الدول الأخرى يقفون أمام نفوذ اللغة الأجنبية
وهنا أكرّر كلاماً ذكرته سابقاً للمسؤولين في قطاع التعليم والتربية، ولربما لم أذكره للمسؤولين المحترمين حالياً، ولكني قلته فيما مضى مراراً، وهو أن الإصرار على ترويج اللغة الإنجليزية في بلدنا هو عمل غير سليم. نعم، لا بد من تعلّم اللغة الأجنبية، غير أن اللغة الأجنبية ليست الإنجليزية فقط؛ لغة العلم ليست الإنجليزية فقط. لماذا لا يحدّدون لغاتٍ أخرى لتدريسها في المدارس؟ ولـِمَ هذا الإصرار؟ هذا ميراث عهد الطاغوت (الشاهنشاهي). اللغة الإسبانية -مثلاً-، إن الناطقين بهذه اللغة في الحال الحاضر لا يقلّون عدداً عن الناطقين باللغة الإنجليزية، ولهم وجودهم الكبير في شتى البلدان، بما فيها بلدان أمريكا اللاتينية وبلدان أفريقيا. وهذا ما ذكرته على سبيل المثال، فإني لستُ من المروّجين لأسبانيا حتى أعمل لهم، وإنما أردتُ أن أذكر مثالاً. ولـِمَ لا تُدرَّس اللغة الفرنسية أو اللغة الألمانية؟ كما إن لغة البلدان الشرقية المتطورة أيضاً لغة أجنبية، وهي لغة العلم كذلك.
أيها السادة الأعزاء! في البلدان الأخرى يتنبّهون إلى هذه القضية ويحولون دون نفوذ اللغة الأجنبية وتدخّلها وتوسّعها، وإذْ بنا اليوم أصبحنا كاثوليكيين أكثر من البابا! -ملكيين أكثر من الملك- حيث فتحنا الساحات والأبواب على مصراعيها، ولم نقتصر على جعلنا هذه اللغة هي اللغة الأجنبية الحصرية في مدارسنا، بل أخذنا نضعها شيئاً فشيئاً في المراحل الدراسية الأولى، بما في ذلك المرحلة الابتدائية والمرحلة التمهيدية والروضات! لماذا؟ وعندما نريد ترويج اللغة الفارسية، علينا إنفاق أموالٍ باهظة وبذل الجهود والمساعي، حين يعمدون إلى إغلاق فرع اللغة الفارسية في مكانٍ ما، نضطر إلى إجراء اتصالات دبلوماسية، لنتساءل ما الذي دعاكم إلى إغلاق هذا الفرع الدراسي؟ ولكنهم يحولون دون ذلك، ولا يسمحون للطالب الجامعي باختيار هذا الفرع الدراسي، ولا يفسحون المجال لنا لترويج اللغة الفارسية في ذلك المكان. وإذا بنا نقوم بترويج لغتهم بأموالنا وبجهودنا ومواردنا وبالمشاكل المحيطة بنا، هل هذا عملٌ عقلائي؟ أنا لا أفهم ذلك! ذكرتُ هذا بين قوسين، ليعلم الجميع وينتبهوا ويتابعوا. لا أقول أن نعمد غداً إلى تعطيل تعليم اللغة الإنجليزية في مدارسنا. كلا، ليس هذا ما أقوله، وإنما أردتُ القول بأن علينا أن نعرف ماذا نفعل، وندرك ما هو الجيل الذي يريد له الطرف الآخر أن يتربى في هذا البلد وما هي مواصفاته وخصاله.[1]
يأتي من يرى ضرورة تعليم اللغة الإنجليزية في المرحلة الأولى من الابتدائية بل وقبل ذلك أيضاً، فما هي ضرورة ذلك؟ نعم، إذا تقدّم في العلم ووجد اللغة الإنجليزية ضرورة له سيسعى إلى تعلّمها، ما هو مقدار الأموال التي ترصدها الحكومة الإنجليزية والأمريكية لكي تحصل على هذا الترويج المجّاني للغتها بين الشعوب الأخرى؟ ما هو مقدار المشاكل التي تواجهنا في الترويج للّغة الفارسية في العالم؟ يعملون على غلق مؤسساتنا الثقافية، أو يقومون باغتيال عناصرنا الثقافية، ويختلقون أنواع العقبات أمام مباحثاتنا الثقافية؛ لأننا نعمل فيها على الترويج للّغة الفارسية، ولكن من جهتنا يتعيّن علينا أن نعمل على ترويج لغتهم مجاناً وبأنفسنا، لتكون مهداً لتسرّب ثقافتهم! طبعاً أنا أُوافق على تعلم اللغة الأجنبية بشكل كامل، بل أشجّع على تعلّم عدّة لغات، إلاّ أنّ ذلك لا ينبغي التأسيس له بوصفه ثقافة في المجتمع.
فهناك حالياً بعض البلدان التي لا تعتبر لغتها الوطنية لغة رسمية لها، كما هو الحال بالنسبة إلى الهند وباكستان، حيث إنّ لغتهما الرسمية هي الإنجليزية، وهذا برغم وجود اللّغة الهندية والأُردية ومئات اللغات الأخرى عندهم، فالأُردية في باكستان والهندية في الهند لغتان رائجتان إلاّ أنهما مهملتان تماماً، فكيف حصل ذلك؟ لقد قام الإنجليز بالاستثمارات في الهند حتى تمكّنوا من الوصول إلى هذه النتيجة، كما أنّ اللّغة الرسمية في بعض البلدان الأفريقية هي الأسبانية أو البرتغالية حيث أهملت لغاتها الوطنية! فهل هذه علامة صحيحة؟ وهل من الصحيح أن تهيمن اللغة الأجنبية على أُمةٍ من الأُمم؟ إنّ اللغة بمثابة العمود الفقري للشعب، فهل يصحّ لنا إضعاف هذا العمود، لمجرد قيام ذلك على ذوق أحد السادة! إنّ المدرسة وأبناء الناس ليسوا فئران تجارب كي نجرّب هذه الطريقة عليهم، لنجد بعد ذلك أنها طريقة خاطئة، إذاً غرفة التفكير تعني ضرورة وجود مركز للفكر والوعي.[2]
تقليد الغرب لم يجلب علی البلدان التي قلدته وسمحت لنفسها بذلك سوی الضرر والفجائع. وهذا ینطبق حتی علی البلدان التی حققت في الظاهر شیئاً من الصناعة والاختراعات والثروة، لكنها قلدت الغرب. والسبب هو أن الثقافة الغربیة ثقافة هجومیة. الثقافة الغربیة ثقافة تقضي علی الثقافات الأخری. أین ما دخل الغربیون قضوا علی الثقافات المحلیة والأسس الاجتماعیة إلی درجة استطاعوا معها تغییر تاریخ الشعوب ولغاتهم وخطوطها. أین ما دخل البریطانیون بدلوا لغة الأهالي المحلیین إلی اللغة الإنجلیزیة.[3]
ومن النقاط التي سجّلتها ومن المناسب أن أكررها هي استخدام التقدم العلمي في البلاد لنشر اللغة الفارسية. اللغة مهمة جداً أيها الإخوة والأخوات الأعزاء.. أهمية اللغة الوطنية لبلد من البلدان لا تزال غير معلومة بالنسبة للكثير. يجب نشر اللغة الفارسية. يجب زيادة النفوذ الثقافي لللغة الفارسية على مستوى العالم يوماً بعد يوم. اكتبوا بالفارسية، وانحتوا المفردات الفارسية، وأوجدوا المصطلحات والكلمات بالفارسية. لنعمل ما من شأنه أن يضطر الذين ينتفعون من التقدم العلمي لبلادنا في المستقبل إلى تعلم اللغة الفارسية. ليس من الفخر أن نقول إن اللغة العلمية في بلادنا هي اللغة الأجنبية الفلانية. في اللغة الفارسية من الإمكانيات والسعة بحيث يمكن التعبير عن أدق وأظرف العلوم بهذه اللغة. لدينا لغة ذات سعة وإمكانيات كبيرة. كما أن بعض البلدان الأوروبية لم تسمح بتحول اللغة الإنجليزية إلى لغتها العلمية -مثل فرنسا وألمانيا- وحافظت على لغاتها باعتبارها اللغة العلمية في جامعاتها. قضية اللغة قضية على جانب كبير من الأهمية. والحقيقة أنها بحاجة إلى أن تبدوا عن أنفسكم الحميّة. من الاهتمامات التي تبديها الحكومات الواعية واليقظة في العالم التشديد على نشر لغاتهم الوطنية في الأقطار الأخرى. وللأسف بغفلة الكثير من البلدان لم يحصل لها مثل هذا الشيء، بل وقضوا على اللغات المحلية الأصلية للكثير من الشعوب قضاء مبرماً كلياً، أو همّشوها. إنني منذ ما قبل الثورة، كنتُ أتألم دائماً لانتشار المفردات الأجنبية بكثرة بين أبناء شعبنا وقد كانوا يتفاخرون بها – وكأن المرء إذا شرح فكرته بتعبير أجنبي يعدّ ذلك فخراً له – وللأسف فإن هذه الحالة لا تزال مستمرة إلى اليوم. الكثير من التقاليد الخاطئة التي كانت قبل الثورة زالت بقيام الثورة، لكن هذه الظاهرة لم تزل للأسف. ثمة بعضٌ وكأنهم يفخرون بتعبيرهم عن حقيقة أو فكرة بمفردة أجنبية، والحال أن هناك معادلاً فارسياً لتلك المفردة، لكنهم يحبّون استخدام التعابير الغربية، وشيئاً فشيئاً تنتقل هذه الحالة إلى المستويات الدنيا والعامية من المجتمع، فيكون الأمر مؤلماً حقاً.[4]
[1]. بيانات سماحته أمام المعلمين في أسبوع المعلم بتاريخ 2-5-2016م
[2]. بيانات سماحته أمام أساتذة منطقة كرمان بتاريخ 2-5-2005م
[3]. بيانات سماحته أمام شباب منطقة خراسان شمالي بتاريخ 14-10-2012م
[4]. بيانات سماحته أمام أساتذة الجامعات بتاريخ 6-8-2013م