ويتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود
جدول المحتويات
المنعطف الأخير
الأمور تزداد سوءًا على نظام الشاه والثورة تزداد استعارًا، ولا بد من الالتفاف على الثورة في مناورة كبرى قد تجهضها ويستعيد الشاه زمام المبادرة. أعلن الشاه ما يسمى «الثورة البيضاء»؛ وهي حزمة إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية والغرض منها القفز على مطالب الثورة الإسلامية واستبدالها بثورة مضادة على مقاس النظاميضعها الطواغيت عادة في قوالب براقة وجميلة ظاهرًا من أجل خداع الشعب والقوى المعارضة مغلفة بمكاسب مادية محدودة يلهث وراءها أصحاب الأهواء والعقول الضيقة، والأخطر من ذلك كله أن المنافقين المحسوبين على الثورة نفسها، روجوا لها لضمان مصالح ضيقة أو أنهم تعبوا من الثورة ويريدون الخلاص منها بهذه الطريقة. وهنا يشير السيد الإمام إلى هذا المضمون: «يجب أن لا نفقد شخصيتنا الإسلامية من أجل كسب رضا بعض الليبراليين فنعمد إلى طرح الأفكار والعقائد الخاطئة التي تجعل أمة حزب الله تشعر بالعدول عن المواقف المبدئية». وعلى أي حال رمى الشاه المقبور الكرة في ملعب قوى المعارضة لتُبدي موقفها من مبادرته المسماة بالثورة البيضاء، وبالفعل رحبت بعض القوى العلمانية والليبرالية بهذا الطرح وحاولت الدفع لقبولهما، وعندما تم التواصل مع السيد الإمام في هذا الشأن أعلن موقفه المبدئي الثابت «لا بد أن يسقط الشاه». عندها قطع السيد الإمام الطريق أمام مؤامرة الشاه لإنقاذ حكمه.
النفير العام
يطلب السيد الإمام من الشعب الإيراني النزول إلى الشوارع في 15 خرداد والمطلوب هو ملء الشوارع ورفض سياسات الشاه، عندها يمتثل الشعب الإيراني لأمر قائده العظيم، ويستنفر كل وجوده وينزل للشوارع؛ الطفل وحتى العجائز من الرجال والنساء. كل مخططات الشاه تبوء بالفشل، وجميع التقديرات والتحليلات الاستخباراتية لدول الاستكبار تتعطل حساباتها وتصاب بالشلل التي كانت تشير إلى أن الوضع على ما يرام ولا خطر حقيقي على نظام الشاه. عندها يخرج الشاه المقبور على الإذاعة والتلفاز ويحذر من الخروج للشوارع، وأن الجيش والقوى الأمنية ستضرب بيد من حديد على يد كل خارج عن القانون. وبالفعل يعلن الشاه حالة الطوارئ وتنزل تشكيلات الجيش والقوى الأمنية في الشوارع وأرجاء المدن في استعراض للقوة وجدية في البطش.
استقامة القائد وشجاعته
عندما رأى البعض إصرار وجدية الشاه على قمع التظاهرات بكل قوة نصح البعض السيد الإمام بتجميد دعوته للنزول إلى الشارع، كي لا تسفك الكثير من الدماء وسيتعرض الناس للأذى الشديد من الشاه، فالتريث جيد!! لكن الإمام بروحه الحسينية يستحضر حينها الآية الشريفة: «الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانًا» ويصر السيد الإمام على قراره وثباته، ويجدد دعوته لجماهير الشعب للنزول إلى الشوارع. وفعلاً ينزل الشعب المليوني في كل الساحات امتثالًا لكلام السيد الإمام وأرواحهم على أكفهم غير مبالين بآلة الشيطان وطغيانه.
هروب الشاه
قمع الشاه وآلته العسكرية ما قمع وسقط الكثير من الشهداء والشعب يصارع الطاغوت. وجد حينها الشاه أن الأمور وزمامها تنفلت من يده، فقام بتعيين حكومة جديدة يرأسها العميل شاهبور بختيار وفي 16-1-1979 يسافر الشاه فجأة تحت مسمى «زيارة خاصة» لخارج البلاد، وأثناء خروجه شعر الشاه بأنه لن يعود مجددًا إلى إيران فالتحولات الدراماتيكية متسارعة. فخرج ذليلاً وبحسرة يرى زوال ملكه الواهم الذي لا عودة له أبدًا، وحطّ الطاغية رحاله في مصر لدى طاغية مثله وهو أنور السادات، فكان الشاه نذير شؤم على صاحبه الذي لم يلبث سنة بعدها إلا واغتيل وذهب إلى الجحيم.
قرار العودة للسيد الإمام
رأى السيد الإمام أن الوقت مناسب للعودة خصوصًا بعد سيطرة الثوار على الكثير من المناطق، وتم استخدام السلاح من قبل الثوار للتعامل مع القوى المعاندة للشعب والتي تمعن في قتل الأبرياء. وعندما أعلن السيد الإمام قرار عودته من فرنسا هددت حكومة الشاه التي شكلها برئاسة بختيار قبل مغادرته بأنها ستسقط الطائرة التي يستقلها الإمام إذا وصلت الأجواء الإيرانية. لم يُعر السيد الإمام هذا التهديد اهتمامًا، لكن شركات الطيران أخذت الحيطة ولم تقبل أي شركة المجازفة في هذا الأمر إلا أن أحد الأثرياء الإيرانيين المؤيدين للثورة دفع مبلغًا كبيرًا للتأمين على الطائرة، فتمت الموافقة على نقل الإمام على خطوطها، وفي الأثناء بينما التهديد قائم والخوف يحف الجميع إلا أن السيد الإمام كان يعيش الهدوء والسكينة في قلبه، وبكل اطمئنان يؤكد على إصراره على العودة غير مكترث بالتهديدات ومتوكلاً على الله وحده.
1-2-1979 الفجر الصادق
الجميع يترقب عندما قرر الإمام العودة إلى الوطن وفي ظل التهديدات التي أطلقتها حكومة الشاه التي ما زالت موجودة، ورأى الإمام أنه لا بد من الحسم الثوري، ولا يتأتى ذلك إلا بعودته ليباشر عملية الدفع بالثورة لخيار الإسقاط، ونتيجة التهديد بإسقاط طائرته اجتمع مجموعة من العلماء في قم من المقربين ومنهم الشيخ أحمد أذره قمي، ورأوا أن يشيروا على الإمام بتأجيل عودته حفاظًا على سلامته، فقاموا بالاتصال به وبينما الشيخ قمي يحادث الإمام وقعت من يده سماعة الهاتف، فسأله الحضور ما الذي قاله لك الإمام فرد: «لما أشرت عليه بتأجيل الرحلة أجابني السيد الإمام بقوله كلا إنني مأمور».
في مطلع فبراير تهبط طائرة السيد الإمام في مطار مهر آباد في طهران، ويتغير وجه التاريخ و يعلن الإمام «سأشكل الحكومة وسأوجه صفعة إلى وجه الشاه»، ويتوجه موكب الإمام من المطار إلى مقبرة بهشت زهراء وسط الملايين العاشقة لقائدها؛ حيث يرسل الإمام من بين روضات الشهداء في بهشت زهراء نداءاته ويؤكد أن هذا النصر الإلهي كان ببركة دماء الشهداء الذين سقطوا في هذه الثورة المباركة.
من جهتها الجماهير تتوافد على الإمام من كل إيران تعلن البيعة للإمام والوقوف خلفه وتفديه بأرواحها، وبعد انهيار عرش الطاغوت وبيعة كل أجهزة الدولة للسيد الإمام تم الإعلان الرسمي للانتصار في 11-2-1979 المصادف 22 بهمن بالتقويم الهجري الشمسي والذي عبر عنه السيد الإمام بقوله «22 بهمن يوم من أيام الله» في يوم تظهر وتتجلى العزة الإلهية للمؤمنين، ويعيش الطواغيت في كل الدنيا حالة من الذلة والرعب من هذا الطوفان العظيم.
الخلاصة
إن هذه الثورة العظيمة التي فجرها قائدها الكبير الإمام الخميني أعادت للإسلام هيبته وعزته بعدما حاول عبثًا طواغيت الزمان طمس معالمه واستغلال الدين من أجل تحقيق مصالحهم ومخططاتهم الإجرامية مستغلين أهمية الدين وتأثيره في وجدان جماهير الأمة عبر تجبير أحكامه وتحريف مفاهيمه لصالح الباطل، فيأتي هذا الرجل العظيم لابسًا عباءة النبي (ص) وحاملاً سيف علي (ع) وحلم الحسن (ع) وصبر الحسين (ع) ورافعًا راية المهدي (عجل الله فرجه) ليظهر الحق ويزهق الباطل في زمان عز فيه قول الحق. فالسلام على الخميني يوم ولد ويوم مات ويوم يبعث حيا.
تعليق واحد