مواضيع

لماذا الاحتفاء بذكرى انتصار الثورة؟

العودة للإسلام المحمدي الأصيل

إن الإسلام الذي جاء به الرسول (ص) يحمل منظومة متكاملة من القيم العقائدية والعبادية والأخلاقية الثابتة التي تعتبر خاتمة التشريعات و تثبيتا للثوابت حتى يرث الله الأرض ومن عليها، <وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ>[1] ولأنه الدين الخالد بكل تراثه الذي لا يعرض عليه التبديل، فأي محاولة لتحريفه في الإطار العملي يصطدم بالإطار الفكري والعقائدي الصلب، لذا بقي الإسلام محفوظًا، ولكن الأعداء واصلوا عملهم لحرف المسلمين أنفسهم عن الإسلام، فما داموا قد عجزوا عن العبث في الأصول الفكرية، صار الأجدر الاكتفاء بإبعاد المسلمين عنها إما بغرس أفكار جديدة أو عبر تشويه المفاهيم الإسلامية الأصيلة وتحوير معانيها لموضعٍ خلاف ما أراده الله. وهنا تكمن أهمية الثورة المباركة في إيران التي أعادت للإسلام هويته وحقيقته كما جاء به الرسول الأعظم (ص)، و أرجعت الإسلام للحياة بعد أن كاد يندرس في أجواء إبعاد المسلمين عن دينهم وعودة الثقة في الدين كمنهج محرك للحياة ووسيلة للنجاة في الآخرة.

إن النهضة المباركة للإمام الخميني عملت على تجديد الإسلام، وليس المقصود هنا بالتجديد إعادة صياغة مفاهيم الإسلام أو تغيير جوهرها؛ بل إن التجديد هو نفض الغبار والشوائب التي علقت بالإسلام وإعادة إبرازه جديدًا ناصعًا كما جاء به محمد (ص).

لقد لعبت الأهواء السياسية دورًا كبيرًا عبر الحكام الطاغوتيين الذين حكموا بلاد الإسلام، وعملوا على إبعاد المسلمين عن إسلامهم الحقيقي واستبداله بإسلام مشوه يحمل قشورَ وظواهرَ الإسلام فقط، أما الجوهر فيُجيَّر بكل مضامينه لصالح قوى الاستكبار الطاغوتية ورغبات السلاطين، واستعانوا بوعاظ السلاطين الذين باعوا كلمات الله بثمن بخس، فجاءت هذه الثورة التي قلبت الموازين، وأرجعت الحق لنصابه، وأظهرت الإسلام كما جاء نقيًا. فالحمدلله على هذه النعمة الكبرى والتي وصفها الإمام الخميني في يوم انتصارها بـ: «22 بهمن يوم من أيام الله».

الانتظار الإيجابي

إن هذه الثورة هي ثورة قيم ومبادئ، وقد قضت على الثقافة والفكر المنحرف الذي علق في أذهان المسلمين عمومًا وفي الوجدان الشيعي خصوصًا، مما تسبب في تراجع المؤمنين و انتكاسهم عبر التاريخ. ومن ضمن تلك الأفكار التي جاءت بها الثورة عقيدة المهدوية والانتظار. وقد أسس السيد الإمام لطرح الانتظار الإيجابي في مقابل الانتظار السلبي الذي يدعو إلى الجلوس وترك الأرض تملأ ظلمًا وجورًا لأنه يقرب ظهور الإمام! بل التمسك بعموم فكرة أن كل راية قبل ظهور الإمام الحجة هي راية باطل وضلالّ، بينما مبنى السيد الإمام قائم على فكرة الانتظار الذي يهيئ الأرضية وعهد الطريق لخروج الإمام القائم, وعليه لا بد من إقامة القاعدة التي يؤسسها المنتظرون والتي تمثل جبهة الحق ليخرج الإمام الحجة مرتكزًا على تلك القاعدة، لينطلق في ثورته العالمية؛ لذا قال الإمام الخميني: «22 بهمن هو بداية الثورة العالمية بقيادة الإمام صاحب العصر والزمان (عجل الله فرجه)».

الحسين الملهم

لقد اختصر السيد الإمام رحلة الثورة وإنجازاتها في مقولته المعبرة «كل ما لدينا هو من عاشوراء». متوجًا حالة الاقتداء بالنهضة الحسينية وأهدافها والتي تتمحور حول الهدف الأساسي وهو حاكمية الإسلام، وإن أي مشروع آخر يخالف الإسلام فهو باطل ولا يمكن الركون إليه، فاستوعب الخميني درس عاشوراء جيداً وعاش مع الحسين بكل وجدانه، وبحسب تعبير السيد الگلپایگانی المرجع المعروف الذي كان زميلاً للسيد الإمام في فترة الدراسة بالحوزة العملية بقم؛ حيث يقول: «كان عمر السيد الإمام 16 عاماً وكنت أكبر منه بسنتين، كان يقول في قنوت صلاته في كل يوم: اللهم ارزقني الأخذ بثأر جدي الحسين». فعاش مع الحسين بكل وجدانه حاملاً على عاتقه همّ الإسلام وتمكينه ونصرته، وكان الرمز الحسيني حاضراً في جميع منعطفات الثورة، حتى إعلان الثورة الذي اختاره السيد الإمام بعناية في خطابه يوم عاشر من المحرم عام 1964م بالمدرسة الفيضية بقم.

العبرة من التاريخ

يقول أمير المؤمنين: «إِنَّ مَنْ صَرَّحَتْ لَهُ الْعِبَرُ عَمَّا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْمَثُلَاتِ حَجَزَتْهُ التَّقْوَى عَنْ تَقَحُّمِ الشُّبُهَاتِ»[2]. وهكذا كان الخميني قارئًا جيدًا للتاريخ ومحللاً دقيقًا لأحداثه، لذا توصل لاستنتاجات عميقة في ضرورة اتخاذ الخيار المناسب في الزمن المناسب. بعد دراسة تاريخ الإسلام واستيعاب تجربة الرسول (ص) وأمير المؤمنين (ع)، ومن ثم مجريات الأمور في عهود الأئمة، وما بعدها في غيبة ولي العصر جزم السيد الإمام بضرورة قيام الحكومة الإسلامية في زمن الغيبة، و في حال تحقق ذلك سينتج عنه مفسدة كبرى للإسلام والمسلمين. لقد استفاد السيد الإمام من التجارب السابقة وتأثر بها وبنى عليها طرحه الفكري بعد معالجة نواحي القصور فيها خصوصًا في التجارب التي عاصرها والتي سنتحدث عنها في المحاضرة الثانية.

ثقافة الشهادة

جيء إلى السيد الإمام بأحد الشباب المعوقين كان قد فقد كلتا قدميه فسلم على السيد وهو يبكي قائلاً: «قائدنا المفدى اُدعو لي بالشهادة». لقد أسست هذه الثورة لثقافة التضحية في سبيل الله لدى الشعب الإيراني، وأصبحت سمة بارزة في شخصية الثورة الإسلامية، احتضنت من عشاق الشهادة من كل الفئات العمرية رجالًا ونساءً؛ بل أصبح الشعور بالامتنان للشهداء باعتبارهم أصحاب فضل على الأمة وهم بركتها التي حفظ الله بهم الثورة، فتجد الأطفال والشباب والعجائز يهرولون إلى نيل هذا الوسام العظيم، ويتمنون الحصول على إجازة كي يحصلوا على شرف الخدمة والشهادة. هذا الشعور المثالي جدًا له واقع في هذه الثورة. هذا هو أحد أسرار انتصارها وبقائها؛ بل وديمومتها فهي عنصر محرك للأمة نحو البذل والعطاء بلا حدود و تكريس الولاء للمبادئ والقيم والذود عنها. لذا تجد السيد الإمام بعد نزوله في مطار طهران يتوجه بدءًا إلى مقبرة الشهداء كتعبير حقيقي وليس رمزياً عن مكانة الشهداء واعتباريتهم في انتصار الثورة الإسلامية.

فهم العلاقة بين القائد والجماهير

من ضرورات مراجعة وفهم حقيقة الثورة الإسلامية هو  وعي وفهم العلاقة بين القائد الفذ والجماهير الوفية، فهناك نتائج مهمة تحققت في الثورة الإسلامية توضح طبيعة هذه العلاقة البينية والمتبادلة في الثقة والعطاء والتضحية والوعي التي لا تجد لها مثيلاً في التاريخ، وقد تطلب هذا الأمر وجود مواصفات خاصة في القائدتعتبر من متطلبات تصديه لهذا الدور، فلا يكتفي بكونه فقيهًا ضليعًا في أصول الفقه، ولا يكتفي بعدالته وتقواه وورعه، فهناك صفات أخرى تحققت في شخصية السيد الإمام جعلته جديرًا بهذا المقام العظيم، وهذا ما تجسد كذلك في وقتنا الحاضر في شخصية الإمام الخامنئي، فإضافة لما سبق يجب أن يكون القائد شجاعًا جريئًا في اتخاذ القرار ومدبرًا عارفًا بزمانه ومجربًا في التحديات ومجاهدًا بالقول والفعل مما يجعله مقنعًا لتلك الجماهير التي تلتف حوله وتنزل تحت طاعته خصوصًا بعد رؤيته لنتائج حكمته وبُعد نظره وبصيرته.

ومن جهة أخرى مع تحقق الشروط في القائد لا بد للأمة من أن تمكن القائد من نفسها، وتنطلق معه حينما يدعوها وتنزجر عندما يقف بعنوان الامتثال التام حال القيام والقعود. وكانت نتيجة ذلك الانتصار الإلهي لهذه الثورة المباركة، وإذا ما وقع الخلل في أحد الطرفين لن يكتب للثورة النجاح وإذا نجحت ستفقد مقومات الاستمرار والبقاء.

نتائج التربية العقائدية

الخميني العظيم وضع لَبنات متراصة قبل البدء في إطلاق الثورة، وهي مقدمات الانتصار ومنها: البناء الروحي والعقائدي لتلامذته من العلماء والنخب ليكونوا حائط الصد الأول للدفاع عن القيم والثوابت ويحملون أفكار القائد ويترجمونها إلى فعل على الأرض. لم يكونوا حاشية كما هو متعارف لدى بقية العلماء وإنما مجموعة عمل تحمل فكرًا ووعيًا وبصيرة كقائدها، فأصبحوا لاحقاً مجلساً لقيادة الثورة من أمثال الشهداء المطهري والبهشتي والباهنر والقائد الخامنئي.


[1] آل عمران: 85

[2] نهج البلاغة، الخطبة 16

المصدر
كتاب وذكرهم بأيام الله | الأستاذ محمد سرحان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟