مواضيع

البصيرة هي الخندق المحكم قبال النفوذ

القرآن صادق مصدّق وهو يدعونا إلى استقاء العبرة من التاريخ. والاعتبار بالتاريخ يعني حالة القلق التي عرضت لها آنفاً؛ لأن التاريخ تكتنفه أُمور لو أردنا الاعتبار بها لساورتنا بعض الهواجس، وهذه الهواجس ذات صلة بالمستقبل، ولكن لماذا؟ وما سبب هذه الهواجس؟ وما الذي جرى عبر التاريخ؟

الواقعة التي حدثت كانت في صدر الإسلام. وقد ذكرت في وقت ما إن الأُمة الإسلامية حريّ بها أن تفكر في السبب الذي وصل بالبلاد الإسلامية بعد وفاة الرسول بخمسين سنة فقط إلى أن يجتمع أبناؤها من وزير وأمير وقائد وعالم وقاضٍ وقارئ للقرآن في الكوفة وكربلاء، ويمزقوا كبد رسول الله (ص) بتلك الطريقة الفجيعة.

على الإنسان ان يطيل النظر في الأسباب التي انتهت إلى تلك الحالة. وقد سبق لي وأن تحدثت فيما سبق في هذا الموضوع قبل سنتين أو ثلاث تحت عنوان (عبر عاشوراء)، طبعاً هذا شيء آخر يختلف عن موضوع (دروس من عاشوراء) كدرس الشجاعة، ودرس الإيثار وما إلى ذلك. والشيء الأهم من دروس عاشوراء هو العبر المستقاة من عاشوراء.

سبق لي وأن ذكرت أن الأُمور وصلت إلى الحد الذي جعلهم يأتون بحرم الرسول إلى الشوارع والأسواق أمام أنظار الناس ويصمونهم بصمة الخوارج. والخوارج في الإسلام مصطلح يطلق على من يخرج على الإمام العادل ويشق عليه عصا الطاعة، ويستحق لعنة الله ورسوله والمؤمنين، هذا هو معنى الخوارج. ولهذا السبب كان المسلمون آنذاك يتنفّرون من هذا، مع أن الإسلام يولي أهمية فائقة ،« من خرج على إمام عادل فدمه هدر » من الخوارج لدماء الناس.

لقد اشاعوا أن سبط رسول الله، ابنَ فاطمة وابن أميرالمؤمنين، خارج على الإمام العادل، وذلك الإمام العادل هو يزيد بن معاوية، وصدّقهم الناس!! إن أفراد السلطة الحاكمة أُناس ظلمة يقولون ما يحلو لهم، ولكن لماذا يصدّقهم الناس؟ ولماذا يلتزمون الصمت إزاءهم؟ إن ما يثير هواجسي هو هذا الجانب من القضية، لماذا وصلت الأُمور إلى هذا الحد؟ ولماذا أصيبت الأمة الإسلامية وهي على تلك الدرجة من التدقيق في تفاصيل الأحكام الإسلامية والآيات القرآنية، لماذا أصيب بهذه الحالة من الغفلة والتهاون والتراخي الذي انتهى إلى بروز فاجعة كهذه؟ هذه المسألة تشغل فكر الإنسان. وهل نحن أقوى عزماً وأشد شكيمة من مجتمع عهد الرسول وعهد أمير المؤمنين؟ وماذا نفعل حتى لا يجري مثلما جرى؟

طبعاً السؤال الذي أثرته حول تلك الأسباب، لم يجب عليه أحد، ولكن جوابه عندي. وأُشير إلى أن أحداً لم يتحدث في هذا الموضوع؛ أو أنهم قد تحدثوا حوله ولكن ليس بالشكل الوافي والكافي. أود اليوم التحدث بإيجاز في هذا المجال، وحديثي سيكون مقتضباً بالنسبة لأصل القضية، سأثير رؤوس المواضيع أمام أفكاركم لتخوضوا فيها بأنفسكم وليتقصى جذورها المفكرون والباحثون، وليفكروا في السبل الكفيلة بالحيلولة دون تكرارها. إذا لم نقف أنا وأنتم بوجهها اليوم، فلا تعجبوا إذا رأيتم مجتمعنا الإسلامي وصل إلى تلك الحالة، ربما بعد خمسين سنة أو بعد خمس سنوات أو بعد عشر سنوات، إلاّ إذا كانت هناك أبصار حادّة تسبر أغوار الأُمور، وعين أمينة تدل على الطريق، وأصحاب فكر يوجهون الأُمور، وإرادة صلبة تساند هذا المسار، ليتكون عند ذاك ساتر متين وقلعة حصينة لا يستطيع أحد اختراقها، وإلاّ فستتكرر الحالة ذاتها فيما إذا أهملنا، وعندها ستذهب كل هذه الدماء هدراً.[1]

لقد شدّدتُ مراراً على البصيرة، وهذا هو السبب. ليعلم الناس ما الذي يحدث.. ليروا تلك اليد التي تدير العملية وتبعثر المشهد؛ ليتمكّن في خضم فوضى الناس عنصرٌ خائن عميل متدرب أن يفعل الذي يريدونه ولا يمكن العثور عليه وسط الناس. هذا ما يريد العدو القيام به[2]، نظير هذه الأعمال التي يقومون بها، ولديهم تجاربهم في هذا المجال، ويبذلون الكثير من المساعي، وتتوفر عندهم الكثير من الأدوات اللازمة. علينا معرفة أبعاد العدو وأبعاد عدائه لكي نستطيع التغلب عليه.[3]

أية خطوة تؤدي إلى البصيرة وإلى إمكانية تشخيص العنصر الخائن والمسيء من بين أبناء الشعب، فهي خطوة جيدة. وأية خطوة تشوش الأجواء وتضبّبها وتزرع الشك والريب بين الناس وتشيع التهم، وتخلط المجرمين بغير المجرمين فهي خطوة ضارة ومعرقلة.[4]

طبعاً لدينا الإمداد الإلهي والعون الغيبي بلا شك. هذا ما يشاهده الإنسان، لكن إذا لم نتواجد في الساحة بيقظة ووعي، وما لم نستخدم التدبير اللازم فلن يشملنا العون الإلهي.[5]

أمّا خطابي إلى الشعب الإيراني فهو: يا أيّها الشعب الإيراني العظيم الشجاع، يا من نجحت في صدّ العدوّ على مدى عشرين سنة من بعد أن طردته الثورة من ربوع هذا البلد ـ ولم تفسح له أيّ مجال للتسلّل والعودة ثانية، عليك أن تتحلّى بالحذر واليقظة. هذا هو معنى كلامي الذي دأبت على تكراره على مدى سنوات طويلة، وأكّدت فيه للشعب الإيراني ولمسؤوليه: أنّ العدو يطمح في

التغلغل بين صفوفنا؛ ويبحث عن كل منفذ يتسنّى له الدخول منه؛ وهذا ما يوجب عليكم مضاعفة وعيكم.[1]


[1]. بيانات سماحته حول الأحداث في جامعة طهران بتاريخ 12-7-1999م


[1]. بيانات سماحته أمام جمع من قادة فرقة محمد رسول الله(ص) بتاريخ 9-6-1996م

[2]. بيانات سماحته أمام حشد من التعبويين بتاريخ 25-11-2009م

[3]. بيانات سماحته أمام أعضاء مجلس الخبراء بتاريخ 24-9-2009م

[4]. بيانات سماحته أمام حشد من التعبويين بتاريخ 25-11-2009م

[5]. بيانات سماحته أمام أعضاء مجلس الخبراء بتاريخ 24-9-2009م

المصدر
كتاب النفوذ في فكر الإمام الخامنئي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟