مواضيع

ثبات الخلقة والدين

إن طبيعة الخلقة التي فطر الله تبارك وتعالى الناس عليها ثابتة لا تتغير ولا تتبدل ولا تزول كلياً من الأساس، ولا يقدر أحد أن يغيرها تغييراً كلياً، وكذلك مقتضياتها؛ ما ينفعها وما يضرها، ما يكملها وما يتقصها، ما يسعدها وما يشقيها، وميلها لما فوق الطبيعة – عالم الغيب والملكوت / الميتافيزيقيا – والميل إلى الجمال والروائح الطيبة والأعمال الصالحة والنفور من الباطل والروائح الكريهة والأعمال السيئة، والميل إلى الصدق والعدل والإحسان والأخلاق الفاضلة والنفور من الكذب والظلم والإساءة والأخلاق الذميمة، وقواعد العلم والمعرفة والمنطق والتفكير والبرهان الصحيح، وأن لها سنة وطريقة وسبيلاً واحدة تناسبها وتوصلها إلى كمالها اللائق بها والمقدر لها وتحقق لها النجاة من الشقاء والهلاك وتحصيل السعادة الحقيقية الكاملة المنشودة لها في الدارين: الدنيا والآخرة، ونحو ذلك.

لكن يمكن التغطية عليها وسترها واستخدامها في غير ما خلقت له، قول الله تعالى: <وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا 7 فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا 8 قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا 9 وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا>[1] يقول الشيخ محمد جواد مغنية: «خلق سبحانه الإنسان على هذه الفطرة، ولا يمكن زوالها من الأساس، أجل للإنسان أهواء غير مشروعة، وكثيراً ما تصطدم مع الفطرة وتتغلب عليها، ولكن لا تمحوها وتستأصلها من الجذور».[2]

وعليه: فإن الدين الإلهي الحق – الإسلام الحنيف – الذي يبنى على الفطرة ويلبي جميع احتياجاتها الجسدية والروحية، المادية والمعنوية، الدنيوية والأخروية، ويوصلها إلى كمالها اللائق بها والمقدر لها بحسب تكوينها وطبيعتها، ويحقق لها سعادتها الحقيقية الكاملة المنشودة لها في الدارين الدنيا والآخرة، ثابت كذلك ومستقيم وواحد لا يتغير ولا يتبدل بتغير الأفراد والشعوب والأمم والأزمنة والأمكنة ولا يزول، ولاتوجد قوة في العالم مهما كبرت تستطيع إنهاءه والقضاء عليه؛ لأنه سنة الحياة والنظام الوحيد الجاري فيها الموافق للفطرة ويشمل البشرية بأجيالها وتنوعاتها كافة، ولا يتمتع غيره بمثل هذه الصفات والخصائص التي انفرد بها عن كل الأديان والفلسفات البشرية.

وله في مقابل ذلك أيضاً: مرونة علمية فائقة لتلبية متطلبات الظروف والأحوال والأوضاع الفردية والمجتمعية المتغيرة لتغير الأزمنة والأمكنة وتبدلها، وذلك بالاستنباط الفقهي – العلمي – للأحكام التفصيلية من الأصول والنصوص الشرعية، على أسس وقواعد علمية رصينة ومحكمة قررتها الشريعة نفسها، تجعل ما ينتج عنها من أحكام وتفريعات متطابقة مع نهج الدين وتشبه الأصول في صفاتها ونورانيتها وسلامتها وموافقتها لمقتضيات الفطرة.

وقيل: إن الدين الإلهي – الإسلام الحنيف – قائم على الفطرة وثابت عليها لا يحول عنها ولايزول، ولا يغير فيها ولا يبدل على خلاف غيره من الأديان الوضعية والمحرفة. وهذه حقيقة ثابتة في المعارف الإلهية الحقة؛ لأن خالق الفطرة ومنزل الشريعة واحد، وهو الله رب العالمين الجامع لصفات الكمال، هو سبحانه وتعالى لا يفعل أفعالاً متضادة، فيجعل في الفطرة التي خلقها ما يخالف الشرع الذي أنزله أو يجعل في الشرع الذي أنزله ما يخالف الفطرة التي خلقها، فهذا مخالف للحكمة ولا يكون إلا عن عجز في القدرة وهو محال عقلاً على الله سبحانه وتعالى. وحقيقة الأمر كما قال الله تعالى: <قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَىٰ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ>[3] وقول الله تعالى: <سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى 1 الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّىٰ 2 وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَىٰ>[4].

وعليه: يجب بحكم العقل والمنطق والبرهان الصحيح والفطرة والطبع السليم، التمسك بالإسلام الحنيف والعمل به والإبقاء عليه وعدم الميل عنه واستبداله بغيره من الأديان الوضعية والمحرفة والفلسفات البشرية ونحوها؛ لأنه لا ينبغي تغيير مقتضيات الفطرة ونظامها تماماً كتغيير الخلقة والفطرة نفسها؛ لأنه مخالف للعقل والمنطق.


[1] الشمس:7-10

[2] التفسير المبين، محمد جواد مغنية، صفحة 534

[3] طه: 50

[4] الأعلى: 1-3

المصدر
كتاب الإسلام دين الفطرة | أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسين

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟