مواضيع

وظيفة العلماء حول نفوذ العدو

إن الأمواج الأولى للصحوة في بلدان هذه المنطقة، والتي اقترنت ببدايات دخول الغزو الاستعماري، قد انطلقت غالباً على يد علماء الدين والمصلحين الدينيين. لقد خلدت صفحات التاريخ وللأبد أسماء قادة وشخصيات بارزة من أمثال السيد جمال الدين الأسد آبادي، ومحمد عبده، والميرزا الشيرازي، والآخوند الخراساني، ومحمود الحسن، ومحمد علي، والشيخ فضل الله النوري، والحاج آقا نور الله، وأبي الأعلى المودودي، وعشرات من كبار علماء الدين المعروفين والمجاهدين والمتنفذين من إيران ومصر والهند والعراق. ويبرز في عصرنا الراهن اسم الإمام الخميني العظيم مثل كوكب ساطع على جبين الثورة الإسلامية في إيران. وكان لمئات العلماء المعروفين وآلاف العلماء غير المعروفين في الحاضر والماضي دور في المشاريع الإصلاحية الكبيرة والصغيرة على ساحة مختلف البلدان. وقائمة المصلحين الدينيين من غير علماء الدين كحسن البنا وإقبال اللاهوري هي طويلة أيضاً ومثيرة للإعجاب.

وقد كانت المرجعيّة الفكريّة لعلماء الدين ورجال الفكر الديني بدرجة وأخرى، وفي كل مكان. لقد كانوا سنداً روحياً قوياً للجماهير، وحيثما قامت قيامة التحولات الكبرى ظهروا في دور المرشد والهادي، وتقدموا لمواجهة الخطر في مقدمة صفوف الحراك الشعبي، وازداد الارتباط الفكري بينهم وبين الناس، وازداد معه تأثيرهم في دفع الناس نحو الطريق الصحيح. وهذا له من الفائدة والبركة لنهضة الصحوة الإسلامية بمقدار ما يجرّ على أعداء الأمة والحاقدين على الإسلام والمعارضين لسيادة القيم الإسلامية من انزعاج وامتعاض ما يدفعهم إلى محاولة إلغاء هذه المرجعية الفكرية للمؤسسات الدينية واستحداث أقطاب جديدة عرفوا بالتجربة أنهم يمكن المساومة معهم بسهولة على حساب المبادئ والقيم الدينية. وهذا ما لا يحدث إطلاقاً مع العلماء الأتقياء ورجال الدين الملتزمين.

إن هذا يضاعف ثقل مسؤولية علماء الدين. فعليهم أن يسدّوا الطريق أمام الاختراق بفطنة ودقة متناهية وبمعرفة أساليب العدوّ الخادعة وحيله، وأن يحبطوا مكائده. إن الانشداد للموائد الملوّنة بمتاع الدنيا من أكبر الآفات. والتلوث بهبات أصحاب المال والسلطة وعطاياهم، والارتباط المادي بطواغيت الشهوة والقوة من أخطر عوامل الانفصال عن الناس والتفريط بثقتهم ومحبتهم. الأنانية وحبّ الجاه الذي يجرّ الضعفاء إلى أقطاب القوة يشكّلان أرضية خصبة للتلوث بالفساد والانحراف. لا بدّ أن نضع نصب أعيننا قوله سبحانه: <تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ ولَا فَسَادًا والْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ>[1].

إننا اليوم، في عصر حراك الصحوة الإسلامية وما تبعثه في النفوس من أمل، نشاهد أحياناً مساعي خدم أمريكا والصهيونية لاصطناع مرجعيات فكرية مشبوهة ‌من ناحية، ومساعي الغارقين في المال ومستنقع الشهوات لجرّ أهل الدين والتقوى إلى موائدهم المسمومة الملوثة‌ من ناحية أخرى، فعلى علماء الدين والرجال المتدينين والمحافظين على الدين أن يراقبوا هذه الأمور بشدة ودقّة.[2]


[1]. القصص: 83

[2]. بيانات سماحته في المؤتمر العالمي للصحوة الإسلامية بتاريخ 29-4-2013م

المصدر
كتاب النفوذ في فكر الإمام الخامنئي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟