مواضيع

اتحاد الشعب مع الإمام عامل قطع نفوذ العدو

من النقاط الجديرة بالذكر حول معرفة تاريخ ثورتنا الحافل هي أن نتفطن إلى أن بلادنا وبعد أن ابتليت بسنوات طويلة من الاستبداد الملكي، استطاعت أن تجد في ثورة الدستور فرصة لاستعادة أنفاسها. أي إن المتوقع هو أن تكون ثورة الدستور مجالاً لاستعادة هذا الشعب أنفاسه ومنحه الحرية، لكن هذا لم يحصل، فقد صودرت هذه الثورة منذ بدايتها من قبل الأجانب ومن قبل القوى المتسلطة على العالم آنذاك أو إحدى هذه القوى العالمية المتسلطة وأعني بها الدولة البريطانية.

بعد الفوضى التي وقعت في بدايات الثورة الدستورية بسنوات، فرضت هذه الدولة الأجنبية المتسلطة – أي بريطانيا – دكتاتوراً عنيفاً قاسياً وأخطر بكثير من ملوك ما قبل الثورة الدستورية – أي مظفر الدين شاه وناصر الدين شاه – ألا وهو رضا خان. دكتاتورية رضا خان كانت أسوأ وأعنف لبلادنا وشعبنا بكثير من دكتاتورية ناصر الدين شاه ومظفر الدين شاه، وهي دكتاتورية جاء بها الإنجليز. والواقع أننا لم ننتقل من زمن الاستبداد إلى زمن الحرية، إنما دخلنا عهد استبداد آخر ترافقه التبعية. بمعنى أن الشعب لم يذق طعم الحرية. لذلك حينما انطلقت النهضة الإسلامية في إيران، وأعلن الإمام أن الهدف من هذه النهضة هي استئصال الحكومة الاستبدادية وحكومة الهيمنة وإنهاء نفوذ الأجانب، لم يصدق ذلك الكثير من المناضلين القدماء والأشخاص الذين كانوا ناشطين ضمن صفوف الكفاح. لم يكن بمقدورهم أن يتصوروا بشكل صحيح كيف يمكن لهذا أن يتحقق! وكيف يمكن للإنسان القضاء على الملكية في هذا البلد!؟ أتذكر أنه في السنوات الأخيرة من النضال والكفاح – حينما طرح الإمام الخميني القضايا الأساسية حول نظام الحكم وشاعت هذه الأطروحات بين الناس، وأعلن الإمام أن الشاه خائن ويجب أن يرحل – كان حتى بعض العناصر المكافحة والناشطة والجيدة – والتي كان لها أنشطة عديدة في الثورة بعد ذلك – تقول باستغراب: وهل هذا ممكن؟! كيف يطرح الإمام قضية الملكية؟ وهل يمكن مناهضة الملكية؟! لم يكونوا يصدقون. والسبب هو أن العهد الطويل للقمع والاستبداد في هذا البلد ترافق مع نفوذ الأجانب وهيمنتهم ودعمهم للنظام الملكي. لكن هذا حدث، وفعلت النهضة الإسلامية العظيمة فعلها، وكذلك همم الشعب، وقيادة شخصية فذة كالإمام الذي كان للحق والإنصاف شخصية نادرة. «الصبر» و«البصيرة». رويت مراراً هذه الفكرة نقلاً عن كلمات الإمام أمير المؤمنين علي(ع): «لا يحمل هذا العلم إلا أهل البصر والصبر». البصيرة والوعي والصبر أي الاستقامة والصمود وعدم التعب. توفرت هاتان السمتان في الشعب الإيراني وفعلت فعلها وانتصرت الثورة. والواقع أن تأسيس نظام الجمهورية الإسلامية كان استجابة لحاجة الشعب الإيراني التاريخية الطويلة. رفع الشعب الإيراني الجمهورية الإسلامية من قلب طموحاته التاريخية. ومن البديهي لمثل هذا النظام النابع هكذا من صميم آمال الشعب القديمة أن يبقى. لهذا النظام القابلية على البقاء والنمو والتجذر، وليس من السهل معاداته. وهذا ما حدث على أرض الواقع.

من المتيقن أنه ما من تيار مناضل آخر كان باستطاعته القضاء على النظام الملكي في بلادنا سوى التيار الإسلامي والديني الذي ظهر على الساحة. اعلموا هذا واطمئنوا له أيها الشباب الأعزاء. ما من تيار آخر، ولا أي حزب، ولا أية منظومة مناضلة كان بوسعها إسقاط النظام الاستبدادي التابع للقوة الأمريكية في هذا البلد. وقد كانت جميع التيارات المناضلة القديمة في هذا البلد قد عطلت وعطبت، سواء التيارات اليسارية أو التيارات اليمينية، أو المجاميع المسلحة. كل هذه المجاميع كانت قد قمعت من قبل تلك الأجهزة في سنوات 54 و55. الشيء الوحيد الذي كان بوسعه إسقاط ذلك النظام الباطل هو الأمواج الشعبية الهائلة، والتواجد المتلاحم للجماهير، وهذا بدوره لم يكن متاحاً إلا بالمحفزات الدينية وبقيادة رجال الدين المجاهدين ومرجع كالإمام الجليل. وبعد ذلك حينما سقط ذلك النظام الفاسد لم يكن بوسع أي نظام آخر سوی نظام الجمهورية الإسلامية – لا النظم اليسارية ولا النظم اليمينية – لم يكن بوسعه فيما لو استلم زمام الأمور أن يصمد ويقاوم حيال نفوذ العدو وتدخله.

شاهدنا الثورات التي حصلت قبل سنوات من ذلك، سواء اليسارية منها أو المعتدلة، كيف نسفها النفوذ والتدخل الأمريكي، التدخل السياسي، أو العسكري، أو الحصار الاقتصادي. انظروا حالياً لأوروبا الشرقية التي كانت قطباً مهماً للحكومات الاشتراكية اليسارية، ولاحظوا أن الأمور انتهت بهم إلى أن تنصب القوات العسكرية وأنظمة الصواريخ الأمريكية في نفس هذه البلدان اليسارية سابقاً في أوروبا الشرقية، ويتواجد الأمريكان فيها! إذن، ما كان بوسع نظام سوى الجمهورية الإسلامية المقاومة إزاء نفوذ أمريكا وضغوطها.[1]


[1]. بيانات سماحته في جامعة علم وصنعت بتاريخ 14-12-2008م

المصدر
كتاب النفوذ في فكر الإمام الخامنئي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟