مواضيع

مخاضات الثورة

النزعة الثورية في شخصية السيد الإمام

تبين لنا مما سبق أن التوجه الثوري لديه كان حاضرًا متوشحًا بالروح الكربلائية ومعايشًا للتجربة السياسية ومراقبًا لها عبر الحركات والثورات والشخصيات التي تقف في دورها ومناهجها. وقد توصل لقناعات ثابتة بأن زوال حكم الشاه هو الخيار الصالح وما عداه فهو باطل. وهذا الطرح لم يكن وليد يوم إعلان الثورة سنة 1964 بل هو سابق له منذ أمد طويل يمتد حسب اعتقادي إلى بداية الخمسينات وبالذات مع قيام حكومة مصدق ونكثها بتعهداتها للسيد النائيني عندما طالبه باتخاذ مواقف ثورية ضد الشاه، لذا عمل السيد الإمام قبل إطلاق الثورة:

  • على البناء الفكري والعقائدي والروحي لمجاميع من تلامذته ومريديه، ليشكلوا لاحقًا الذراع التي تترجم خطوات القائد ومواقفه إلى فعل. لقد قام السيد الإمام بتأهيل وتربية تلامذته، ليكونوا قادة المجتمع الإسلامي، وهم من سيعملون على بث الروح الثورية وإدارة الثورة مع الجماهير.
  • تهيئة الجماهير عبر التعبئة السياسية والحقوقية مع وضوح الرؤية والشفافية والدفع بالنخبة والقيادة للالتحام بالجماهير ومعايشة همومهم ومساندة قضاياهم.

وفاة السيد البروجردي

بعد وفاة المرجع الكبير السيد حسين البروجردي، بدأت رحلة جديدة في التصعيد الثوري لدى السيد الإمام بدأت بتصديه لمهام المرجعية، وقد اشتهرت مرجعيته في أنحاء إيران، واستقطبت الشباب الثوري وطلبة العلوم الدينية المتحمسين للدفاع عن دينهم والذين وجدوا في الإمام الخميني ضالتهم من أمثال السيد البهشتي والسيد القائد والمطهري والرفسنجاني. وبدأت مواقف السيد الإمام بالظهور عبر بياناته المناهضة لأمريكا وإسرائيل والتعريض بسياسة الشاه في الشأن المحلي والخارجي. ومن هنا وضع السيد الإمام أهداف ثورته القادمة القائمة على البعدين الداخلي والخارجي. وتتلخص في إسقاط النظام الجاثم على صدر المسلمين.

أهداف الثورة

تلخصت رؤية الإمام في بعدين:

  • البعد الداخلي: المتمثل في استبداد الشاه ونهبه لثروات البلاد والظلم الواقع على الشعب ونشر الفساد الأخلاقي وضرب القيم الإسلامية.
  • البعد الخارجي: ويتمثل في دعم النظام الشاهنشاهي للكيان الصهيوني الغاصب والتبعية المطلقة للغرب والتي تخالف تعاليم الإسلام.

وعلى هذا الأساس بنى السيد الإمام رؤيته وقناعته الراسخة في ضرورة زوال نظام الشاه لتتحقق الأهداف السالفة واستبداله بنظام إلهي ينطلق من فهم الإسلام الذي جاء به الرسول (ص).

وقل له قولاً لينًا

بدأت المواجهة مع الشاه من خلال مراعاة مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فبدأ الإمام بالنصيحة الصريحة إقامةً للحجة عليه من قبيل إني أدعوك، أنصحك، والأفضل لك. وتزامن ذلك مع بث الوعي في الشعب على آليتين:

  • الخطابات المباشرة للشعب.
  • عبر مجموعة العلماء والخطباء من تلامذتهالذين رباهم الإمام على الفكر الإسلامي الأصيل، وكانوا ينتشرون في كل أنحاء إيران يبثون الوعي والفكر الثوري.

إشارة مهمة

هنا لفتة مهمة صنعت فارقًا بين هذه الثورة والثورات الأخرى منها ما قاله الشيخ محسن الأراكي:

  1. السيد الإمام حركته كانت جماهيرية وخطابه للجماهير على عكس حزب الدعوة كانت خطاباته نخبوية، والنخبة يسهل ضربها لكن الجماهير يصعب ضربها.
  2. الفارق بين حوزة قم وحوزة النجف أن في النجف الدراسة طوال العام والطلبة يتقوقعون في الحوزة ولا يرتبطون بالمجتمع بشكل مباشر، أما في قم ففي شهري محرم وصفر وكذا شهر رمضان تعطل الحوزات فينتشر المبلغون قافلين إلى بلداتهم ينشرون فكرهم ويتواصلون مع مجتمعاتهم.

يقول الشيخ الأراكي مضيفًا: إن خذلان الناس للسيد الصدر في النجف ناتج عن هذه الوضعية حتى لما جاء خبر استشهاد السيد الصدر كانت الحياة طبيعية في النجف، بينما مجرد اعتقال السيد الإمام نزلت الجماهير بأعداد كبيرة إلى الساحات.

التصعيد الخطابي والشدة في الموقف 1962

ألقى السيد الإمام خطابًا علنيًا بعد اشتهار مرجعيته وإحساسه بنضج الثورة التي غرس نبتتها في قلوب الجماهير، فطرح في ذلك الخطاب أدبياته التي ضمن أهدافه؛ حيث تعرض للشاه وأمريكا وإسرائيل منتقدًا سياسة الشاه و واصفا لأمريكا وإسرائيل بالأعداء والشياطين. وعلى إثر ذلك تعرض السيد الإمام للاعتقال الأول الذي قوبل باحتجاجات جماهيرية عارمة اضطرت على إثره أجهزة السافاك للإفراج عن السيد الإمام مطالبين إياه بالكف عن التحريض أو التعرض لسياسة الشاه، ومع ذلك عاد الإمام مواصلاً طريقه في انتقاده وتحريضه ضد الشاه وأسياده. وحتى تلك اللحظة كان الإمام بين فترة وأخرى يهدد بالثورة وبسبب المقام المرجعي والنفوذ الشعبي للسيد الإمام كان الشاه يجتنب التعرض للشاه، لكن أجهزة المخابرات تعمل على اضطهاد واعتقال من يتواصلون مع السيد الإمام حتى جاءت اللحظة التي أعلن فيها رسميًا الثورة وأعلن مطلبها وبكل صراحة ووضوح.

مجزرة المدرسة الفيضية 1965

عجز النظام الإجرامي عن استهداف السيد الإمام، فاضطر لنفيه خارج البلاد، بعدها أشعل نار ثورة لا يستطيع إخمادها. فعمد جلاوزة الشاه على ارتكاب جريمة بشعة بيد جهاز السافاك عندما اقتحموا المدرسة الفيضية، وهي الحوزة التي يدرس فيها الإمام وفيها طلابه و مريدوه، حيث قام بارتكاب مجزرة بشعة في حق الطلبة باعتدائهم على العلماء وقتل عدد كبير منهم، ورموا الكثيرين من فوق السطح العالي للمدرسة، و طعنوا الكثيرين بالسكاكين، والغرض من ذلك ترهيبهم والانتقام من قائدهم السيد الإمام.

شرارة الثورة يوم العاشر من محرم 1964 م

كانت ردة الفعل على قانون القضاء الأمريكي «الكاباتالسيوم» الذي ينص على عدم السماح بمحاكمة أي أمريكي خارج الولايات المتحدة أيًا كانت الجريمة التي ارتكبها، ولا يتم عرض أي أمريكي إلا على القضاء الأمريكي، وعلى هذا الأساس عُرض هذا القانون على البرلمان الإيراني لإقراره ومن ثم مصادقة الشاه عليه. ولهذا السبب حذر السيد الإمام البرلمان من إقرار القانون وهدد الشاه بالثورة عليه إذا صادق على القانون، ولم يستجب الشاه لهذا التحذير فأرسل أحد أزلامه يهدد الإمام من تبعة التحريض عليه. عندها خرج السيد الإمام في يوم العاشر من محرم متوجهًا لحرم المعصومة وفي المدرسة الفيضية ألقى خطاب يوم  العاشر، وأعلن الثورة على الشاه المقبور، والهدف هو إزالة الشاه كلف ما كلف الأمر من تضحيات، وقبلها بيوم أرسل السيد الإمام رسالة للشاه وقد صادق على القانون الأمريكي قائلاً له: «لو أن كلبًا أمريكيًا اعتدى على الشاه فعلى شاه إيران أن يمتثل أمام القضاء الأمريكي لاسترجاع حقه». وقد اعتبر السيد الإمام هذا القانون مخالفا للغيرة والحمية الدينية، وهو إهانة للشعب الإيراني.

كان الإعلان الرسمي للثورة والهدف واضح في يوم الحسين الذي هز كيان النظام ولم يتمالك نفسه. ففي نفس الليلة ألقى القبض على السيد الإمام فعمّت المظاهرات أرجاء إيران دفاعًا عن قائدها.

المصدر
كتاب وذكرهم بأيام الله |‌ الأستاذ محمد سرحان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟