مواضيع

الالتزام بالشريعة الإسلامية مانع لنفوذ العدو

قد يكون من المثير للاهتمام بالنسبة لكم، أيها الشباب واليافعون الأعزاء، أن تعرفوا أن الضربات الكبرى التي وجهها مقاتلونا البواسل خلال سنوات الدفاع المقدس الثمانية للجيش العراقي، الذي كان يتلقى الدعم المالي والإستخباراتي والأسلحة من الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي السابق وأوروبا والعديد من دول المنطقة، كانت في الأغلب خطط رسمها القادة الشباب، واستراتيجيو الحرب البالغون من العمر حوالي خمس وعشرين أو ست وعشرين سنة والذين تمكنوا من قهر كبار جنرالات الجيش العراقي الذين تلقوا دورات تدريبية مختلفة على مر السنين! كانت بداية فترة رئاستي للجمهورية عندما استعاد شبابنا مدينة خرمشهر، جاء وفد عالمي إلى إيران وقال لي رئيس الوفد ما مضمونه: اليوم يختلف وضعكم في العالم عن العام الماضي اختلاف الأرض والسماء. لقد كان محقاً، لم يعتقد العالم أن شبابنا وقوات التعبئة (البسيج) والحرس الثوري اليانِع، وجيشنا الذي تلقى ضربات عسكرية سيكونون قادرين على استعادة خرمشهر بالرغم من كل التحصينات التي بناها العدو وداعميه.

عندما استعاد شبابنا خرمشهر، استعادوا الحدود وتمكنوا أيضاً من استعادة الخط المائي المشترك وإذلال العدو بالولوج إلى الفاو. لم ننوِ إبقاء الفاو بل كانت هذه إهانة لنظام صدام. لقد كانت وصمة عار للجيش البعثي العفلقي[1]. شبابنا هم الذين أنجزوا هذا العمل، ليس بالأجهزة والمعدات المتطورة التي لم تكن بحوزتهم، ولا بالدعم الإستخباراتي العسكري الذي لم يكن متوفراً لهم، ولكن بقوة الإرادة والفكر والذكاء والشباب المُنجِز. في تلك الفترة كان قادتنا يبلغون من العمر ثلاثة وعشرين عاماً، وخمسة وعشرين عاماً، وستة وعشرين عاماً، وسبعة وعشرين عاماً؛ أي أنهم أنجزوا هذه الأعمال العظيمة عندما كانوا في نفس أعماركم.

هذه الموهبة الجيّاشة، هذه الأرض الغنية، هذا الموقع الجغرافي الحساس، هذا التاريخ المجيد الذي يمثل دعامتنا الثقافية ودعامة مفاخرنا – وفوق كل ذلك، نور الإيمان الذي يضيء في قلوب شبابنا اليوم ويجعل العالم مهتماً لأمره، جميع ما سبق تبشّر بمستقبل واعد لجيلنا الشاب واليافع. جهودكم يجب أن تبذل لبناء مستقبل زاهر قدر المستطاع. كان لدينا نفس الشباب ونفس الموقع ونفس الماضي التاريخي قبل الثورة ولكن لم يكن لدينا هذا التألق والتقدم. لماذا؟ لأن في ذلك اليوم كانت الأجهزة والسلطة السياسية التي تحكم هذا البلد وتسيطر على جميع مراكز الجهد والقدرة فيه خالية تماماً من الدين والإيمان والمعتقدات القيّمة -حفنة من أجوف الأفراد الذين لا قيمة لهم كانوا يحكمون الشعب- ثانياً: هذا الذي جعل من هؤلاء أناساً خاضعين للأعداء. كانت إيران العزيزة هي الجنة للسرّاق والناهبين، لماذا ا؟ لأنهم كانوا يشترون العمدة ويسرقون وينهبون القرية! أشركوا مسؤولي النظام في سرقاتهم ونهبوا هذه الأمة. جاءت الثورة وخلقت أكبر عقبة أمام النفوذ المصحوب بالخيانة للأجانب، وكذلك الهيمنة غير الشرعية وغير العقلانية للفاسدين.

ما هي تلك العقبة؟ هو الإسلام. طالما وُجِد الإسلام في موقعه الصحيح، فإن قوى الدعاية التابعة للاستكبار العالمي والدولي تخاف من الإسلام خوفاً كبيراً.

نعم؛ إذا كان الإسلام بعيدًا عن السياسة والحياة والبيئة الاجتماعية، وكان محصوراً بأماكن العبادة والمساجد، فلا يخافون منه. إذا كان بعض الناس ينشغلون بالعبادة في الخلوة، في حين أن الميدان، وإدارة المجتمع، وإدارة البلاد، والأهلية لقيادة الأمور تترك بيد أفكار وأهواء المدارس المختلفة فإنهم لا يبالون بهذا الإسلام ولا يهتمون به. لا تعطي؛ ولكن إذا كان الإسلام كما يشاء الله ويقرّ القرآن تشريعاته ويعتبر ويُقبل به كبرنامج حياة فيخافون منه.

لماذا؟ الأن هذا الإسلام، في المقام الأول، يحتوي على عنصرين عظيمين بداخله، أحدهما احترام الشخصية والسعي لتنمية الإنسان، والثاني هو منع نفوذ اللصوص والطغاة والمتسلطين والظالمين والجائرين في العالم.

في كلمة التوحيد، توجد مايلي؛ «لا إله إلا الله». وأحد أبرز وأهم الخطوط في قول «لا إله إلا الله» هو عدم المماشاة والتعامل مع المستبدّين والطغاة والقوى الظالمة في العالم، والقوى القمعية التي ترون ما ترتكبه اليوم من جرائم في الكون وما تفعله بالأمم.

التوحيد لا يسمح للمسلمين بالركون إلى القوى المتوحشة التي تعاملت مع فلسطين والعراق وأفغانستان، وقبل ذلك مع البوسنة ولبنان ودول إسلامية أخرى ودول أخرى في العالم. هذا الركون من قبل بعض الأمم المستضعفة هو الذي مكّن مصاصي الدماء للنيل منها.

إذا تمسّكت الدول بحقها وأرادت عدم الخضوع لجبروت القوى الدولية، ولم تقبل الشعارات الزائفة لهؤلاء المنافقين الدوليين، فلن تصبح هذه القوى مقتدرة كما هي الآن.

لا يسمح الإسلام للدول الإسلامية بالخضوع للمتسلطين والتعرض للإهانة من قوى الهيمنة. يجب الحفاظ على عزة المسلم وكرامته ورشده في جميع الظروف. هذه الأمور هي جوهر الإسلام. عندما يطرح الإسلام كبرنامج حياة، تثار هذ الأمور أيضاً.[2]

الالتزام بالشريعة الإسلامية هو روح النظام الإسلامي وحقيقته. ليتنبّهوا إلى هذا الشيء. إذا طبّقت الشريعة الإسلامية بشكل كامل في المجتمع فسوف تؤمّن الحريات العامة والمدنية – حرية الأفراد والحرية الفردية – وكذلك حرية الشعب والتي تسمّى الاستقلال – فالاستقلال يعني الحرية على مستوى الشعب بحيث لا يكون هذا الشعب تابعاً إلى أحد أو مكان، والشعب الحرّ هو الشعب الذي لا يخضع بأي شكل من الأشكال لنفوذ وسيطرة أعدائه وخصومه أو الأجانب – ويضمن كذلك العدالة في المجتمع ويضمن أيضاً الروح المعنوية. هذه هي العناصر الأصلية الأربعة: الحرية والاستقلال والعدالة والمعنوية. إذا سادت الشريعة الإسلامية في مجتمع فإن هذه الظواهر الأساسية في نظام المجتمع الإسلامي سوف تبرز وتعبّر عن نفسها. إذن، شدّد إمامنا الخميني الجليل على الشريعة الإسلامية التي تمثل روح الجمهورية الإسلامية. وقد اعتمد كذلك على الديمقراطية الدينية التي هي وسيلة وأداة ومستمدة بدورها من الشريعة.

ما من قدرة أو غلبة أو سلطة مقبولة في مدرسة الإمام الخميني ناتجة عن العسف والقوة. لا معنى للقهر والغلبة في النظام الإسلامي، السلطة لها معناها والاقتدار له معناه، لكنه اقتدار ناتج عن اختيار الناس وانتخابهم. الاقتدار الناجم عن العسف والغلبة والسلاح لا معنى له في الإسلام وفي الشريعة الإسلامية وفي مدرسة الإمام الخميني. السلطة الناجمة عن انتخاب الشعب هي المحترمة، ولا ينبغي لأحد أن يجابهها، ولا ينبغي لأحد أن يستخدم القوة والقهر لمواجهة مثل هذه السلطة، فإذا فعل أطلق على عمله هذا فتنة. هذه هي الوصفة الجديدة التي عرضها إمامنا الخميني الجليل على العالم وأضاف هذا الفصل للأدبيات السياسية في العالم. من العناصر الأصلية في هذه الوصفة الجديدة – كما سبق أن أشرنا – المسارعة إلى مساعدة المظلوم ومواجهة الظالم.

ينبغي المسارعة لمعونة المظلوم، والمصداق الأتم للمظلومية في زماننا وعهدنا هو الشعب الفلسطيني، وقد لاحظتم أن الإمام الخميني الجليل ومنذ البداية وإلى آخر عمره شدّد على فلسطين وأكد عليها ودعمها، وأوصى بأن لا ينسَ شعب إيران ومسؤولو البلاد هذه القضية. مساعدة المظلوم والوقوف بوجه الظالم، ورفض تطاول الظالم، والإنكار الصريح لهيبة الظالم وأبّهته وتحطيم هذه الأبّهة، هذه أيضاً من جوانب هذا النظام، وهذه الوصفة الجديدة التي عرضها إمامنا الخميني الجليل. هذه خلاصة وصورة مختصرة ووصف مقتضب لمجموعة النظم السياسية والأساسية التي عرضها إمامنا الخميني الكبير بعد انهيار النظام الملكي في البلاد، وتقبلها الشعب تقبلاً حاسماً، وتحققت عملياً، ولم تبق هذه الوصفة في بطون الكتب كما هو الحال بالنسبة للكثير من الكلام والآراء السياسية، بل نزلت إلى الواقع وتحققت وتبلورت، وأبدى شعب إيران هممه ووفاءه، وضحّى من أجلها وحفظها وصانها، وعزّزها يوماً بعد يوم إلى أن وصلتنا في يومنا هذا.[3]


[1]. عفلق هو اسم عائلة رجل يدعى ميشيل، يعتبره الكثيرون القائد الروحي لحزب البعث في العراق. كان ميشيل عفلق ناشطاً سياسياً قومياً سورياً وعندما وصل صدّام إلى السلطة في العراق بدأ يشيد بإيديولوجيته وعقيدته. ولعل المحافظة على الامتيازات والمكانة التي وجدها في العراق لعبت دوراً هاماً في هذا المديح. هذا الشخص ذهب إلى حد وصف «صدام» بالهبة السماوية ووصف حزب البعث بالهدية للأمة العربية.

[2]. بيانات سماحته أمام طلبة المدارس بتاريخ 17-9-2003م

[3]. بيانات سماحته في ذكرى رحيل الإمام الخميني(ق) بتاريخ 4-6-2014م

المصدر
كتاب النفوذ في فكر الإمام الخامنئي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟