ترشيد وتوجيه الثورة
جدول المحتويات
الأخلاق الثورية
كان مفجر الثورة الإسلامية مثالًا عظيمًا لثورة أخلاقية هو مربيها ومدرسها في الحلقات العلمية، وهو الدرس العملي كذلك المطبق لتلك الخصال الشريفة. فعندما كان في الحوزة وبين طلبته الذين كان يعقد لهم درس الأخلاق كل أربعاء كان الإمام يحرص على حضور الدرس في وقته ولم يتأخر قط عنه، وذات مرة دخل على تلامذته وهم يتكلمون عن أحد العلماء بما يشينه، فكان مورد غيبة عندها ألغى الإمام الدرس بسبب اغتياب أحد العلماء في ذلك اليوم.
كان يُجل العلماء حتى مَن يختلف معهم في الرأي، وفي نفس الوقت حازم في موارد الغيرة على الدين وقيام البعض بالتجاوز على الأحكام الشرعية. ورغم الاختلاف مع بعض العلماء في المسائل السياسية إلا أنه يعبر عن احرامه لهم ويحفظ مقاماتهم حتى إن أحد تلامذته عندما كان بالنجف قام بطباعة رسالة السيد الإمام العملية، وكتب عليها في الغلاف «زعيم الحوزة العلمية» فرفض الإمام توزيع وطباعة الرسالة إلا بعد إزالة هذا المسمى لأن هذا اللقب كان يحمله آنذاك السيد الخوئي.
عندما كان الإمام في فرنسا وفي أعياد الميلاد «الكريسمس» حيث يحتفل المسيحيون بمولد المسيح (ع) قام السيد الإمام بتوزيع الهدايا على جيرانه في البلدة التي كان يقطنها رغم كونهم من غير المسلمين إلا أنهم ليسوا أعداء للإسلام، وقد أثرت هذه الحركة في نفوسهم كثيرًا؛ بل عندما همّ السيد الإمام بالرحيل عن فرنسا بعث لجيرانه أن يقبلوا العذر منه إذا تعرضوا لإزعاج أو ضجيج أضرّ بالهدوء في بلدتهم. هكذا كانت أخلاق السيد الإمام التي هي تجسيد لسماحة الإسلام ورحمته.
التأسيس العقائدي والفكري للجماهير
من أجل نضج الثورة وتثبيت ركائزها لا يقتصر تعميق الحس العقائدي والطرح الفكري على مستوى النخب فقط؛ بل تحتاج الجماهير لامتلاك وعي كافٍ عقائديًا وفكريًا من أجل تثبيت دعامات الثورة ولكي يمضي الشعب في تحقيق غايته على بصيرة من أمره. وكان الغرض من ضخ فكر الإمام وطرحه العقائدي في تلامذته من خطباء وعلماء كي يستطيعوا نشره في أوساط الشعب وقد توّج بحثه في رؤيته للحكومة الإسلامية التي طرحها على مرتكز «ولاية الفقيه» التي هي الامتداد الطبيعي لولاية الله والرسول والأئمة الأطهار.
فأطروحة السيد الإمام في الحكومة الإسلامية تبني أساسها على حاكمية الفقيه الذي له صلاحيات المعصوم التشريعية في نظم شؤون المجتمع السياسية والاقتصادية والاجتماعية مستندًا على الأدلة العقلية والروائية المأخوذة من النبع الصافي لمدرسة أهل البيت (ع).
البناء الثقافي للجماهير
حرص السيد الإمام على التواصل المستمر مع الجماهير قبل الثورة وأثناءها وبعدها، وأخذ يضخ المفاهيم الإسلامية الأصيلة عبر الخطاب المباشر وعبر التسجيلات الصوتية والنشرات والمجلات التي صدرها أثناء الثورة عبر تلامذته؛ حيث كان الشيخ الرفسنجاني مسؤولاً عن مجلة الثورة التي كانت تصدر داخل إيران، وتوزع بشكل سري على سائر مناطق طهران. وكان السيد القائد لديه مهام التنقل سرًا بين مناطق إيران كمسؤول ارتباط لنقل مواقف الإمام ومستجدات الأمور والدعم للخواص في محافظات إيران. وللسيد القائد مواقف في المناطق السنية في بلوشستان وجنوب إيران. وكان الشهيد مطهري والشهيد مفتح يضخان الوعي في الجامعات وبين الطلبة. وكان لهذا الأمر دور كبير في نشر الثورة وإقناع الناس بها واستمرار الزخم الثوري حتى بات الطفل والشاب والمسن رجلاً أو امرأة يعيشون الوعي والثبات والحب للقائد والاستقامة في سبيل الله، ولم يقتصر الأمر على الخواص والنخب؛ بل شمل كل شرائح المجتمع.
نحن لا نبيع الخميني
بعد إضراب عامّ في إيران دعا إليه السيد الإمام فتح ذلك الرجل المسن متجره الذي كان يبيع فيه البطيخ، ونتيجة إقفال المحل لعدة أيام بسبب الإضراب فسدت بضاعته وتلف البطيخ، فجاء أحد المتعاطفين معه وطلب منه شراء بطيخ من عنده فرد عليه وهو صاحب مبدأ ويعلم ما سيترتب على الإضراب من أضرار شخصية إلا أنه قال برد بليغ «نحن لا نبيع الخميني» بمعنى لو بعتك البطيخ فماذا قدمت أنا من تضحية في الإضراب.
بث الروح الجهادية وحب الشهادة
عمل السيد على تكريس المفاهيم المرتبطة بالجهاد والشهادة في نفوس الشعب لخلق ثقافة لديهم للاستمرار في الثورة والعطاء وتشربت روح التضحية والفداء؛ فضلاً عن أن الشهادة أصبحت قيمة اعتبارية خاصة وأن جزءًا من الوفاء لها إحياء ذكراها والسير على نهجها، فأصبحت مقالات الإمام الثورية مصدر إلهام للعمل واستنهاض الهمم كقوله: «اقتلونا فإن شعبنا سيعي أكثر وأكثر» فأين لتلك المرأة الثكلى التي استشهد ابنها أن تقول: «شجرة الحرية تحتاج إلى سقي وقد سقاها ابني بدمه ولو كان عندي غيره لقدمته». أليس هذا ثمرة ذلك الوعي الذي بذره السيد الإمام في نفوس هؤلاء <أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ 24 تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا>[1].
فصل الخطاب
إن أهم أدوار القائد هو اتخاذ القرارات الحاسمة، وأخذ المواقف التي توجه الجماهير للعمل وللوصول للهدف، وإلا ما قيمة وجود القيادة إذا اقتصر دورها على توصيف الواقع فقط، فلو كان هذا دوره فقط فهناك الكثير من المحللين البارعين وأصحاب البيان في الكلام يستطيعون توصيف الواقع بأفضل بيان، لكن هؤلاء لا يملكون القرار، ولا يتحملون المسؤولية عن الموقف، بينما القائد عليه مسؤولية وتكليف أن يقوم بحسم القرارات وفصل الخطاب في المواقف خصوصًا في الأحداث الجسام، لذا كان السيد الإمام حاضراً في كل مفاصل الثورة ومنعطفاتها، ولكونه حاجزًا ومتصديًا تجد رقاب الناس والجماهير ترنو إليه إذا تقطعت بهم السبل يريدون معرفة تكليفهم. فالقائد الإمام الخميني تجده منذ اللحظة الأولى للثورة حاضرًا؛ وهو في المنفى حاضر ويوم الانتصار وبعد الانتصار حاضر وحتى اليوم وإلى تسليم الراية للمولى صاحب العصر والزمان حاضر في قلوب المؤمنين الثائرين.
تمييز الأعداء عن الأصدقاء
أكد السيد الإمام على ضرورة الوعي بمكائد الأعداء وتدخلاتهم وعدم الخلط بين الحق والباطل «ولا تلبسوا الحق بالبطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون»، وهناك أعداء داخليون هم المنافقون الذين يريدون ركوب موجة الثورة والكيد لها، وهناك أصحاب الأهواء الذين يميلون مع الثورة أينما مالت مصالحهم، فإذا خالفت مصالحهم ناهضوها ورموها بالسهام، وإذا مالت الكفة للثورة ركبوا الموجة وصعدوا على أكتاف أبناء الثورة. لذا يجب الحذر من الخطاب المنافق والخطاب الملبوس، ولقد تعرض السيد الإمام إلى هذه الفئة التي منذ الوهلة الأولى كان لها دور في مواجهة الثورة، لكن الإمام كان منهجه «وما كنت متخذ المضلين عضدًا» هذا من جهة أما من الناحية الأخرى فقد قرب أهل الحق من كل الشرائح وقال للأعداء «ما أنا بطارد الذين آمنوا»، والتحم القائد مع جماهير الشعب الوفية لقائدها.
عندما حاول الكثير الصعود على أكتاف الثورة و ركوب الموجة لم يُحرموا من المشاركة، لكن الوعي التام لدى القيادة والجماهير لم يسمح لأحد باختطاف الثورة وحرف مسارها في الأثناء وما بعد الانتصار، فكان الحزم والشجاعة والجرأة والبصيرة حاضرة في وعي ووجدان السيد الإمام، ولا تأخذه في الله لومة اللائمين؛ فأي تجاوز على مبادئ الثورة وانحراف عنها يُواجه بكل صرامة؛ فأمثال ما يسمون بمجاهدي خلق وحزب توده الشيوعي وغيرهم الذين ركبوا موجة الثورة معتقدين أنهم سيحصلون على الحظ الأوفر من انتصار الثورة بالصعود إلى السلطة والاستحواذ على الحكم، خابت آمالهم عندما انحرفوا عن المبادئ، وعملوا على ضرب الثورة بعد الانتصار مباشرة. واجههم الإمام بحزمه الحيدري الذي أسقط الأقنعة عنهم وعرّى تلك الدعاوي والشعارات التي أطلقوها أثناء الثورة وهم في الحقيقة كانوا يحيكون المؤامرات ضد الأمة وبأجندة أسيادهم في الشرق والغرب، وكان فصل الخطاب السيد الإمام يضع رؤية الثورة بأحرف من نور «لا شرقية ولا غربية .. جمهورية إسلامية». وهنا يطرح السيد الإمام حادثة حول هذا الموضوع بقوله: «عندما كنت في باريس حضر للقائي بعض أصحاب رؤوس الأموال الذين شعروا بقرب سقوط الشاه، وحتى يحفظوا مكانتهم ومعيشتهم في الحكومة القادمة. جاؤوا مقدمين الأموال قائلين إننا نريد أن ندفع ما بذمتنا من حقوق شرعية لكم لكني فهمت قصدهم وهدفهم فقلت لهم اذهبوا وأصلحوا أعمالكم وأنفسكم ولا حاجة لي بأموالكم».
الشباب والنشء أمل الثورة
فهؤلاء وقود وطاقة الثورة التي تنطلق بها الحركة، فقد تمت رعايتهم وتنشئتهم بشكل سليم. فحتى لو كان واقع السياسة سيئ إلا أن البناء العقائدي في هؤلاء سليم يمكن من خلاله تحقيق المنشود ولو بعد حين على يدهم ويد النشء والأطفال الذين من بعدهم. فعندما كان البعض يلوم السيد الإمام في الخمسينات على مواقفه من الشاه وأنها غير مجدية في ظل واقع غير مقنع ولا يدعو للتفاؤل يشير السيد الإمام بيده إلى أطفال يلعبون وهو يقول: «بهؤلاء سننتصر». وفي حديث للسيد الإمام مع الطلبة الجامعيين الشباب: «إن تعبئة الطلاب الجامعيين تعد من أهم التجمعات والتشكيلات في الوقت الراهن».
[1] إبراهيم: 24-25