مواضيع

الغفلة عن نفوذ العدو يؤدي إلى الصفعة

القرآن الكريم في بيانه لما جرى في معركة أحد، يقول: <أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَـذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ>[1]، فقد وقعت حادثة مؤلمة في معركة أحد، فبعد أن حقق المسلمون الانتصار على المشركين في بداية المعركة، لم يلتزم بعض المسلمين بواجباتهم القتالية التي حددها لهم الرسول الأكرم (ص) فتركوا مواقعهم على الجبل لحماية ظهور المسلمين من التفاف المشركين عليهم، ونزلوا للمشاركة في جمع الغنائم، فلما رأى المشركون ذلك التفوا من حول الجبل وهجموا بقوة على المسلمين فقتلوا جمعاً كثيرا منهم، وتعرض المسلمون لهزيمة شديدة، حتى اضطروا خوفاً على حياتهم اللجوء مرة أخرى إلى الجبل. وفي هذه المعركة تعرضت حياة النبي الأكرم للخطر حيث تعرض لبعض الطعنات وأصيب بجروح عدة، وبعد انتهاء المعركة دب الشك والترديد بين المسلمين فتساءلوا عن سبب ما حدث، فلقد وعدنا الله بالنصر؟ لقد وفى الله بوعده ونصركم على المشركين؛ لكنكم لم تلتزموا بأوامر الرسول فأفسدتم هذا الانتصار، فأولاً: إن كنتم تعرضتم لضربات العدو فقد وجهتم له ضربات أشد وأقوى: <قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا>، فلا تتعجبوا مما حدث في المعركة؛ لأن طبيعة الحرب تقتضي أن يتعرض المتحاربون للضربات المتقابلة، وهكذا الحال في ساحة المعركة الكبيرة التي تجري في ميدان السياسة والاقتصاد العالمي، حيث يتعرض المتنافسون فيها للضربات المتقابلة، ولا ينبغي توقع حدوث شيء يتعارض مع هذه الحقيقة. وبعد انتهاء المعركة تعجبتم مما حدث: <قُلْتُمْ أَنَّى هَـذَا>، كيف حدث هذا وما السبب؟ فأجابهم الله: <قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ>، بسبب الخطأ الذي ارتكبتموه. لقد ارتكبنا بعض الأخطاء في مواقف عديدة: <إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ>[2]، ولم نلتزم بواجباتنا ومسؤولياتنا في بعض الموارد، وفي موارد لم ننفذ الرقابة المطلوبة على أعمالنا، وفي موارد أخرى لم نتحرر من تعلقاتنا ورغباتنا المادية، مما أدى إلى حصول إشكالات عديدة في عملنا ومواقفنا تتطلب منا أخذها بنظر الاعتبار والاعتراف بها، لكننا انشغلنا في الأشياء التي ينبغي تجنبها والحذر منها، وانشغلنا في الصراعات السياسية والاختلافات الشخصية والحزبية، وانشغلنا بطلب الرفاه والراحة وعيش حياة الأشراف والمرفهين، فكانت هذه نقاط ضعف تسجل في مواقفنا. فعندما نعيش أنا وأنتم حياة مرفهة شبيهة بحياة طبقة الأشراف، سيحاول الناس تقليدنا؛ لأن البعض ينتظر ذريعة حتى يقول للناس انظروا كيف يعيش هؤلاء، أوليس من حقنا أن نعيش حياة مرفهة مثلهم؟ هذا ما يقوله الأغنياء والمتمكنون مادياً، أما البعض الآخر فيعتقد بضرورة الاقتصاد في الحياة وتجنب الإسراف والتبذير؛ لكنهم عندما يرون حياتنا المرفهة وما نقوم به من إسراف وتبذير، سيقولون: نحن لسنا أفضل منهم، فهم رؤساؤنا ومسؤولونا. إن هذا السلوك يستبطن خطراً كبيراً؛ لأن منهج الثورة والثوريين وفقاً لتعاليم الإسلام هو الإعراض عن الحياة المرفهة؛ لكن في المقابل ينبغي عليكم السعي ما أمكنكم لإيجاد حالة الرفاه والعيش الرغيد للشعب، والسعي ما أمكنكم لزيادة الدخل الوطني، والسعي ما أمكنكم لزيادة الثروة في البلاد، لكن ليس لأنفسكم، أو على الأقل لا تفكروا في الحياة المرفهة ما دمتم في مقام المسؤولية. إن الغفلة عن روحية الجهاد والتضحية، والغفلة عن الغزو الثقافي للأعداء، والغفلة عن تربص العدو بنا، والغفلة عن نفوذ العدو في وسائل الإعلام، واللامبالاة في المحافظة على بيت المال، تعد جميعها ذنوباً ونقاط ضعف لنا.[3]


[1].  آل عمران: 165.

[2]. نفس المصدر

[3]. بيانات سماحته أمام مسؤولين النظام بتاريخ 7-8-2011م

المصدر
كتاب النفوذ في فكر الإمام الخامنئي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟