مواضيع

الإسلام الدين الحنيف

فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا: إذا تبين الأمر واتضحت الحقيقة وظهرت الوحدة في أبهى صورها لأقيمت الحجة التامة على العباد ولم يهتدِ المشركون إلى الدين الحق، وأعرضوا عن التعقل الصحيح وعن دلائل الحق والمعجزات والبينات فلا تهتم بإعراضهم، ولا تلتفت إليهم، ولا تذهب نفسك عليهم حسرات، واهتم بخاصة نفسك ومن تبعك من المؤمنين، وانصب – أقم – وجهك وقوِّمه وعدِّله وتوجه دائماً وأبداً بقلبك وقصدك وبدنك وبكل وجودك من غير غفلة ولا تراخي ولا فتور نحو الدين الإلهي الحق وهو الإسلام الحنيف وأقبل عليه بجد وباهتمام بالغ، وصدق وإخلاص كامل، والزمه في جميع الظروف والأحوال عقيدةً قولاً وعملاً، بتحصيل المعارف الحقة وقول الحق والصدق، وأداء الطاعات والعبادات والشعائر الظاهرة، مثل: الصلاة والصيام والحج والزكاة والدعوة إلى الله سبحانه وتعالى وإلى دينه الحق دين التوحيد والعدل والفضيلة وحسن المعاملات والجهاد في سبيل الله(عز وجل) والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والعبادات والشعائر الباطنة، مثل: المحبة والإنابة والخوف والرجاء وتحصيل السجايا الحميدة والملكات الفاضلة، والسعي والمثابرة لإقامة شرع الله سبحانه وتعالى ودينه الحق في الحياة العامة والخاصة، مائلاً إليه عن كل ما عداه، طاهراً من العناد والمكابرة والذنوب والمعاصي والآثام، ثابتاً مستقيماً قاصراً النظر عليه، غير ملتفت إلى شيء غيره، أي: لا يكون في قلبك وخاطرك شيء آخر غيره فتعود وتميل إليه، مما يدل على كمال الصدق والإخلاص والانقطاع. وغير ملتفت عنه يميناً أو شمالاً وإلى غيره من الأديان الوضعية الباطلة الاشتراكية والرأسمالية والليبرالية ونحوها، والاتجاهات اليمينية واليسارية في السياسة والاقتصاد والاجتماع وإلى الأديان والمذاهب المحرفة. مستقيماً على مقتضيات العقل المستنير والمنطق والبرهان الصحيح والفطرة السليمة التي فطره الله تبارك وتعالى الناس عليها، مبتعداً عن تطرف الشرك والنفاق والمعصية وعن كل ما يخالف العقل ويدنس الفطرة من الأهواء الشيطانية والأغراض الباطلة والشهوات الحيوانية والاستغراق في عالم الدنيا والمادة واللذات الحسية والمصالح الدنيوية الخاصة العاجلة والتعصب للعادات والتقاليد والأعراف الجاهلية البالية، ونحو ذلك، إلى اعتدال ووسطية الحق والتوحيد والإسلام والمنطق السليم والبرهان الصحيح، يقول العلامة الطبرسي: «فإن من اهتم بشيء قوم له وجهه، وسدد إليه نظره، وأقبل عليه بكله»[1].

وقيل أمره ربه سبحانه وتعالى أن يقيم وجهه – ينصبه – للقبلة في الصلاة، ليس فيه شيء من عبادة الأوثان. وقيل: يقيم الصلاة لا يلتفت يميناً ولا شمالاً. وقيل: سمي الإسلام حنيفاً؛ لأنه يأمر في جميع الأمور بلزوم الوسطية والاعتدال والتحرز من الإفراط والتفريط. وقيل: خُص إقامة الوجه بالذكر؛ لأن إقبال الوجه تابع لإقبال القلب، وهو أشرف ما في ظاهر البدن، والمراد التوجه بكل الوجود – الروح والبدن، الظاهر والباطن – إلى الله ذي الجلال والإكرام، مما يدل على كمال الصدق والإخلاص والخدمة والقيام والانقطاع إلى الله ذي الجلال والإكرام سبحانه وتعالى وتمام ذلك.


[1] جوامع الجامع، جزء 3، صفحة 12

المصدر
كتاب الإسلام دين الفطرة | أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسين

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟