مواضيع

تشكيك الناس حول الأهداف الإسلامية من أهداف نفوذ العدو

إنّ روح الكراهية لأمريكا وتدخّلاتها في سائر الدول تتفاقم يوماً بعد يوم في العالم الإسلامي، فيما يحيا الجنوح نحو العزة التي يهبها الإسلام للشعوب، ويزداد اضطراداً في أوساط الشعوب يوماً بعد يوم.

إنّ ما كان يرهبهم أن تتكرر الثورة الإسلامية في إيران بعينها في سائر البلدان، فتصدّوا لها بأساليب شتّى؛ لكنهم اخفقوا في الوقوف بوجه امتداد الفكر الإسلامي والصحوة الإسلامية، فعلينا أن نعرف أنّ الصحوة الإسلامية امتدّت لتشمل العالم الإسلامي بأسره.

ليعلم الشعب الإيراني أي عمل جبار أنجز، ومن الطبيعي أن يصبّ الأعداء في مثل هذه الحالة جلَّ جهودهم في مناهضة نظام الجمهورية الإسلامية، فكيف ينفّذون مهمتهم هذه؟ إنهم على علمٍ بعدم جدوى الهجوم العسكري، ولقد جرّبوا الانقلاب العسكري وعمليات الإطاحة فرأوا عقمها، ولم يبقَ أمامهم سوى طريق واحد وهو التسلل إلى أعماق الشعب، ونشر الأفكار والنزعات المعادية للإسلام إلى جانب إلصاق الاتّهامات بالثورة الإسلامية، وتوجيه الإهانة والإساءة لها، وزرع الفتور تدريجياً في قلوب أبناء الشعب إزاء المَعين الهادر والجيّاش الذي دفعهم للتحرّك والمقاومة على مرّ سنوات طوال، وهذا يمثّل جانباً من ممارساتهم وأحابيلهم الجوهرية، وقد عبّروا عنها بـ«الانهيار» وقالوا: إننا نتطلّع لأن ينهار النظام الإسلامي، فما الذي يعنيه الانهيار يا ترى؟ إنه يعني: دفعهم الشعب للتشكيك بمبادئ الثورة، وبثّ الرعب والتفرقة، وتخلّي الشعب عن مساندته للنظام؛ وهذه هي سياسة العدو.

لقد قلتها مراراً للشعب الإيراني، وقبل عام أو عامين أعلنتُ من منبر صلاة الجمعة هذا أيضاً: أنّ الأهم من معرفة العدو معرفة العداء ونمطه، فالمرء يستجمع قواه إن هو شخَّص الطريق الذي يلج منه العدو، فالجميع يعرفون العدو، وليس من شك في أنّ عدو الشعب الإيراني اليوم وعدو استقلاله وحريته هو حكومة أمريكا المستكبرة المتكبرة، وهم يعترفون بذلك أيضاً.

إنهم يتملَّقون ويتصنَّعون أحياناً، فيقولون: لسنا على عداء مع الشعب الإيراني، بَيْدَ أنّ عداءهم الحقيقي إنما هو مع شعب إيران؛ لأن شعب إيران هو الذي قام بهذه الثورة العملاقة، وهو الذي يقدّم دعمه الصادق الغيور للإسلام، وهو الذي دفع بأمريكا للكفّ عن أطماعها، وإلاّ هل كان بمقدور المسؤولين الوقوف بوجه هذه الأطماع لولا مساندة الشعب الإيراني للنظام وللمسؤولين؟

إننا نعرف العدو، ولكن يجب معرفة أنماط العداء أيضاً، فأسلوب العداء يتمثّل اليوم في زرع الاختلاف والبغض والضغينة في أوساط الجماهير، وبثّ روح الفتور إزاء الأهداف الإسلامية، وحرف شعارات الجماهير وطرح الشعارات التي لا تنسجم مع مسيرة الشعب العملاقة.

في الكثير من بلدان العالم التي نعرفها، هنالك نُخبٌ تعلّمت على أيدي الدوائر الإستكبارية فلقد كانوا على عهد الإنجليز وكذلك السوفييت، والأمريكان حالياً إذ إنها تنتقي من النخب والدارسين والمثقفين وتجعل منهم عبر الترغيب وما هي على معرفة بها من أساليب، متحّدثين باسمها داخل بلدانهم، فتكون مهمتهم ترديد ما تقوله تلك الدوائر وتكراره، واختلاق الأدلة على الأفكار التي تطرحها، ولقد كان في بلدنا نظير هؤلاء، وهم موجودون الآن أيضاً منذ مطلع انتصار الثورة ويمتلكون الأبواق التي تردد ما يُطلقه أولئك، أو تكرار آرائهم وتصريحاتهم.

لقد أوضح شعبنا بجلاء عمّا يتطلّع إليه، فيوم وقف شعبنا خلف الإمام – سواء أيام الثورة أو أثناء فترة السنوات الثمانية من الدفاع المقدس – وضحّى بمئات الآلاف من شبابه في هذا الدرب؛ كان قد حدد ما يصبو إليه، فلم يكن الشعب يتطلّع لديمقراطية الغرب، ولم يصبو الشعب المسلم ومَنْ تجرّعوا الاضطهاد داخل السجون خلال فترة الجهاد ضد النظام الطاغوتي وتحمّلوا السياط، إلى جمهورية على النمط الغربي وإلى ثقافات الغرب الإلحادية وديمقراطية الغرب أو الشرق المزيّفة.

إنّ الأمهات اللواتي قدَّمنَ أبناءهنَّ – الاثنين والثلاثة والأربعة منهم – أو الصهر أو الزوج قرابين ولم يكفهر لهن جبين، بل شعرن بالفخر، لم يكنَّ يبحثنَ، عن ديمقراطية غربية أو جمهورية ديمقراطية وما شابه ذلك.

إنّ الميثاق الحقيقي للثورة والإرادة الحقيقية للشعب هو ما سُطِّر في الدستور، لاسيّما مواده الأولى، فالشعب إنما نشد التكامل المعنوي والازدهار المادي في ظل الإسلام وببركته في ظل سيادة الأحكام الإسلامية؛ وهذا ما ينشده الآن أيضاً.

إننا لا نعرف شعباً قط كالشعب الإيراني قد أيَّد تمسّكه بمبادئه المعنوية والإلهية بدماء مئات الآلاف من الشهداء، فلم يسبق لشعبنا أن قام بمثل هذا الإنجاز العملاق الذي نهض به خلال هذه المرحلة. ونحن قد شاهدنا البلدان التي جرّبت الديمقراطية الغربية في أي هوان وذلة انغمست، وكيف نشبت في أبدان وأرواح أبنائها مخالب الطامعين في الغرب وبالذات أمريكا خلال الفترة الأخيرة باسم الديمقراطية فتعرّض كل ما لديهم للنهب.

فلم يكن شعبنا ليبحث عن هذا النوع من الديمقراطية، وهو اليوم إنما يصبو لتحقيق الأهداف الإسلامية أيضاً، والتي تتمثّل بالدرجة الأولى بالعدالة والمعنويات والحرية بمفهومها الحقيقي الإسلامي، واستقلال البلاد عن شرور القوى الأجنبية المعتدية.

هذه هي الأمور التي يصبو إليها شعبنا وضحّى من أجلها وسيضحي من أجلها فيما بعد أيضاً،‌ فليحذر الشعب ويلتزم الحيطة لئلا يفلح العدو بأساليبه الخبيثة الأمنية منها أو السياسية أو الإعلامية ـ بالتسلسل بين صفوفه.[1]


[1]. بيانات سماحته في خطبة الجمعة بتاريخ 22-11-2002م

المصدر
كتاب النفوذ في فكر الإمام الخامنئي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟