مواضيع

الحج طريق لمقابلة نفوذ العدو

الحج يقع في قمة اهتمامات الشارع المقدس. في يومنا هذا وخصوصاً عندما تنظرون ترون كأن الحج أضحى أكثر أهميةً وضرورةً من أي يومٍ مضى وأمسّ حاجةً. الحج مهمٌّ من ناحيتين؛ من ناحية وضعنا الباطني كأفراد وكأمّة إسلامية، ومن الناحية الدولية. لقد أذلّوا الأمّة الإسلامية طوال قرونٍ وعلى مرّ السنين واستخفوا بها وأوهنوا عزيمتها ونشروا اليأس فيها، وأرادوا بالوسائل الحديثة أن يضعّفوا المعنويات والروحانيات والتوجّه والتضرّع (إلى الله) فيها. والحجّ يرمّم كل هذه المصائب ويعطي العزّة لكلّ أفراد الأمّة الإسلامية ويشعرهم بالاقتدار ويمنحهم الأمل؛ هكذا هو الحج الصحيح. وأوّل آثاره يتحقق في داخل الأمّة الإسلامية وفي قلوبنا. نحن بحاجةٍ إلى الحج من أجل أن نقوّي روحيّاتنا ونرمّمها ونستشعر أنّنا نتوكّل على الله وأنّنا نثق به، وأنّنا أمّة عظيمة وكبيرة. من هذه الجهة يكون التأثير الداخلي مهمّاً، ومن تلك الجهة يكون التأثير الدولي مهمّاً؛ لأنّه يضعف العدوّ ويحطّم معنويّاته ويبرز له عظمة الإسلام، ويظهر وحدة الأمّة الإسلامية أمامه.

 في يومنا هذا، تصطف جبهة عظيمة ضد الإسلام؛ فلماذا لا نرى؟ لماذا لا يرى البعض هذه الجبهة الواسعة؟ مثل معركة الأحزاب. تتكاتف الفرق المختلفة المضادة للإسلام والمعنويات والحقيقة لتقف مقابل الإسلام، تسعى للتغلغل علّها تكتشف نقطة ضعفٍ تستطيع النفوذ من خلالها واستغلالها وتوجيه الضربة إلينا. إنّ الحج يمكنه أن يردعهم.[1]

العزة مانع لنفوذ العدو

إنّ العزة الحقيقية والكاملة حسب المنطق القرآني هي لله ولكل من هو في الجبهة الإلهية. في المواجهة بين الحق والباطل وبين الجبهة الإلهية والجبهة الشيطانية، تكون العزة من نصيب الذين يتخندقون في الجبهة الإلهية.

هذا هو منطق القرآن الكريم. يقول(عز) في سورة فاطر: <مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا>[2]. ويقول في سورة المنافقون: <وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ>[3] العزة لله، وللرسول وللمؤمنين.. مع أن المنافقين والكافرين لا يعون هذه الحقيقة ولا يفهمون أين العزة وأين هو قطب العزة الحقيقية. ففي سورة النساء يقول عن الذين يربطون أنفسهم بمراكز القوى الشيطانية من أجل نيل بعض المكانة والوجاهة والاقتدار: <أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعًا>[4]. متسائلاً هل يبحث عن العزة هؤلاء الذين يلجئون إلى خصم الله وإلى أعداء الله وإلى القوى المادية؟ فإن العزة عند الله. وفي سورة الشعراء يقدّم القرآن الكريم تقريراً لمجموعة التحديات التي واجهت أنبياء الله العظام – كالنبي نوح والنبي إبراهيم والنبي هود والنبي صالح والنبي شعيب والنبي موسى – يتطرّق بالتفصيل للتحديات التي واجهها هؤلاء الأنبياء الكبار ليوصل التقرير الإلهي الوحياني لأسماع الناس. قائلاً في كل مقطع يريد فيه التعبير عن غلبة جبهة النبوة على جبهة الكفر: <إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ 8 وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيم>[5]. أي مع أن الطرف المقابل كانوا هم الأكثرية، والسلطة والقوة بأيديهم، والمال بأيديهم، والسلاح بأيديهم، لكن جبهة التوحيد هي التي تنتصر عليهم، وهذه آية من آيات الله وربّك هو العزيز الرحيم. وبعد أن يكرر القرآن الكريم هذا التقرير على طول سورة الشعراء المباركة، يخاطب الرسول الأكرم(ص) في آخر السورة قائلاً: <وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ>[6] أي توكل واعتمد على الله العزيز الرحيم الذي يضمن انتصار الحق على الباطل <الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ>[7] إنه يرى حالك في حين القيام والسجود والعبادة والحركة والسعي والعمل.. إنه حاضر ناظر يراك <إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ>[8] إذن يجب طلب العزة من الله حسب منطق القرآن الكريم.

حينما تكون العزة من نصيب إنسان أو فرد أو مجتمع فإنها ستكون كالسور المتين من حوله بحيث يصعب على الأعداء التغلغل إليه ومحاصرته والقضاء عليه، وتصون الإنسان من توغل الأعداء غلبتهم عليه. وكلما كانت هذه العزة مترسخة في الطبقات الأعمق من وجود الفرد والمجتمع كلما كانت الحصانة والمناعة أكثر. ويصل الأمر إلى درجة أن الإنسان كما يصان من تغلغل وغلبة الأعداء السياسيين والاقتصاديين، يصان كذلك من تغلغل وتسرّب العدو الأكبر والأصلي أي الشيطان. إما الذين يتمتعون بالعزة الظاهرية فلا تكون تلك العزة في داخلهم وإلى الطبقات العميقة من وجودهم، لذلك يبقون عزّلاً بلا دفاع مقابل الشيطان.

من المعروف أن الاسكندر المقدوني كان يسير في طريق، والناس تنحني له. وكان هناك رجل عابد ورع مؤمن جالس في زاوية، فلم ينحن للاسكندر ولم يبد احتراماً ولم ينهض له. فتعجب الاسكندر وقال: أئتوني بهذا الرجل. فجاءوه به فقال له: لماذا لم تنحن أمامي؟ فأجاب: لأنك عبد لعبيدي، فلماذا أنحني أمامك؟ فقال الاسكندر: وكيف؟ فأجابه الرجل: لأنك عبد شهواتك وغضبك، والشهوات والغضب من عبيدي وتحت تصرّفي وأنا سيدها.

وعليه فإذا تغلغلت عزة النفس إلى الطبقات العميقة من وجود الإنسان، عندها لن يؤثر الشيطان ولا أهواء النفس على الإنسان، ولن تحوّل الشهوات والغضب الإنسان إلى ألعوبة بيدها.[9]

الاستقلال مانع لنفوذ العدو

الاستقلال من أركان الثورة الإسلامية ونظام الجمهورية الإسلامية. كان شعار الاستقلال إلى جانب شعار الحرية من أهم شعارات الثورة ولا يزال وسيبقى.

لاحظوا أنه بعد اندحار أسلوب الاستعمار المباشر – والذي كان سائداً في الماضي وكانوا يستعمرون البلدان بشكل مباشر – وقد نسخ ذلك الأسلوب، ظهر الاستعمار الحديث كبديل. والاستعمار الحديث هو أن لا تدخل القوى التدخلية الخارجية مباشرة إلى البلدان الأخرى وتديرها وتستعمرها، إنما يتربع على رأس تلك البلدان عملاء الاستعمار والذين يصغون لكلامه ويعتمدون عليه، وحيث إن الحكومة المعتمدة على الخارج غير ممكنة من دون الاستبداد، فقد كانوا يحكمون بطريقة استبدادية ويؤمّنون مصالح القوى الخارجية. هذا هو الاستعمار الحديث. وما كان الكفاح ضد الاستبداد قد وصل إلى نتيجة وما كان سيصل من دون مكافحة تلك القوى الخارجية التي تقف وراء الدكتاتور.

وكذا الحال اليوم أيضاً. إذا افترضنا شعباً طفح به الكيل من استبداد حكامه وثار وأطلق ثورته وحارب ذلك المستبد، لكنه استسلم لتلك السلطة المهيمنة الخارجية التي وقفت سنداً لذلك المستبد فسيكون مصير تلك الثورة والمسؤولين والمديرين فيها إما الهزيمة أو الخيانة، ولا يخرج الأمر عن هاتين الحالتين. إما أنهم سوف يمنون بالخيانة ويخونون ثورتهم وبلادهم، أو إذا أرادوا أن لا يخونوا فسوف ينهزمون ويمحون من الساحة. وكما لاحظنا في بعض هذه الثورات التي وقعت في الأعوام الأخيرة حيث حاربوا المستبد وغفلوا عن القوى التي تقف خلف المستبد وتسانده، أو فكّروا أحياناً بالمداهنة والمداراة معها، وتلاحظون النتائج اليوم. مكافحة المستبد ومصالحة المستكبر لا تؤدي إلى أية نتيجة. الثورة الموفقة الناجحة والمنتصرة هي التي ترى تلك القوة التدخلية التي تقف وراء الدكتاتور وتحاربها، لذلك عندما تحرّك شبابنا واستولوا على وكر التجسس الأمريكي ووجّهوا ضربة مهينة لأمريكا. قال الإمام الخميني: إن هذه ثورة أكبر من الثورة الأولى. الثورة الأولى أيضاً كانت ثورة، وكانت عظيمة ومنقطعة النظير، ولكن في هذه الخطوة الثانية أثبت الشعب الإيراني أنه يعرف الطبقة التالية للهيمنة والمشاكل، وهو عاقد العزم على محاربتها والنضال ضدها.

هنا يمكن فهم قضية الاستقلال. الاستقلال معناه أن يفهم البلد القوى التدخلية ويواجهها ويقف أمامها. ليس الاستقلال بمعنى سوء الأخلاق مع العالم كله، إنما الاستقلال معناه مجابهة تلك القوة التي تريد التدخل والأمر والنهي وإنفاق شرف الشعب ومكانته لصالح مصالحها. هذا هو معنى الاستقلال. من هو عدو استقلال شعب من الشعوب؟ القوى الخارجية التدخلية هي التي تهاب وتخاف من مشاعر الاستقلال في بلد من البلدان وتحاول إضعاف هذا الشعور لدى الشعب وعند أبناء ذلك الشعب السائرين في الدرب وعند قادته وروّاده، لذلك تنطلق أجهزتهم الإعلامية لأجل تثبيط الشعوب عن الاستقلال. يروّجون لفكرة أن الاستقلال السياسي للبلدان أو استقلالها الثقافي والاقتصادي يتنافى مع تقدمها. وأنتم تسمعون مثل هذا الكلام. المطلعون على الإعلام العالمي يسمعون مثل هذا الكلام. غرف العمليات الفكرية تنشر مثل هذه الأفكار في العالم باعتبارها أفكاراً فلسفية. وثمة أفراد في داخل البلدان – بما في ذلك بلادنا – ينشرون نفس هذا الكلام بالنيابة عنهم، ويقولون: إن بلداً ما إذا أراد أن يكون له مكانه بين مجموعة البلدان المتقدمة في العالم فلا مفرّ أمامه من أن يخفّض من ميوله للاستقلال، وإلّا فلا يجتمع أن يريد البلد أن يكون مستقلاً ويشدّد على مصالحه فقط ويكون له في الوقت نفسه مكان في منظومة التقدم العالمية.

هذا الكلام كلام خاطئ تماماً، وهو من صناعة الذين يعارضون استقلال البلدان. ما يأمله ويهدف إليه المقتدرون التدخليون هو أن يتدخلوا في البلدان ليستطيعوا بذلك تأمين مصالحهم، وليس من المهم بالنسبة لهم أن تسحق مصالح تلك الشعوب. إنهم مصرّون على التدخل. وهذا ما كان في النظام الطاغوتي. كانوا يتدخلون صراحة في من يكون لنا بهم علاقة ومن لا يكون لنا بهم علاقة، ومن نبيعه النفط وبأيّ مقدار نبيعه، وكيف نستهلك، ومن يتولى المسؤولية الفلانية الحساسة ومن لا يتولاها. ومثل هذا البلد سيصبح جهازاً أو وسيلة لمصالحهم، وتنسى المصالح الوطنية بالكامل. لن يعود هدف مديري البلاد ومسؤوليه المصالح الوطنية بل تأمين مصالح المتدخلين. والاستقلال يُنهي هذا السياق الخاطئ الخياني ويحول دونه. هذا هو معنى استقلال البلد. ليس الاستقلال بمعنى العزل مع البلدان الأخرى، إنما هو بمعنى إيجاد سدّ أمام نفوذ البلدان التي تريد تهميش مصالح ذلك البلد والشعب لصالح مصالحها هي. هذا هو معنى الاستقلال، وهو أهم الأهداف بالنسبة لبلد من البلدان.[10]


[1]. بيانات سماحته أمام مسؤولين الحج بتاريخ 9-10-2010م

[2]. فاطر: 10

[3]. المنافقون: 8

[4]. النساء: 139

[5]. الشعراء: 8-9

[6]. الشعراء: 217

[7]. الشعراء: 218-219

[8]. الشعراء: 220

[9]. بيانات سماحته في ذكرى رحيل الإمام الخميني(ق) بتاريخ 3-6-2012م

[10]. بيانات سماحته أمام قادة القوة الجوية للجيش الإيراني بتاريخ 8-2-2014م

المصدر
كتاب النفوذ في فكر الإمام الخامنئي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟