مواضيع

نتائج كون الإسلام دين الفطرة

تترتب على كون الإسلام دين الفطرة مجموعة من النتائج الرئيسية المهمة، منها:

  1. ليست معرفة الله سبحانه وتعالى وحدها المعرفة الفطرية في الدين الإلهي الحنيف، بل الدين الإلهي بأجمعه فطري، عقائده الحقة وأخلاقه الفاضلة وتشريعاته السمحة، لما بين التشريع والتكوين من التوافق ووحدة المصدر، فكل ما ورد في الدين الإلهي الحنيف من عقائد وأخلاق وأحكام له جذور في الفطرة؛ لأن الله سبحانه وتعالى لا يفعل أفعالاً متضادة، فيكون في الفطرة والتكوين ما يخالف ويضاد الشريعة، أو يكون في الشريعة ما يخالف الفطرة والتكوين، فهذا اختلاف عقيدة التوحيد وضرورياتها، وهو ممتنع عقلاً وشرعاً وثابت بحكم التجربة والمشاهدة.

وليس في الدين الإلهي الحنيف­­ – الإسلام – عقائده وأخلاقه وتشريعاته الواجبة والمحرمة، المستحبة والمكروهة، شيء ينافي العقل والمنطق والبرهان الصحيح، بل جميع ما جاء به قد وضع في عقول البشر وقلوبهم الميل إليه والقبول والعمل به، وليس فيه حرج ولا ضيق ولا اعوجاج، فمعارفه حقة، واخلاقه فاضلة، وتشريعاته سمحة، وجميع تعاليمه تهدي إلى الحق والعدل والخير والفضيلة والحسن والجمال والإحسان والرشاد والصلاح والإصلاح والتنمية والإعمار والتطوير والأعمال الصالحة، وتلبي جميع احتياجات الإنسان الجسدية والروحية، المادية والمعنوية، الدنيوية والأخروية، وتوفي بجميع مطالب الحياة الحضارية الطيبة ونموها وتقدمها وتطورها، والمراد منها هو إسلام الوجه إلى الله سبحانه وتعالى تماماً، وتطهير النفس وتزكيتها وتأهيلها للوصول إلى كمالها اللائق بها والمقدر لها بحسب تكوينها وطبيعتها وتحصيل السعادة الحقيقية الكاملة في الدارين الدنيا والآخرة، قول الله تعالى: <مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَـكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ> وأن ليس في الدين الإسلامي الحنيف تهافتٌ ولا تباينٌ ولا اختلافٌ ولا تضادٌ من جميع الجهات، فهو واحد متكامل ومنسجم، تماماً كالفطرة والخلقة والتكوين، لا تجد فيها اختلافاً ولا تضاداً ولا تصادماً أبداً بين مقتضياتها، قول الله تعالى: <قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَىٰ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ> وقوله تعالى: <وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا> لأن مصدر الفطرة – التكوين – ومصدر التشريع – الإسلام الحنيف – مصدرٌ واحدٌ هو الله رب العالمين سبحانه وتعالى، قول الله تعالى: <سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى 1 الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى 2 وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى> وزعم الاختلاف بينهما مخالف للعلم والتجربة والمشاهدة، يقول الشيخ محمد جواد مغنية: «أما الآية بمجموعها فإنها تدل على أن الدين يرتبط بالفطرة، ولكن ليس معنى هذا أن الفطرة هي المشرع والآمر الناهي، وإن وظيفة الدين هي الكشف والتعبير عن أحكامها… كلا، فإن الله الذي خلق الدين والفطرة هو المشرع الأول، وله وحده الأمر والنهي، وإنما القصد من الآية هو تحديد المقياس الذي نقيس به دين الله، وأنه بما فيه من عقيدة وشريعة وأخلاق ينسجم مع فطرة الناس ومصالحهم، وأنه سبحانه وتعالى لم يشرع حكماً لعباده منافياً لمصلحة الفرد أو الجماعة… وهذا هو الضابط والفاصل بين أحكام الله وأحكام غيره، بين شريعة الحق وشريعة الباطل» وهذا ينطبق أيضاً على ولاية المعصوم والفقية، وخلاصة الموضوع: إن الإنسان لو ترك له اختيار الحاكم بحرية كاملة لاختار من يراه الأفضل لبلاده، فاختيار الأفضل للحكم هو من حكم الفطرة والعقل والمنطق السليم، والمعصوم هو الأفضل يقيناً؛ لأنه اختيار الله سبحانه وتعالى وخيرته من خلقه، وهو صنيعه، وهو معصوم. وهو الأفضل في كل الأوقات والظروف.

أما اختيار الناس للأفضل فقد لا یكون دقيقاً، أي: قد يخطأون فيختارون غير الأفضل، وقد يكون اختيارهم الأفضل في وقت ولظرف معين، وليس الأفضل في وقت ولظرف آخر.

وكذلك اختيار الفقيه الجامع للشروط هو الأفضل لما لديه من المعرفة بالله ذي الجلال والإكرام وبالدين الحنيف، ولما يتمتع به من التقوى وحسن الخلق والأمانة والاستقامة والعمل الصالح، ولما لديه من المعرفة بزمانه، ولتوظيفه البعد الروحي والديني في البناء والتعمير والتطوير ونحو ذلك، وبذلك تتم الحجة البالغة لله سبحانه وتعالى على الإنسان.

وقد سبق بيان دور الفطرة في الاختلاف وظهور الفساد، الأمر الذي استعجب منه الملائكة حينما أعلمهم الله سبحانه وتعالى باستخلاف الإنسان في الأرض، قوله تعالى: <وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً (يعني الإنسان) قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ> فلم ينفي الله جل جلاله صدور الفساد وسفك الدماء من الإنسان، وإنما أشار إلى سر آخر وحكمة فيه تغطي على ذلك، وهذا يتطلب بالضرورة وجود الدين الإلهي لرفع الاختلاف ومنع الفساد وإيصال الإنسان إلى كماله اللائق به والمقدر له، ونجاته من الشقاء والهلاك، وهما نتيجة تترتب بالضرورة على الاختلاف والفساد، وتحقيق السعادة الحقيقة الكاملة له في الدارين الدنيا والآخرة.

  • إن الفطرة التي تهيئ الإنسان لقبول الدين الإلهي الحق، تهيئه بالأول والضرورة لمعرفة توحيد الله ومحبته وعشقه وطاعته وعبادته والخضوع المطلق إليه؛ لأن هذا هو الأساس الذي يقوم عليه الدين الإلهي الحق، وأن لا كمال ولا سعادة ولا نجاة للإنسان بدونه، مما يدل على امتلاك الإنسان المعرفة الحضورية والميل القلبي لخالقه سبحانه وتعالى، وهذه الفطرة وهذا الميل الطبيعي في الإنسان هو الذي شرفه الله جل جلاله بخطابه، قوله تعالى: <وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ>.
  • لأن الإسلام دين الفطرة، ولأن الجوهر والحقيقة والفطرة واحدة في جميع الناس – النوع الإنساني – في العالم على طول التاريخ وعرض الجغرافيا، أي: لا تختلف باختلاف الأفراد والشعوب والأمم والأزمنة والأمكنة، ولأن مقتضيات الفطرة والخلقة الطبيعية واحدة وثابتة لا تتغير ولا تتبدل كذلك باختلاف الأفراد والشعوب والأمم والأزمنة والأمكنة، فطبيعة النوع الإنساني وفطرته واحدة في منطقه وتفكيره وفيما يضره وينفعه وله كمال واحد وسعادة واحدة وشقاء واحد، وله سنة واحدة وسبيل واحدة تنسجم مع طبيعته وفطرته وتوصله إلى كماله وتحقق له سعادته الحقيقية الكاملة في الدارين الدنيا والآخرة، ولولا هذا لما قامت قائمة لمجتمع أو لأسباب عارضة مؤقتة تزول بزوالها، مثل: قول الله تعالى: <فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ>.

إنسان صالح واحد يحفظ حقوق جميع الأفراد ويضمن مصالحهم وسعادتهم على الإطلاق، ولما قامت حضارة إنسانية في العالم كله والتاريخ كله، ولما كان هناك تواصل بين الأجيال وتتجه حركة الإنسان الحضارية من النقص إلى الكمال تدريجياً، ولما قامت علاقات ناجحة بين الأمم والشعوب، ولما كانت هناك قيمة للتراث الإنساني العالمي والتاريخي، ولما تأسس ما يسمى بالمجتمع الدولي، ولما صدر ميثاق الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في العام (1948م) والعهدان الدوليان، العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية في العام (1966م) ونحوها، فوجود هذه الأمور يدل بشكل قاطع على وجود طبيعة مشتركة – فطرة – بين جميع أفراد النوع الإنساني وهي طبيعة ثابتة ومحفوظة بينهم بشكل دائم في أصل الخلقة.

وعليه: فأساس الدين الإلهي الحنيف هو الفطرة والبنية الإنسانية المشتركة بين جميع أفراد النوع المؤلفة من روح وجسد، ومتطلباتهما وأشواقهما، وأنه دين واحد لا يختلف في حقيقته وجوهره؛ لأن الخلقة والفطرة واحدة لا تختلف، وهو صالح لجميع الأفراد والشعوب والأمم، في جميع الأزمنة والأمكنة، وأن الاختلاف الحاصل بين ما جاء به الأنبياء والرسل الكرام (ع) من عند رب العالمين سبحانه وتعالى، هو اختلاف في النقص والكمال تبعاً لاختلاف درجة النضج العقلي والروحي والحضاري عند الأمم التي أنزل عليها، أو لأسباب عارضة مؤقتة يزول بزوالها، مثل: قول الله تعالى: <فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ> وليس المراد مما سبق النفي المطلق لاختلاف الأفراد والشعوب والأمم باختلاف الأزمنة والأمكنة، فهذا مخالف للعلم بالضرورة وللتجربة والمشاهدة، ولكن المراد إثبات الصلة الوثيقة الثابتة التي لا تنقطع بين الفطرة والطبيعة الإنسانية من جهة، وبين السنة الدينية – الدين الإسلامي الحنيف – المبنية عليها وتقود المسيرة البشرية نحو الكمال الحضاري المقدر لها واللائق بها وتحقيق السعادة الحقيقية الكاملة لأفراد النوع الإنساني في الدارين الدنيا والآخرة.

  • باعتبار الإسلام الحنيف الذي جاء به النبي محمد (ص) يمثل الحلقة الأخيرة والخاتمة للدين الإلهي، فهذا يعني أنه بُنِيَ على اعتبار الحالة الكاملة للإنسان، الجسمية والعقلية والروحية، ولطلب الكمال للنوع الإنساني، ولتلبية جميع احتياجاته الجسمية والروحية، المادية والمعنوية، الدنيوية والآخروية، وليس فقط متطلبات الجسد والحياة المادية الدنيوية، وهي الحالة التي يعتبر فيها حال الفرد الاجتماعي المتكامل بالتكامل الديني، يعني: المعارف الحقة، والأخلاق الفاضلة، والأعمال الصالحة التي تقوم على الفطرة والجبلّة والخلقة والطبيعة الأولى الصافية والسعادة الواحدة والشقاء الواحد للنوع الإنساني، وتقتضي سنة وطريقة وسبيلاً واحدة، ذات غاية معينة مشخصة، توصل الإنسان إلى كماله المقدر له واللائق به، وتحقق له السعادة الحقيقية الكاملة في دورة الحياة الكاملة في الدراين الدنيا والآخرة، وليس حال الفرد الاجتماعي المتكامل بالصنع والسياسية وتقوم على مراعات حالات ومتطلبات واحتياجات الجسد – الحياة الحيوانية – والحياة الدنيوية فقط، وتتجاهل متطلبات واحتياجات الروح – الحياة الإنسانية – والحياة الآخرة بعد الموت، أي: تتجاهل الحقيقة الكاملة للإنسان والدورة الكاملة لحياته الدنيا والآخرة، وهذا يؤدي إلى قتل الروح الإنسانية وتوحش الإنسان وتجلله وفساد أخلاقه وانحطاطه الحضاري، ويقوده إلى الشقاء والهلاك في الدارين الدنيا والآخرة، بدل الكمال والنجاة والسعادة في الدارين.

وهذا يقودنا إلى ضرورة بيان الفرق الجوهري بين المنطق الذي يقوم عليه الدين الإلهي الحنيف، وبين المنطق الذي تقوم عليه الأديان الوضعية البشرية التي وضعت لسياسة البشرية في الحياة الدنيا:

  • المنطق الذي يقوم عليه الدين الإلهي الحق – الإسلام الحنيف -: وجوب معرفة الحق ورعايته والعمل به في جميع الظروف والأحوال، وإن في ذلك منافع الأفراد والمجتمع الحقيقية، ووصول الأفراد إلى كمالهم التربوي المقدر لهم واللائق بهم، ووصول المجتمع إلى كماله الحضاري المقدر له واللائق به، وليس للأفراد والمجتمعات مصلحة حقيقية ولا كمال حقيقي ولا سعادة حقيقية وراء جهل المعارف الحقة ومخالفتها وتجاهلها وعدم العمل بها.
  • المنطق الذي تقوم عليه الأديان الوضعية البشرية التي وضعت لسياسة الناس في الحياة الدنيا وتتجاهل متطلبات الروح والحياة الأخروية، هو أن منافع الناس العامة تجب رعايتها بأية وسيلة كانت، وإن مبادئ الحق والعدل والخير والفضيلة والإنسانية ونحوها، كلها نابعة وخاضعة للمصالح العامة المتغيرة والمتبدلة للناس؛ لأنها تقوم على تقدير الناس أنفسهم وتشخيصهم، مما يجعل المعارف الحقّة والأخلاق الفاضلة، والأعمال الصالحة في عاصفة الأهواء والشهوات والرغبات والأغراض الباطلة، والأمر الذي يؤدي إلى انسلاخ الأمة من إنسانيتها ويقودها إلى الشقاء والهلاك في الدارين الدنيا والاخرة.
  • لأن الدين الإلهي الحق – الإسلام الحنيف – في عقائده وأخلاقه وتشريعاته، موافق للفطرة، وهو واحد في حقيقته وجوهره وثابت، فإن الاختلاف فيه مخالف للعقل والمنطق السليم والبرهان الصحيح والفطرة والطبع الإنساني السليم، وسببه الحقيقي هو البغي واتباع الأهواء الشيطانية والأغراض الباطلة والشهوات الحيوانية وفساد العقل والمنطق ومخالفة أئمة الحق والهدى (ع) وكتمان العلم الحقيقي عن الناس، فيدخل بسبب ذلك في الدين الحق ما ليس فيه، ويخرج منه ما هو فيه، والغايات الدنيوية محل الأغراض والغايات الإلهية الربانية الأخروية، ويصبح الهدف منه غير الهدف الأصلي الحقيقي، والتربية والآداب والسياسة والتدبير غير ما جاء به ونزل به الوحي من عند رب العالمين، فيؤدب الناس على أيدي الطواغيت والحكام الظلمة والفراعنة بغير آدابه، ويسيرون على غير قواعده ومنهجه وأحكامه، قول الله تعالى: <وَمَا تَفَرَّقُوا إِلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ>.
  • إن الإنسان كلما طهرت روحه وصفا قلبه وسمت نفسه أكثر، كلما كانت قابليته لتعلم الدين الإلهي الحق – الإسلام الحنيف – والمعارف الحقة وقبولها والعمل بها أكثر. وهذا يدل على أن المجاهدة الروحية تصلح وسيلة أو طريقاً لمعرفة الدين الإلهي الحق؛ لأن كلياته وتفاصليه منقوشة على صفحة النفس الإنسانية، وإنما يسترها ويحجبها ويغطيها ويمنعها عن الظهور المتعلق بعالم الدنيا والمادة، والاستغراق في الأهواء والشهوات واللذات الحسية والأغراض الدنيوية الباطلة والرغبات الفاسدة والمصالح الدنيوية العاجلة، والتلوث بالذنوب والمعاصي والآثام والجرائم والجنايات، فإذا طهرت الروح وصفا القلب وسمت النفس بالمجاهدة الصحيحة والأعمال الصالحة واستقامة النية، انكشفت المعارف الإلهية الحقة وظهرت على صفحة النفس وحصل العلم بها عن طريق المشاهدة القلبية، وأقبلت النفس على الأخلاق الفاضلة والتشريعات السمحة. وهذا يتطلب فيما يتطلب المعرفة الحقيقية الصائبة بالنفس، وتهذيبها وتصفية القلب بالمجاهدة وعمل الطاعات وترك المعاصي والذنوب والآثام، وتجنب الجرائم والجنايات، والحرص على سلامة النية واستقامتها دائماً، كوسيلة لمعرفة الدين الإلهي الحق، والوصول إلى الكمال المقدر للإنسان واللائق به المعرفي والتربوي والحضاري، والنجاة من الشقاء الكامل والهلاك الحقيقي وتحصيل السعادة الحقيقية الكاملة في الدارين الدنيا والآخرة.

وهذه النتائج الطيبة المرجوة من وراء معرفة النفس ومجاهدتها لا يمكن أن تتحقق إلا بربط النفس بصانعها الآخذ بناصيتها وهو رب العالمين، بوصفها آية من آيات قدرته وتجلّ من تجلّيات رحمته وجماله وطريقاً لمعرفته، ولا تحصل المعرفة الحقيقية بالنفس ولا تتم، ولا تحصل الغاية من مجاهدتها وتهذيبها إلا بربط معرفتها ومجاهدتها بالله سبحانه وتعالى؛ لأن الله تبارك وتعالى هو خالقها والقائم على تدبيرها؛ ولأن طريق إقامة الدين الإلهي الحق وأساسه، هو حفظ الصلة والعلاقة الوثيقة بالله رب العالمين ذي الجلال والإكرام.

  • إن الإسلام الحنيف في الوقت الذي يفرض تشريعياً وبحسب العقل والمنطق والبرهان الصحيح وبمقتضى الفطرة على الناس اتباعه بوصفه خاتم الأديان السماوية العظيمة، والجامع لكل ما جاءت به من عند رب العالمين من المعارف الحقة والأخلاق الفاضلة والتشريعات السمحة فإنة لا يرفض كل ما جاء في الأديان الأخرى والفلسفات وما جاءت به التجربة البشرية من خبرات عملية في السياسة والتنظيم والتدبير جملة وتفصيلاً، بل ينظر فيما جاءت به ويفحصه ويدقق فيه بموضوعية ونزاهة مطلقة، فيقرّ ما يتفق مع الحق والفطرة ويقرّه العقل والمنطق والبرهان الصحيح والتجربة، ويرفض ما عدا ذلك من الخيالات والأوهام والخرافات والأباطيل وما لا دليل عليه من العقل ولا شاهد عليه من الحس والتجربة، قول الرسول الأعظم الأكرم (ص): «كلمة الحكمة ضالة المؤمن، فحيث وجدها فهو أحق بها» وقول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع): «الحكمة ضالة المؤمن، فاطلبوها ولو عند المشرك تكونوا أحق بها وأهلها» وقوله (ع): «الحكمة ضالة المؤمن، فخذ الحكمة ولو من أهل النفاق».

المصدر
كتاب الإسلام دين الفطرة | أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسين

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟