قِبَل الحكومة أم من قِبَل الأمّة والشعب؛ وهذا ما سيؤمّن الاستقرار الوطني والقوّة والتقدّم للبلد، وهو يمثّل جهادًا.

إنّني اليوم أقول لمسؤولي الحكومة وموظفيها وكذلك لأفراد الشعب، وخاصةً لكم أيّها الشباب: إنَّ هذا العمل يمثّل جهادًا، ففي عصرنا الحاضر يعدّ إنتاج العلم، وإنتاج العمل، وإنتاج الابتكارات، وإنتاج البضائع، تلك البضائع التي يحتاج إليها الناس، وإنتاج الإنسان المنتج والفاعل، وإنتاج الفرص، وإنتاج العزّة، كلّ ذلك يعدّ جهادًا، فالمجاهد في سبيل الله هو شخصٌ منتجٌ.

لابدّ لنا من القيام بكلا الأمرين: طلب العلم من جهة، وإنتاج العلم من جهة أخرى، علينا أن نجعل بلدنا بلدًا علميًّا.

وقد وردت روايةٌ عن أمير المؤمنين أنّه قال: «العِلمُ سلطانٌ، مَن وَجدَهُ صالَ به، ومَن لم يَجِدهُ صِيلَ عَليه»[1]؛ أي إنَّ العِلم قوّة، العلم يساوي القوّة، وكلّ شخصٍ يحصل على العلم سوف تتحقّق له السيادة، وكلّ أمّةٍ تصبح أمّةً عالمةً تتحقّق لها السيادة، وفي المقابل كلّ أمّةٍ تفتقر إلى العلم، عليها أن تتهيّأ لتسلّط الآخرين عليها، ونحن علينا أن نجعل العلم بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى جهادًا في سبيل الله، هذا ما أريد أن أقوله للشباب والأساتذة والجامعيّين.

فضلاً عن ذلك إنَّ العلم وحده لا يُحقّق الهدف، بل لابدّ أن نصل العلم بالتقنية، والتقنية بالصناعة، والصناعة بتنمية البلد، فليس هناك فائدة في الصناعة التي لا تكون سببًا لتنمية البلد وتقدّمه، والعلم الذي لا ينتج التقنية لا يفيدنا؛ ولهذا فإنَّ مهمة الجامعات ستكون شاقّةً، ومهمّة مراكز التربية والتعليم ستكون شاقّة، ومهمّة مؤسسات البحوث والتحقيق ستكون شاقةً[2].

الجهاد العلمي هو نوعٌ من جهاد النفس

والقتال يمثل جانباً من الجهاد، الجهاد يعني الحضور في ميدان المجاهدة مع السعي ومع وجود الهدف ومع التحلّي بالإيمان، بهذا النحو يصبح جهادًا، ولهذا قال تعالى: <جَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ>[3]، فالجهاد هو الجهاد بالنفس والجهاد بالمال.

ما هو موطن الجهاد بالنفس؟ هل ينحصر بالذهاب إلى الحرب وحمل الأنفس على الأكفّ لتقديمها؟ كلا، بل إنّ أحد أنواع الجهاد بالنفس هو أن تقضوا وقتكم من المساء وحتّى الصباح على مشروعٍ تحقيقي أو بحثي، وتنقضي الساعات دون أن تلتفتوا إلى مرور الوقت.

الجهاد بالنفس هو أن تضحّوا بأوقات ترفيهكم وراحة أجسامكم وتعرضوا عن ذاك العمل الذي يدرّ كثيراً من المال والمدخول وتقضوا وقتكم في هذا المحيط العلمي والبحثي حتّى تستنبطوا حقيقةً علميّةً حيّةً وتقدّموها كباقة ورد إلى مجتمعكم، هذا هو الجهاد بالنفس، وهو في قسم صغير منه جهادٌ بالمال[4].

إنّني أعوّل كثيرًا على مسألة «الجهاد العِلمي»؛ لأنَّه يعتبر من المباني الأساسيّة للتيار الأصولي (المبدئي)؛ لقد كرّرتُ القول لعدَّة سنوات: يجب أن يُفسح الطريق أمام النهضة العلميّة، وإنّني مسرورٌ لِمَا يقوله الشباب من طلّاب الجامعة وبما يطرحونه من مسائل عندما ألتقيهم، إذ إنّني أرى أنَّهم يُعلّقون الآمال علينا في قضية الإنتاج العلمي، والتواصل بين العلم والصناعة، ودعم الحكومة للتقدّم والاكتشاف العلمي.

وأنا أقول لهم: إنّني مسرور بهذا؛ لأنَّ هذا ما نقوله نحن أيضًا، وقد أصبح ذلك عرفًا بين المجموعات الجامعيّة، إلّا أنَّ هذا ليس كافيًا؛ يجب علينا الذهاب نحو الأعمال الكبيرة.

لاحظوا! إنَّكم تستطيعون أحيانًا صناعة طائرة ـ اخترعها الآخرون وقاموا بصناعتها ـ يمكنكم صناعتها داخل البلد دون مساعدة أحد، وهذا عمل جيّدٌ جدًا؛ لأنَّه أحسن من شراء طائرةٍ جاهزة الصنع، إلّا أنَّكم تستطيعون أحيانًا صناعة أمرٍ جديدٍ بمستوى صناعة الطائرات في بلدكم، وهذا هو الذي نحتاج إليه، فينبغي علينا أن نضيف إلى ما يملكه البشر من ثروة علميّة، ولا يقولنّ أحدٌ: لا يمكننا القيام بذلك، بل هو ممكن.

لقد كان العالم في يومٍ من الأيّام لا يعرف تقنيّة الأجسام الدقيقة (تقنيّة النانو) ثمّ عرفها، واليوم يمكن أن يوجد المئات من الميادين الأخرى التي لا تعرفها البشريّة، إلّا أنَّه يمكن معرفتها، ويمكن التقدّم الى الأمام، وبالطبع هذا الأمر يحتاج إلى مقدّمات، إلّا أنَّه يُمكن تهيئة هذه المقدّمات من خلال الهِمم العالية.

لقد قلتُ يومًا من الأيام بين مجموعة من الشباب الجامعيين: إنَّ ما أؤمّله ليس بالكثير؛ إنَّ ما أنتظره وأتوقّعه منكم أيّها المجتمع العلمي الذي في البلد هو وصولكم بعد خمسين عاماً ـ أي نصف قرنٍ ـ إلى مصاف الدرجات العلمية العالية في العالم، فهل هذا التوقّع هو كثير على أمّةٍ تمتلك القابليّات؟!

ولكن إذا أردنا تحقيق ذلك، فعلينا أن نعمل من الآن بقوّة، وذلك مشروطٌ بعدم الكسل وبعدم الغفلة وعدم الطمع، وعدم الخوف من سلوك هذا الطريق، وإتاحة الفرص وتربية النخب العِلميّة.

في بعض الفروع الفارق كبير بيننا وبين باقي دول العالم، كالفروع التي ذكرتها قبل قليل، فلحسن الحظ ليس هناك بون شاسع بين ما توصّلنا إليه وما توصّل إليه العالم في التقدّم والحركة نحو القمم الشامخة، وبناءً على ذلك، فإنَّ إتاحة الفرص يُعدّ واجبًا من واجبات الحكومة.

إنَّ هؤلاء الشباب متعطّشون للعمل والمعرفة، بشرط أن تُهيّأ لهم الإمكانات، فضلاً عن أنَّه ليس لدينا شحّة في الأساتذة الجيّدين ـ والحمد لله ـ فقد كنّا نعاني في السابق (في أوائل الثورة) من شحّة الأساتذة في هذا البلد، لكنّ الوضع اليوم ليس كذلك، فلدينا أساتذة كثيرون ـ والحمد لله ـ وأكثرهم اليوم قد تربّوا في كنف هذه الأمّة، وترعرعوا على هذا الماء والهواء[5].

الجهاد العلمي أحد أكبر الفرائض

إنّ إيران العزيزة علّقت آمالها على جهود الشباب في مجالي العلم والمعرفة، وذلك للوصول إلى الأهداف الكبرى التي رسمتها لنفسها ببركة الثورة الإسلاميّة، ومن دون تلك الجهود، سيضعف اعتمادنا على أنفسنا وسيضعف استقلال أمّتنا الذي بنيناه طوال عقودٍ منذ انتصار الثورة، والذي كان يفتح الطريق لأمّتنا وحكومتنا حين عبورنا داخل تلك الأنفاق الضيّقة.

إنّ إسلامنا العزيز هو أكبر مشجّع على العلم، وكان كذلك طوال القرون الماضية؛ لذا فقد رفع المسلمون مشعل العلم والمعرفة والتقدّم العلمي في جميع أنحاء العالم، واليوم بعد أن انقضى عصر التسلّط المرّ والسياسات الخارجيّة على بلدنا، تمتحن الأمّة الإيرانيّة في التحرّر من نفوذ الاستكبار العالمي مرّةً أخرى؛ لذا إنّ الجهاد العلمي هو من أكبر الفروض والتكاليف التي تقع على عاتقنا[6].

كان هناك سعيٌ في الماضي من أجل إبعاد المحيط الجامعي عن الدين والتقوى والتعبّد، وكانت الغاية من هذه الحيلة التي خطط لها الأعداء، هو أن يصبح الجيل المتعلّم والمثقّف منحلًّا غير مبالٍ، وبلا قيود، ولكي يفقد الحساسيّة والارتباط مع الشعارات الكبرى، ولكي يصبح أسيرًا للميول الحقيرة والمنافع الشخصيّة.

كان لا بدّ للجامعيّين الشرفاء، والأساتذة، وطلاب الجامعات المتديّنين في محيطٍ كهذا المحيط أن يواجهوا على الدوام هذه الحيلة الشيطانيّة وأن يقاوموها.

أمّا اليوم فبحمد الله أصبحت الجامعة كسائر المحيطات الاجتماعيّة الأخرى في بلدنا الإسلامي، مزدانةً بالرموز الدينيّة، ومنمّقة بالصفاء والتديّن والروحيّة الثوريّة.

إنّ الجامعة الثوريّة كانت حاضرةً ونشيطةً طوال عقدين من الزمن في جميع الساحات الثوريّة، وقد قدّمت الشهداء العظام. وأنتم يا طلّاب الجامعات وأيّها الأساتذة الكرام أمناء اليوم على هذا القسم المؤثّر من النموذج الفعّال والمليء بالنشاط لبلدنا الإسلامي العزيز على قلوبنا.

يمكن للجميع أن يشاهدوا اليوم أنّ العدو ما زال يسعى إلى حرف الجامعة عن الصراط المستقيم للعلم والدين والروحيّة الثوريّة، وإنّ أكبر مسؤوليّة لمواجهة هذه المؤامرة لدى العدو، تقع على عاتق نفي الجامعيّين الأعزّاء سواءً منهم الأساتذة أم الطلّاب، ونحن على يقين أنّهم سيقومون بهذا الدور والمسؤوليّة كما فعلوا في بعض المراحل الحسّاسة في الماضي.‌

إنّ ما أتوقّعه من أبنائي الجامعيّين هو أن يقرؤوا ما يحصل في البلد وفي العالم من حوادث سياسيّة بدقّةٍ وذكاء، وأن يعرفوا العدو في كلّ موطنٍ، وأن يعرفوا جميع الوجوه التي يظهر بها، وأن يفهم أهداف الخصم وأساليبه ويشخّصها بنظرةٍ ثاقبةٍ، وأن لا يسمح في أيّ ظرفٍ من الظروف أن يتمّ الإخلال في العمليّة العلميّة والدينيّة في الجامعة، وأن نحافظ على محيط الجامعيّين صافيًا ومليئًا بالنشاط وذلك للتقدّم السريع والعلمي الذي يكون توأمًا مع الالتزام والتديّن والجهد الثوري[7].

لقد قمتُ بجولةٍ تفقّديّةٍ في نهاية عام 1390ش[8] ـ أي: الأسبوع الفائت ـ‌ لمركز بحوث الصناعات النفطيّة، وهناك يُشاهد المرء أمورًا، يرى نظائرها في بعض الجولات التفقّديّة الأخرى في المختبرات العلميّة المختلفة للبلاد، ويصل إلى النتيجة الآتية: أنّ ما رآه ليس استثناءً؛ بل هو القاعدة.

إنّ أمّتنا لم تكن ترى هذا التقدّم العلمي ولا هذه الظواهر الهامّة حتّى في المنام، لكنّها تحقّقت وتحوّلت إلى قاعدة، وأنا أذكر لكم بعض هذه الخصائص والظواهر التي شاهدتها هناك: إنّ الحاكم على تلك المجموعة في الدرجة الأولى هو الروحيّة الجهاديّة والفكر الجهادي؛ تلك المجموعة من العلماء كانت تعمل بروحيّةٍ جهاديّةٍ، وكأنّهم كانوا يؤدّون فريضة الجهاد، وكأنهّم في ساحة الجهاد في سبيل الله؛ يختلف الأمر بين أن يعمل المرء من أجل تحصيل المال، أو المقام، أو الشهرة، أو من أجل العلم بحدّ ذاته فقط، وبين أن يعمل بعنوان الجهاد في سبيل الله، ويسعى في سبيل الله؛ إنّ هذه الروحيّة هي الحاكمة على هذه المجموعة ومجموعاتنا العِلميّة، وهذا الأمر في غاية الأهميّة[9].


[1]– شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج20، ص 319. (المترجم)

[2]– من خطاب سماحته في الحرم الرضوي المطهّر بتاريخ 21-3-2006م

[3]– التوبة: ٤١

[4]– من خطاب سماحته في لقائه بأعضاء التعبئة للهيئة العلميّة للجامعات بتاريخ 23-6-2010م

[5]– من خطاب سماحته في لقائه بمسؤولي النظام ورجالاته بتاريخ 19-6-2006م

[6]– من رسالته بمناسبة بدء العام الجديد للجامعات بتاريخ 8-10-1999م

[7]– من رسالته بمناسبة بدء العام الجديد للجامعات 28-9-1999م

[8]– الموافق لعام: (1433 هـ‌، وعام 2012 م). (المترجم)

[9]– من خطاب سماحته في الحرم الرضوي المطهّر بتاريخ 20-3-2012م

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟