مواضيع

اعتبارات الإسلام دين الفطرة

إن كون الإسلام دين الفطرة، له حقيقة ومعاني واعتبارات عديدة، منها:

  • إن الإنسان بحسب طبيعته وتكوينه المؤلف من روح وجسد، وما لهما من حاجات ومتطلبات وأشواق وأغراض، يميل فيما يميل إليه إلى الاجتماع وإلى الاختلاف والفساد كذلك، بسبب اختلاف القناعات والأغراض والمقاصد والأمزجة والرغبات والآمال، الأمر الذي يخل بالنظام وينحرف بالأوضاع في المجتمع عما يقتضيه الاجتماع الصالح والأمن والاستقرار، ويؤدي إلى طمس الفطرة وتعطيل العقل والمنطق السليم، ويقود إلى شقاء الإنسانية وهلاكها بدلاً من كمالها ونجاتها وسعادتها. ولهذا جاءت الحاجة إلى الدين الإلهي الحق والعادل ليرفع الاختلاف ويمنع الفساد ويحافظ على النظام، وينل كل ذي حق حقه بعدالة وإنصاف، وهداية الإنسان إلى طريق كماله المقدر له واللائق به وإلى نجاته من الشقاء والهلاك وتحصيل السعادة الحقيقية الكاملة في الدارين الدنيا والآخرة، قول اله تعالى: <كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً ]متفقين على الفطرة فاختلفوا في الأمور الدنيوية اختلافاً طبيعياً[ فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ ۚ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ>[1] لأن ما به الاختلاف والفساد – الفطرة – لا يكون به الالتئام والوفاق، فالفطرة والعقل وحدهما غير كافيين لرفع الاختلاف ومنع الفساد وإحلال النظام وحفظ الحقوق والمصالح، لهذا جاءت الحاجة الضرورية في الاجتماع الإنساني إلى الدين الإلهي الحق. وهذه الحاجة معلومة بالضرورة المنطقية وبالتجربة الحسية، والدليل ما نشهده في واقع الإنسانية في المعالم على طول التاريخ وعرض الجغرافيا من سيطرة الأقوياء على الضعفاء وظلمهم وانتهاك حقوقهم والإضرار بمصالحهم وسحق إنسانيتهم، ونشوب الحروب المدمرة الدامية الكونية، مثل: الحربين العالميتين الأولى والثانية، والحروب الإقليمية والثنائية والحروب الداخلية، والاستعمار ونهب ثروات الشعوب واستغلالها والأنظمة الدكتاتورية والحكومات المستبدة والحكام القتلة المجرمين والحركات المتطرفة، وظهور الأزمات الاقتصادية الكارثية العالمية والمحلية، والتحللل والانحطاط الأخلاقي وفساد الطباع وارتكاب الجرائم الشنيعة والجنايات والآثام والمعاصي والذنوب، في ظل إقصاء الدين الإلهي الحق عن الحياة وفرض الأديان والسنن الوضعية وتعطيل سلطة أئمة الحق والهدى(عليهم السلام).

ويعتبر الرجوع إلى الدين الإلهي لرفع الاختلاف ومنع الفساد مما تدعو إليه الفطرة وتميل إليه ويقره العقل ويحكم به المنطق والبرهان الصحيح، يقول آية الله الشیخ ناصر مكارم الشيرازي: «فإن الشرع يعين حدوداً وقيوداً لقيادة الفطرة لئلا تقع في مسار منحرف، إلا أنه لا يعارض أصل مشيئة الفطرة بل يهديها من الطريق المشروع وإلا فسيقع التضاد بين التشريع والتكوين وهذا لا ينسجم مع أساس التوحيد»[2] والحقيقة أن التضاد بين التشريع والتكوين في الوقت الذي لا ينسجم مع أساس التوحيد هو ممتنع عقلاً وشرعاً.

ولأن الرجوع إلى الدين الإلهي الحق لرفع الاختلاف ومنع الفساد مما تدعو إليه الفطرة ويحكم به العقل والمنطق والبرهان الصحيح.

ولأن مجموع المعارف الحقة والأخلاق الفاضلة والتشريعات السمحة مما تميل إليه الفطرة وتقبله.

ولأن الكمال الذي يوصل الدين الإلهي هو كمال حقيقي ينبع من فطرة الإنسان وطبيعته وتركيبه المؤلف من الروح والجسد وجوهره وحقيقته، قول الله تعالى: <قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَىٰ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ>[3]، فذلك كله يعني أن الدين الإلهي دين الفطرة والعقل والمنطق والبرهان الصحيح، وقد أوجب الله تبارك وتعالى على نفسه المقدسة أن يهدي كل نوع إلى كماله اللائق به، والمقدر له وإلى سعادته الحقيقة التي هي بغية حياته بفطرته ونوع خلقته، وجهزه في وجوده بما يناسب غايته من التجهيز، ويمده بما يحتاج إليه ويعطيه ما يستحقه من الكمال، مثل: الاستكمال التدريجي للبذرة حتى تصبح شجرة قوية مثمرة، والاستكمال التدريجي للنطفة حتى تصبح كائناً كامل الخلقة قادراً على التناسل، ونحو ذلك، إلا أن يمتنع الموجود، مثل: الإنسان من قبل نفسه عن قبول ذلك العطاء الرباني بسوء اختياره، فيحرم نفسه من الفيوضات الإلهية والعطايا الربانية. قوله تعالى: <كُلًّا نُّمِدُّ هَٰؤُلَاءِ وَهَٰؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ ۚ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا>[4].

وعليه: فالإنسان كسائر الأنواع المخلوقة مفطور بفطرة تهديه إلى تتميم نواقصه ورفع حوائجه وتهتف له بما ينفعه وما يضره في حياته، وأنزل الدين الإلهي الحق – الإسلام الحنيف – عن طريق الوحي إلى الأنبياء والرسل الكرام(عليهم السلام) لتهديه إلى سنة خاصة وسبيل معينة مطابقة لمقتضى الطبع والفطرة، هي وحدها لا غيرها التي فيها رشده وخيره ومصلحته وكماله ونجاته من الشقاء والهلاك وفيها سعادته الحقيقية التي هي بغيته في الحياة.

وعليه: فالدين الإلهي الحق – الإسلام الحنيف – هو وحده الوسيلة لانتقال الإنسان من النقص إلى الكمال، ومن الشقاء الحقيقي إلى السعادة الحقيقة، ومن الخوف والضنك إلى الطمأنينة والسعة، ونحو ذلك.

ويختلف الدين الإلهي الحق – الإسلام الحنيف – عن غيره من الأديان الوضعية التي هي من صنع الإنسان ووضعه، مثل: الماركسية واللبرالية، الاشتراكية والرأسمالية، ونحوها، إن الدين الإلهي الحق يعتمد على دور المعارف الإلهية الحقة والأخلاق الفاضلة والرقابة الذاتية، رقابة النفس ومحاسبتها وتقريعها – التقوى والضمير – كوسائل رئيسية في تربية الإنسان وتهذيب نفسه وضبطه وتوجيهه وقيادته إلى كماله الحقيقي وسعادته وحمله على الانضباط والالتزام بالقوانين والتشريعات وعمل الخيرات والأعمال الصالحة وتجنب الإخلال بالأمن والنظام العام والإضرار بمصالح الناس وارتكاب الجرائم والجنايات والذنوب والمعاصي والآثام والأعمال السيئة ونحو ذلك، في مقابل الأديان الوضعية التي تتجاهل دور المعارف الحقة والفضائل والقيم وتعتبرها نسبية وشخصية وتابعة للاجتماع، وتستبدلها بقيم وهمية، مثل: الوطنية والقومية التي لا تقوم على أسس منطقية واقعية، وتعتمد على العقوبة – القوة الإلزامية – لفرض النظام والقانون وضبط السلوك والمحافظة على المصالح العامة، الأمر الذي يقتل روح الإنسان وضميره ويقضي على العقلانية الحقيقية والمنطق الواقعي في قيادة الإنسان وتربيته وتدبير شؤونه، وليس وراءها كمال للإنسان غير كماله الجسمي والحيواني، ويتجاهل تماماً كماله الروحي وعالم ما بعد الموت – الآخرة – وهو أمر مخالف قطعاً للفطرة والعلم والمعارف الحقة اليقينية، ويؤدي إلى توحش الإنسان وبهيميته وانتشار الفساد والتحلل الأخلاقي والانحطاط الحضاري، ويقود الإنسان إلى الشقاء الكامل والهلاك في الدارين الدنيا والآخرة.

  • إن الإسلام الحنيف هو دين الله سبحانه وتعالى الخالق المصور المبدع للإنسان والمدبر له والعالم بجميع شؤونه وحاجاته الجسمية والروحية، المادية والمعنوية، الدنيوية والأخروية، وهو الرحيم بعباده الحريص عليهم تمام الحرص، بل هو أحرص عليهم من أنفسهم؛ لأن حرصهم على أنفسهم هو الذي أودعه فيهم، وهو الراغب في نجاتهم من الهلاك والشقاء، وإيصالهم إلى كمالهم المقدر لهم في أصل خلقتهم وتكوينهم واللائق بهم، وتحصيل السعادة الحقيقية الكاملة لهم في الدارين الدنيا والآخرة، وإليه سيُبعث الناسُ أجمعون بعد الموت في يوم القيامة ليحاسبهم ويجازيهم على أعمالهم جزاء موافقاً لهم، إن خيراً فخيراً، وإن شراً فشراً، وأن لا نجاة ولا مهرب لمن يعرض عنه ويخالف دينه وسننه وإرادته ويقبل على غيره.

وعليه: فإن العقل والمنطق والبرهان الصحيح والفطرة والطبع السليم، تحكم بوجوب اتباع دين الله الحق – الإسلام الحنيف – وصراطه المستقيم ونهجه القويم والطريقة الوسطى والسنة المثلى في الحياة الموافق للعقل والمنطق والبرهان والفطرة والطبع السليم، وعدم الميل عنه إلى غيره من الأديان الوضعية الباطلة والأديان والمذاهب الباطلة.


[1] البقرة: 213

[2] تفسير الأمثل، آية الله ناصر مكارم الشيرازي، جزء 12، صفحة 333

[3] طه: 50

[4] الإسراء: 20

المصدر
كتاب الإسلام دين الفطرة | أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسين

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟