مواضيع

الغفلة عن النفوذ يؤدي إلى طلب العدو منك!

ألا ننسى ذكرى شهدائنا، وأن نُبقي على ذكراهم حيّة وخالدة في ذاكرة الأجيال في كافة أنحاء البلاد، لقد بلغ عدد الشهداء في محافظة خراسان – بما فيها المحافظات الثلاثة الحالية – ثلاثة آلاف شهيد، وهي نسبة عالية جداً تدعو إلى التقدير والفخر. فلا تدعوا غبار النسيان يحجب بريق هذه الذكريات الكريمة، وحافظوا على بقائها بعناية، فلربما تعمّد البعض قاصداً إهالة التراب على هذه الذكريات الحميمة، وهذا هو أيضاً واجب المسؤولين، بما في ذلك مسؤولو مؤسسة الشهيد وأجهزة ومؤسسات الدولة المختلفة. وعلى عوائل الشهداء أن يعملوا أيضاً على الحفاظ على إحياء ذكرى شهدائهم ما استطاعوا.

فلا تتغافلوا أبداً عن ذكرى الشهداء وأسمائهم والفخر بهم، حيث إنّ أجهزة الإعلام العدائية المشاكسة والعنيدة تسعى جاهدةً للحدّ من قيمة الشهداء شيئاً فشيئاً، بل ولربما حاولت جعلها سلوكاً مخالفاً للقيم أحياناً! لقد حدث هذا في بلدنا، وبُذلت محاولات بهذا الصدد، ولكنها باءت بالفشل. ومع ذلك فإن البعض مازالوا يتجاسرون لإثارة التساؤلات حول الشهداء ومعنى الشهادة. فانظروا كيف يعمل الأعداء وإلى أي حد يتآمرون ثقافياً وسياسياً، وكيف أنه يتعيّن علينا إحباط مثل هذه المؤامرات.

إنّ المعيار الإسلامي يسمو بـ(الشهيد) خارج نطاق البشر العاديين، ويجعله في عداد الأولياء والصدّيقين، وهذه نظرة متعالية تستعصي على إدراكنا العقلي، وحتى لو فكّرنا في القضية ونظرنا إليها من زاوية مادية عادية، فإن الشهيد هو الذي يضحي بنفسه في سبيل شرف أمته واستقلالها، فهل يمكن لأي ضمير حي وقلب واعٍ وسليم أن ينكر هذه الحقيقة؟ لقد حاول البعض هنا في إيراننا الإسلامية إنكار ذلك في فترة من الزمان.

إنّ من حق أبناء الشهداء أن يفتخروا بآبائهم، أولئك الذين وقفوا صامدين في مواجهة هجمات الأعداء حفاظاً على تراب الوطن ودفاعاً عن استقلاله، وليس اعتداءً على بلد أجنبي أو مجاور، بل قاتلوا دفاعاً عن الشرف الوطني، لقد قام النظام البعثي الشرّير بالاعتداء على إيران، وكانوا يريدون احتلال إيران أو الاستيلاء على جزءٍ من ترابها، ومن ثم تحويلها إلى ما يشبه العراق في الوقت الحاضر، حيث يسلب المحتل المواطنين شيباً وشباباً راحتهم، ويوجّه لهم الإهانات، ويسخر منهم، ويدوس جنوده أعناقهم بأقدامهم، لقد كانوا يريدون أن يفعلوا ذلك بالشعب الإيراني.

انظروا ماذا يفعل المحتلّون الآن في العراق! إنّ الجنود الأجانب يفتّشون الزوجات والأخوات في الأماكن الحساسة على مشهد من عيون الرجال الغيارى العرب، ماذا يفعل أولو الحميّة إزاء مثل هذا المشهد؟ إنهم يأخذون شاباً عربياً غيوراً ويطرحونه أرضاً على مرأى من عيون زوجته وأبنائه، ثم يركلونه بأحذيتهم. فماذا تفعل العوائل العريقة ذات الشرف والحسب حيال مثل هذا الوضع؟ إنه ما كانوا يريدون فعله مع أبناء الشعب الإيراني، لقد كان يحلم صدام وحزب البعث وحلفاؤهم من الأمريكيين والسوفييت والأوروبيين بأن ينزلوا نفس الكارثة بأبناء الشعب الإيراني. ولكن شبابنا المجاهدين حالوا دون ذلك، فأي فخر أسمى وأرفع من كل هذا؟ لقد وقف شبابنا كالجبل الراسخ وصمدوا كالطود الأشم في مواجهة جحافل الأعداء. فهل يمكن مقارنة هذا الفخار بأي فخر آخر؟ إنكم أنتم بنات وأبناء وزوجات وآباء وأمهات أولئك الشباب الغيارى، ولكم أن تفخروا بأمجادهم، إنّ علينا جميعاً أن نجعل أمجاد الشهداء وكرامتهم وذكراهم نَصْبَ العين دائماً، وألا ننساهم مدى الزمان، إنكم إذا تغافلتم، وتغافلت قوى الثورة والقوى الشعبية المؤمنة، دخل عليكم الأعداء من الباب الآخر، ثم أخذوا يمنّون عليكم. ﴿فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُم بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُوْلَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ>[1]، فلا تدعوا أعداء الثورة وأعداء الإمام، وأعداء خط الجهاد، وأعداء نهج الإيمان بالله، يعاملونكم وكأنهم أصحاب الحق.

عدم الوعي عامل لنفوذ العدو

إن شعبنا وشبابنا ونساءنا ورجالنا يجب أن لا يشعروا بانتهاء فترة الجهاد وعدم وجود خطر يهددنا. قد لا تهددنا أخطار عسكرية، وهذا هو الحال. لقد بلغ شعب إيران اليوم درجة من الاقتدار رفعت احتمال وقوع الأعداء في المخاطر جداً. لذلك لا يتجرأون على مهاجمة هذا الشعب عسكرياً فهم يعلمون أنهم سيقمعون، ويعلمون أن هذا الشعب شعب مقاوم. إذن احتمال خطر الهجوم العسكري ضئيل جداً. بيد أن الهجوم ليس عسكرياً وحسب. يركّز العدو على الأقطاب التي تمثل أرصدة صمودنا الوطني. يستهدف الأعداء وحدتنا الوطنية وإيماننا الديني العميق. يستهدفون روح الصبر والاستقامة لدى رجالنا ونسائنا. وهذا الهجوم أخطر من الهجوم العسكري.

في الهجوم العسكري تستطيعون معرفة الجانب الذي تواجهونه، وتستطيعون مشاهدة عدوكم، أما في الهجوم المعنوي والغزو الثقافي والهجوم «الرقيق» فلا تستطيعون مشاهدة العدو بأعينكم أمامكم. لذلك لا بد من التيقظ والوعي. أرجو من عموم الشعب الإيراني لا سيما عوائل الشهداء ومنكم جميعاً أيها الأعزاء خصوصاً الشباب أن تحرسوا الحدود الفكرية والروحية بمنتهى اليقظة. لا تسمحوا للعدو أن ينال كالأرضة من الأسس الفكرية والعقائدية والإيمانية للناس ويتغلغل إليها.. هذه مسألة على جانب كبير من الأهمية. كلنا مكلّفون بحماية حدودنا الإيمانية وتخومنا الروحية والمعنوية.

للأسف استطاع أعداء الشعب الإيراني اليوم التواجد حتى في الجبهة الأخرى لحدودنا. في الماضي وفي بداية الثورة كانت التخطيطات تأتي من الأعداء الأقوياء والاستكبار والصهاينة، أما اليوم فقد أوجدوا مقرات ومراكز بالقرب من حدودكم الجغرافية وفي ظل التطورات التي شهدتها المنطقة، وراحوا يستخدمونها للأنشطة الرقيقة الموغلة في العدوان. على الجميع التحلي باليقظة. وأقول للشباب خصوصاً:

أيها الشباب الأعزاء، وطنكم اليوم بحاجة للوعي واليقظة. ترصدوا تحركات الذين يرومون إبعاد القلوب عن الوحدة والصميمية. قلتُ اليوم للجميع في ساحة المدينة وأقول لكم أيضاً: هناك من يريد بث الخلافات والفرقة بين أبناء الشعب بأية وسيلة وأية ذريعة. كل من وجدتموه يعمل بهذا الاتجاه احكموا عليه بأنه يد من أيادي العدو سواء عَلِم هو بذلك أم لم يعلم. ربما لا يعلم لكنه يد للعدو؛ لأنه يعمل لصالح العدو. والنتيجة واحدة. الشخص الذي يوجه لكم الضربة متعمداً والشخص الذي يوجه لكم الضربة غير متعمد لا يختلفان من حيث نتيجة عملهما. ينبغي التحلي باليقظة والوعي.

الشعب يقظ لحسن الحظ. لقد اكتسب شعبنا خبرةً وتمرساً خلال هذه التجارب الطويلة في الأعوام الماضية. استطاع شعبنا معرفة شتى صنوف المؤامرات ومواجهتها. وسيحصل هذا الشيء اليوم أيضاً. علينا تقوية أنفسنا من الداخل.. تقوية أنفسنا علمياً واقتصادياً وإبداعياً وتقنياً وفوق كل هذا تقوية إيماننا. أقول لكم لن يكون بعيداً اليوم الذي يستطيع فيه شباب اليوم بتوفيق من الله تولي أمور البلاد وسيصل بلدنا وشعبنا في المستقبل غير البعيد بلا شك إلى المرحلة التي لن يفكر فيها أي عدو بالهجوم على هذا البلد، لا الهجوم العسكري ولا الهجوم السياسي ولا الهجوم الاقتصادي. ما لدينا اليوم إنما هو بفضل جهاد السنوات الطويلة ـ حيث أبدى شبابنا الأعزاء هذا الجهاد ـ وببركة دماء الشهداء الأبرار. نتمنى أن يوفقنا الله تعالى لحماية هذه الأمانة الكبرى وأن نضاعف ما استطعنا من كنـز الشعب الإيراني العظيم.[2]


[1]. الأحزاب: 19

[2]. بيانات سماحته أمام عوائل شهداء منطقة كردستان بتاريخ 12-5-2009م

المصدر
كتاب النفوذ في فكر الإمام الخامنئي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟