مواضيع

مسؤوليات أصحاب البصيرة

«كلكم راعٍ وكلكم مسؤولٌ عن رعيته»، ومن منطلق المسؤولية الشرعية والأخلاقية المترتبة على الكل تجاه الكل يضع المشرع الإسلامي واجبات وحقوق لجميع أفراد الأمة وجماعاتها، بحيث يكون لكل واحد منهم دورًا في مجتمعه يتحدد بالمساحة التي يستطيع بها تأدية دوره، فإذا عمل كلٌّ وفق مسؤولياته وتكاليفه الشرعية والأخلاقية أصبح ذلك المجتمع مجتمعًا إسلاميًا آمرًا بالمعروف عاملاً به وناهيًا عن المنكر منتهنٍ عنه، عندها يصير المجتمع خير أُمةٍ أُخرجت للناس. فالوالد يقوم بمسؤولياته في حدود أسرته والأم كذلك وكذا الأبناء، ورب العمل في عمله، والعامل في حدود مهامه، والحاكم في حدود حكومته، والمحكوم في تطبيق الأحكام وهكذا…، ولأهل البصيرة مسؤولياتهم تجاه الأمة وباعتبارهم خواص الحق وهم أولى الناس بإدارة شأن المجتمع ورعايته، وتتلخص واجباتهم في:

1.   هداية الناس

عند الحديث عن السياسة والسياسيين، دائمًا ما يتكلم العلمانيون عن قذارة السياسة ومكرها وأن السياسي مصلحي يسعى لتحقيق المصالح الحزبية والفئوية بالدرجة الأولى، بينما السيد الإمام يضع تصورًا جديدًا للمفهوم السياسي الإسلامي، قائما على أن الدين هو السياسة أو السياسة طريق لهداية البشرية، وقد لعب هذا الدور الأنبياء والأئمة والأولياء وهؤلاء أهم مصاديق أهل البصائر. من هذا المنطلق يقول السيد الإمام (قدس سره): «السياسة أن تهدي المجتمع وتعمل على تقدمه، وتهتم بجميع مصالح المجتمع، وتهتم بجميع أبعاد الإنسان والمجتمع وتعمل على هدايتها لما فيه صلاحها، فهذا الأمر يختص بالأنبياء لعجز الآخرين عن إدارة هذه السياسة، فهذا مختص بالأنبياء والأولياء ثم العلماء الواعين». لقد اعتبر السياسة وظيفة الأنبياء، وأن لا أحد يستطيع القيام بهذا الدور – الذي يحتوي على أهداف على رأسها هداية المجتمع – سواهم وهذه الوظيفة بالتبعية هي من نصيب الأولياء والعلماء من بعدهم، ومن هنا يقول الإمام (قدس سره): «إن العلماء والخطباء وأئمة الجمعة والمفكرين الإسلاميين توحدهم وانسجامهم وإحساسهم بالمسؤولية وعملهم بوظيفتهم الخطيرة في هداية الناس وقيادتهم، يمكنهم من بسط حاكمية القرآن على جميع أهل الدنيا».

2.   بيان صورة الإسلام المحمدي الأصيل

أشار الإمام إلى وجود الإسلام المشوه الذي تقوده أمريكا من خلال تسميته بـ«الإسلام الأمريكي» الذي يقابل «الإسلام المحمدي الأصيل»، وفي هذا السياق يتحدث الإمام عن خطورة هذا الاتجاه وضرره البالغ على الإسلام، وهذا يتطلب مواجهة هذا الخطر بتحصين النهج الإسلامي الحق وبيانه من منابعه الأصيلة والذي أطلق السيد الإمام عليه «إن مواجهة الإسلام الأمريكي تتضمن مخاطر خاصة ينبغي بيان جميع أبعادها للمسلمين المستضعفين إذ للأسف ما زالت الكثير من الشعوب الإسلامية لا تميز بين الإسلام الأمريكي والإسلام المحمدي الأصيل وبين إسلام المستضعفين المحرومين وبين إسلام المتظاهرين بالدين والمتحجرين والمترفين المنكرين لله، لذا تقع على جميع العلماء مسؤولية توضيح هذين الفكرين، وإنقاذ الإسلام العزيز من أيادي الشرق والغرب».

3.   العمل بمقتضيات التكليف

إن الإحساس بالمسؤولية لدى الفرد تجاه نفسه ومجتمعه هو أكثر أوجه القصور في وعي الناس، فالكثيرون يعرفون الحق ويميزون بينه وبين الباطل، ولكن عندما يتقدم الباطل خطوة في المجتمع تجد هؤلاء الناس يعيشون في خانة المتفرجين أو الناقدين وكأنهم غير معنيين بالأمر يطالبون الآخرين بواجباتهم نصرة للحق وهم مكتّوفو الأيدي، وهذا أحد مصاديق الآية }ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون{. كل ذلك من أجل الحفاظ على بعض المصالح الضيقة كالعيش في الدائرة الآمنة، ويحسبون أنهم آمنون من الضرر أو أحيانًا الخوف من خسارة بعض المكتسبات المادية وغيرها، لذا إحساس المؤمن بتكليفه المجتمعي المرتبط بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ضرورة يجب عدم التخلي عنها واعتبارها  جزءا من شخصية صاحب البصيرة، وللسيد الإمام كلام في هذا الشأن عندما كان يخاطب مجموعة من العلماء بقوله: «كلكم راعٍ تختص بكم أكثر من غيركم، إذ حتى لو قتلونا أفواجًا فعلى التالين أن يشغلوا مكاننا، علينا جميعًا أن نضحي من أجل الإسلام، فهو وديعة الله بيد البشر». لهذا كل من لديه الكفاءة والقدرة في مجال ما لا بد أن يكون متصديًا بمقدار ما يفرغ فيه الوسع ويخرج من دائرة التكليف الشرعي، ولا يجوز له بأي حال من الأحوال التخلف عن دوره بذريعة الزهد والتواضع، فالتكليف الشرعي مقدم على كل هذه الاعتبارات، وهنا يؤكد السيد الإمام على هذا المعنى بقوله: «كل من يرى نفسه مديرًا ومدبرًا وخادمًا لخلق الله، فإن تخلفه عن التصدي للمسؤولية يعد خطأً وجفاءً للناس ولإله الناس».

4.   بناء الكوادر ونظم الأمور

من خصائص أصحاب البصيرة أنهم يعملون على احتضان الخواص وإكسابهم تلك الملكات التي تحصلوا عليها ثم يورثونها لأمثالهم من أصحاب القابليات والاستعدادات، وهنا يترتب عليهم الفحص في مجتمعهم لانتقاء تلك الصفوة وإشباعهم بالمفاهيم الحقة، لأن استمرارية الحق في العمل تمحق الباطل، وإن إحباط مؤامرات الشيطان وأهله لا يكون إلا ببصيرة أهل الحق وإرشادهم. كما أن عليهم تنظيم التشكيلات وإدارتها بشكل سليم من أجل بناء مجتمع منظم وغير عشوائي. ففي كل استحقاق إذا كنا نفتقد التنظيم لن يكون الأداء صحيحاً ولن نصل إلى الغايات المنشودة. لذا يقول السيد الإمام (قدس سره): «نظموا الثورة وتجنبوا ما يؤدي إلى الفرقة»، ويقول: «إنكم في مواجهة مع العدو، ويترتب عليكم الاستعداد لهذه المواجهة من خلال العمل كمجموعة واحدة»، فكيف سنستطيع مواجهة الأعداء ومكائدهم وأمورنا غير منتظمة؟! وجزء من الإعداد هو الترتيب المسبق لمواجهة التحديات المستقبلية، فحتى بعض الأمور التي لا تحتاجها في مرحلةٍ ما، صاحب البصيرة يرى بأن نعد الأدوات التي قد نحتاجها في مراحل قادمة، فلا تأتي علنيًا تلك المرحلة إلا ونحن على مستوى لائق من الجمهورية.

المصدر
كتاب وذكرهم بأيام الله | الأستاذ محمد سرحان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟