مواضيع

من أسس الثورة التصدي للنفوذ

إنّ حاكمية الشعب في النظام الإسلامي هي حاكمية الشعب الدينية، أي المرتكزة على رأي الإسلام، وهي ليست عقداً عرفياً، بل من صلب الرؤية الإسلامية الرجوع إلى رأي الأمة وإرادتها حيثما اقتضى الرجوع؛ ولذا فهي تبلور التزاماً إسلامياً، وليس على غرار الدول الديمقراطية حيث تلتزم بعقد عرفي يسهل نكثه؛ فحاكمية الشعب في نظام الجمهورية الإسلامية تكليف ديني، والمسؤولون يقيّدهم تعهدّ ديني في الحفاظ على هذه الخصيصة، ويتعيّن عليهم تقديم الجواب عنه أمام الله سبحانه وتعالى. وهذا مبدأ كبير من مبادئ إمامنا العظيم.

ومن مبادئ النظام الإسلامي العدالة الاجتماعية وإقرارها، واحترام حقوق الشعب وتقليص التمايز الطبقي، كما أنّ مكافحة الفساد الإداري والاقتصادي، وسوء استغلال الإمكانيات التي توفّرها السلطة للأفراد -سواء كان الاستغلال مادياً أو سياسياً – تعتبر من أصول الثورة التي يجب الالتزام بها، وكذا إسداء الخدمة للجماهير، والمحافظة على استقلال البلاد على كافة الأصعدة، والتصدّي لتغلغل الأعداء ونفوذهم، تعتبر من أصول الثورة التي لا تقبل التغيير؛ فأصول الثورة وخطوطها الأساسية لا يطالها التغيير، ومظهرها جميعاً دستورنا الرفيع.

وبطبيعة الحال بوسع الحكومات والمسؤولين انتقاء خطط ومناهج متعددة لتطبيق هذه الأصول في مختلف المراحل، فأساس الثورة كإسلام يقوم على أحكام ثابتة وأخرى متغيّرة.

فثمة مجموعة من الأحكام لا تقبل التغيير، وأخرى تتغيّر بتغيّر الظروف؛ وهكذا الثورة إذ إنّ الاجتهاد ميزة تتيح أمام المسؤول إمكانية اتخاذ المناهج والسبل والخطط السليمة بما تقتضيه الظروف، وبطبيعة الحال فإن اختيار الأسلوب أو الاجتهاد غايته العثور على منهج جديد ومناسب، وهو ليس كبدعة الجاهل ودعوة إعادة النظر، بل هو شأن من يمتلك القابلية على الاجتهاد في هذا المضمار.

وفي ضوء هذا تأتي رسالة الاجتهاد والمجتهد في النظام الإسلامي؛ ونحن إذ نتمسّك من ناحية بالأصول، نرفض التحجر والجمود على الثورة، بدعوى التمسّك بالأصول.

فثمّة أصولية قائمة؛ لكنها ليست تحجّراً ولا تزمّتاً ولا جهلاً بتبدّل الظروف، ومن ناحية أخرى ينبغي عدم السماح للبدع ودعوات إعادة النظر بالنشاط والتحرّك الضار المدّمر بذريعة الاجتهاد والتغيير.

هذا هو الخط الواضح لإمامنا العظيم، وعليه فأصولنا ثابتة، ومن بينها: العدالة، وحاكمية الشعب، والاستقلال، والدفاع عن حقوق الشعب على كافة الأصعدة، والدفاع عن حقوق المسلمين وعن كل مظلوم في أية بقعة في العالم، ومكافحة الفساد والظلم والغطرسة؛ وهذه لا تقبل التغيير، بَيْدَ أنّ اختلافاً في الأساليب ربما يطرأ تبعاً لاختلاف الأوضاع والظروف.

لقد رسم الإمام مبادئ الثورة وأطرها بإتقانٍ ودقّة ووضوح؛ لئلا تستطيع القوى السلطوية في العالم هضم هذه الثورة في ماكنتها الثقافية والقضاء عليها كسائر التغييرات السياسية؛ فما يجدر بشعبنا معرفته والتمسّك به هو هذه الأصول الثابتة، وربّما يتبيّن عجز الوزارات أو مجلس الشورى أو السلطة القضائية في مجالات شتّى ولا يتحقق هدف ومرام الثورة والنظام الإسلامي، لكن هذا العجز راجع للمتصدّين والمنفّذين، غير أنّ أعداء النظام يلصقون بالنظام ما يطرأ من ضعف في أي من الأجهزة للأسف.

إنّ النظام يقوم على قواعد محكمة وخطوط واضحة، وإنّ الاستدلال والمنطق الذي يدعم المفاصل الرئيسة للنظام ممّا يتعذّر التشكيك به، وعلى المسؤولين والمتصدّين في مختلف قطاعات النظام الإسلامي في السلطة التشريعية أو التنفيذية أو القضائية أو في القوات المسلحة وكل من تصدّى للعمل في أي مرفق علاج حالة الضعف لديهم، وإنّ طريق بلوغ هذا الشعب السعادة يكمن في تطبيق المبادئ التي اختطّها الإمام العظيم، وجرى تثبيتها في الدستور، وأعلن الشعب وفاءه لها مرّات ومرّات؛ ولقد اتّضح أنّ العدو إنّما يناهض هذه المبادئ وكل ما يوصد الأبواب بوجه نفوذه؛ والعدو يسعى للتسلّل من منافذ عديدة، وما على الشعب الإيراني وبالذات المسؤولين إلاّ التحلّي بالوعي، وقد أثبت شعبنا العزيز وعيه على مرّ هذه السنين والتزامه بهذا الأمر والحمد لله.

أمّا ما ينبغي للعدو أن يعرفه فهو عدم إمكانية تركيع الشعب الإيراني عبر العربدة واستخدام منطق القوة والغطرسة، وما هو مسلّم وواضح لدى شعبنا: أنّ أيّة هيمنة خارجية تفرض على هذا البلد إنّما تهدّد سعادته في الدين والدنيا وتفرض عليه الذلّة والمهانة، وإنّ أمريكا اليوم تخاطب الدنيا – ولا تخاطبنا لوحدنا – بمنطق العنجهية، وتتحدّث عن الحرب؛ سعياً لبسط نفوذها وسلطتها على العالم، وإنّ أي أمّة أو حكومة تتزعزع أمام هذا المنطق وهذه الطريقة من التعامل، وتستسلم له فإنّما تكون قد حفرت قبرها بيديها، وأقدمت على ما يضرّها.

إنّ النظام الأمريكي يرى من حقّه اليوم مخاطبة الشعوب والحكومات بمنطق القوة، وإنكم تشاهدون امتهانه للحكومات العربية، وممارسته الضغوط على الشعوب العربية، واستخدامه ما وسعه مُقدّماً دعمه العملي المتواصل للكيان الصهيوني الغاصب في مقابل الأمة الإسلامية والأمة العربية، ويسعى لتوسيع رقعة نفوذه؛ وهذه ظاهرة تثير الاشمئزاز على الصعيد العالمي؛ لذلك فإن أمريكا تزداد الكراهية لها يوماً بعد يوم في العالم.

وخلال الجولة الأخيرة التي قام بها الرئيس الأمريكي في أوروبا خرجت مسيرات ضمّت عشرات الآلاف في المدن الأوروبية تندد بالرئيس الأمريكي؛ ممّا لا مثيل ولا سابقة له. فما يعني ذلك؟! والنظام الأمريكي ـ حسب استطلاعاتهم أنفسهم ـ أكثر الأنظمة كراهية في العالم الإسلامي، وقد اتّضح الآن أنّ هذه الكراهية لا تقتصر على المسلمين، ففي روسيا ومختلف البلدان الأوربية أخذت الكراهية تزداد يوماً بعد يوم إزاء النظام الأمريكي وأقطابه، فما الذي يحاول هؤلاء القيام به مع وجود هذا البغض الشعبي العارم؟!

إنّ شعبنا شعب عزيز يعتزّ باستقلاله وعزّته وكرامته، ويرفض التحقير والامتهان من قِبَل أيّ كان. وليس لأيّ نظام في العالم توجيه الإهانة والتحقير للشعب الإيراني بسبب مواقفه المستقلة.

إنّ التهديد لا جدوى منه؛ رغم عنجهية العدو، فلم تراعِ أمريكا أيَّ بعد إنساني خلال عملياتها في أفغانستان؛ فلقد جاء هؤلاء – الأمريكان – لمقاتلة فئة أو جماعة، بل لقتال أفراد قلائل في البلد الفقير المظلوم أفغانستان، لكنهم لم يعثروا عليهم فأخذوا بقصف الكثير من المظلومين وقتلهم؛ فَهُم بذلك عنجهيون، غير أنّ هذه الممارسات العنجهية لا تقوى على البلوغ بأمريكا إلى أهدافها ونيل النجاح، ومن المسلّم به أنها ستتلقّى صفعة قوية إذا ما صمدت الشعوب واستقامت.[1]


[1]. بيانات سماحته في ذكرى رحيل الإمام الخميني بتاريخ 4-6-2002م

المصدر
كتاب النفوذ في فكر الإمام الخامنئي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟