مواضيع

النفوذ هو الاستعمار المتطور

انظروا إلى وضع العالم المأساوي حالياً وهو يقطر دماً بين مخالب الاستكبار العالمي، حيث لبس الاستعمار القديم ثوباً جديداً، فقد كان الاستعمار القديم يتمّ عبر الاحتلال المباشر للبلدان كما حدث في الهند والجزائر وكثيرٍ من البلدان الأخرى، ومع يقظة الشعوب اختفى هذا النوع من الاستعمار، ولكن بعد أن امتصّ خيرات الشعوب وأفرغها من قواها، ولكن مهما كان فقد زال ذلك الاستعمار، ليعطي مكانه إلى الاستعمار الجديد الذي لا يمارس فيه الأجانب دوراً مباشراً على النحو الذي كان قائماً في الاستعمار القديم، بل يُنصّب في رأس السلطة أُجَرَاء من أبناء البلد كما كان الأمر في عهد الطاغوت، إذ تمّ تنصيب رضا خان وابنه، وكما هو الأمر في كثير من بلدان العالم الثالث – على حدّ تعبيرهم-ومنها البلدان الإسلامية، فعملوا على استهلاك الشعوب لسنوات طويلة، وسلّطوا المستبدّين والعسكريين المتآمرين، وأبعدوا الجماهير بشتىّ السبل، وحالياً نلاحظ عدم جدوائية ذلك أيضاً؛ لذا نراهم قد عمدوا إلى سلوك طريق جديد للسيطرة على البلدان، من خلال غسل أدمغة الشعوب؛ وهو ما عبّرتُ عنه سابقاً بالاستعمار الأحدث قياساً بالاستعمار الحديث، وذلك بالعمل على تزويق الوجه القبيح للاستعمار وتبرير سلوكياته.

وطبعاً إنّ هذا النوع من الاستعمار سوف لا يكتب له النجاح؛ لأن وجه الاستعمار من القبح والبشاعة بحيث لا يمكن تغطيته بمثل هذه الأساليب، كما لا يمكنه حجب ظلمه وعدوانيته، والمثال على ذلك هو العراق، حيث تشاهدون ممارساتهم في هذا البلد، وكيف أنهم حوّلوا لواء حقوق الإنسان إلى أضحوكة بِيَد أمريكا وانجلترا وما شاكلهما!

حيث يتكرر مشهد مأساة سجن أبي غريب وغوانتانامو، والتعامل مع الشعوب بجبروت القوّة العسكرية، وقد لا يظهر الناس استياءهم للوهلة الأولى، إلاّ أنّ هذا سيترسَّب في وجدانهم ويتجذّر بعمق، وسيتفجّر بركان غضبهم، حيث إنّ صدور الشعوب الإسلامية مشحونة غيظاً، وحتى البلدان التي لهم فيها سيطرة ظاهرية على حكامها، فإن أفئدة الشعوب فيها ضائقة بهم، وهي بانتظار اللحظة التي تتمكن فيها من التعبير عن مشاعرها، فقد ولّى عهد النظام الاستكباري المبتني على الظلم والتسلّط على أرواح الشعوب وثرواتها وشرفها، وطبعاً قد تخضع الشعوب لتجارب عصيبة، إلاّ أنّ الحقيقة هي أن مرحلة التجبّر وفرض القوّة قد أصبح منتهياً، وليس بإمكانه الاستمرار مدّة أطول، فالأمة الكفوءة والواعية التي تتمتع بإرادة ووعي وإيمان، سوف لا تفسح المجال لغيرها ولا تترك المستعمر ينفرد بصنع القرار، وستتغلّب عليه لا محالة، وقد استوفى الشعب الإيراني السهم الأوفر من هذه الموارد، حيث إنه كفوء وواعٍ ومؤمن، وقد حنكته التجارب، بينما الشعوب الأخرى لا تتمتع بمثل هذه التجارب، وبذلك يمكن لشعبنا أن يشكّل محوراً لحركة عالمية كبرى ضد الظلم والنظام الاستكباري الجديد الذي يحاول المستعمر فرضه حالياً على العالم، فعلى الشباب أن يلتفتوا إلى هذه المسألة، وأن يرفعوا من مستوياتهم واستعداداتهم وعمقهم الفكري وتواجدهم في الميادين السياسية والاقتصادية، وعلى الشباب أيّاَ كانوا طلاباً وفضلاء وجامعيين وعمال وغيرهم من الطبقات أن يدركوا ضرورة ممارسة دورهم في المستقبل، حيث إنّ إيمان الشعوب وإرادتها هي التي سترسم خارطة العالم سياسياً في المستقبل، وهو أمر موكول إليكم، وطبعاً فإن المسؤولين في البلاد، سواء في المجالات الثقافية أو السياسية أو فيما يتعلق بالشباب والعلوم – يتحمّلون وظائف ثقيلة وخطيرة، وإنّ سبب تأكيدي المستمر على العلم يعود إلى أنّ التعلّم والحصول على التقنية العلمية يلعب دوراً كبيراً في صنع المستقبل، وسيكون هذا المستقبل طوع أيديكم أيها الشباب.[1]


[1]. بيانات سماحته أمام أهالي قم المقدسة بتاريخ 8-1-2005م

المصدر
كتاب النفوذ في فكر الإمام الخامنئي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟