مواضيع

نفوذ العدو أكبر تهديد للدولة

أوضح أولاً إننا حين نقول العدو لا نشير إلى كائن خيالي ووهمي. مرادنا من العدو هو النظام الاستكباري والاستكبار، أي القوى الاستكبارية، القوى التي تتوقف حياتها على الهيمنة على الآخرين والتدخل في شؤون الآخرين، والسيطرة على المصادر المالية والحيوية للآخرين. هؤلاء هم الاستكبار. بعبارة أخرى زعماء نظام الهيمنة.

لدينا في أدبياتنا السياسية عنوان هو نظام الهيمنة، أي تقسيم العالم إلى مهيمن وخاضع للهيمنة، هذا هو نظام الهيمنة. العدو هم ساسة وزعماء نظام الهيمنة. وإذا أردنا أن نحدد لذلك مصداقاً خارجياً فهو نظام الولايات المتحدة الأمريكية، هذا هو التجسيد التام لنظام الهيمنة، نظام الولايات المتحدة الأمريكية. وهناك طبعاً آخرون، بيد أن الأكثر عياناً والأوضح والأبرز هو نظام الولايات المتحدة الأمريكية. وهم لا يتمتعون إطلاقاً بالأخلاق الإنسانية ولا يتورّعون عن ارتكاب الجرائم أبداً – كل أنواع الجرائم – وهم يخفون هذه الجرائم والضغوط والعنف بكل سهولة تحت الابتسامات وألفاظ المجاملة والكلمات الحسنة الجميلة. إذن، حين نقول العدو فهذا ما نعنيه.[1]

عدو غدار وذكي، ومتوثب ونشط، ومخادع ومتشيطن يعمل ضد هذه الحركة العظيمة، من هو ذلك العدو؟ إنه الاستكبار.

طبعاً مظهر الاستكبار في يومنا الحاضر هو أمريكا، وقد كان مظهره بريطانيا في يوم من الأيام. هذا العدو ليس بقاعد دون عمل ونشاط، بل هو نشط يعمل باستمرار.[2]

الصراع العالمي اليوم بين الحركة الاستكبارية والحركة القيمية والاستقلال الوطني والهوية المستقلة التي مظهرها الثورة الإسلامية أو الجمهورية الإسلامية. هذا هو الصراع في العالم اليوم، لا بمعنى أنه لا توجد معارك وصراعات أخرى، بلى، قد تتعارك الكلاب على جيفة، هذا شيء موجود، بيد أن المعركة الأساسية هي هذه، هذا هو الخط الأصلي والجبهة الأساسية. لذا ثمة عدو، والعدو حساس.

قلنا إن مظهر هذا الاستكبار اليوم هو أمريكا. بيد أن هذا هو الجهاز السياسي للاستكبار، والاستكبار ليس جهازاً سياسياً فقط، فالجهاز المالي قد يكون أحياناً أكثر أهمية وتأثيراً من الجهاز السياسي، نظير هذه الشركات العالمية الكبرى الثرية، وغالبها شركات صهيونية. هذه هي مجموعة الاستكبار وهي تعمل دوماً. إنها تملك في الحقيقة المال والقوة، وقد طرح البعض مثلث المال والقوة والتزييف، وهو مثلث صحيح. في الماضي عندما كنا نقول المال والقوة والتزييف كنا نقصد التزييف الديني. المراد هو العناصر التي تعمل بغطاء ديني وتمهد الأرضية والطريق لمسيرة جيوش المال والقوة. لكن ما نقصده اليوم من التزييف والخداع ليس التزييف الديني فقط، بل التزييف السياسي أيضاً، بمعنى أن الأجهزة السياسية والدبلوماسية تمارس الخداع والتزييف بشدة، وتخطط وتتآمر وتبرمج وتصمم، وتظهر بوجوه مبتسمة وتتقدم بأذرع وأحضان مفتوحة، وفي الوقت نفسه إذ يحتضن الطرف الآخر يغرز الخنجر في قلبه، كما شاهدتم في بعض الأفلام. إذن، التزييف اليوم يشمل أيضاً التزييف السياسي والدبلوماسي وما إلى ذلك، والذي ينبغي التنبه له. طيب، هذا عداء، وقد يظهر هذا العداء بأشكال مختلفة. ينبغي أن نتفطن لهذه الأمور، أيْ يجب أن نكررها مع أنفسنا دوماً ونتمرّن عليها ولا ننساها، لنفهم ما الذي ينبغي أن نفعله. كلنا – سواء السياسيون في البلد أم المدراء أم أنتم التعبويين الأعزاء أم الآخرون الناشطون والمفكرون والعاملون – يجب أن نستحضر هذه الأمور في أذهاننا دائماً.

نوع من العداء هو العداء الصلد، من قبيل أنْ يضعوا قنبلة أو يطلقوا رصاصة أو يرسلوا إرهابيين. ونوع آخر من العداء هو العداء الناعم، حيث طرحتُ منذ فترة قضية النفوذ والتغلغل، النفوذ قضية على جانب كبير من الأهمية. عندما نقول نفوذ يصدر البعضُ ردود أفعال، فيقولون إن قضية النفوذ أصبحت فئوية وقد استغلوها استغلالاً فئوياً، أنا لا شأن لي بهذا الكلام. طيب، عليهم أن لا يستغلوها فئوياً، ولا يطرحوا نقاشات عبثية حول النفوذ، ولا يطرحوا اسم النفوذ من دون المضمون اللازم، لا شأن لنا بهذه الأشياء، ولكن في أيّ كلام يطلق وفي أي عمل جاد ينجز، يجب عدم الغفلة عن أصل حقيقة النفوذ، يجب أن لا نغفل عن أن العدو يروم النفوذ والتغلغل. وأشرح الآن قضية النفوذ بمقدار ما، فما هو النفوذ وكيف. يجب أن لا نغفل عن أصل القضية. لا تتهم التيارات والفئات بعضها بعضاً، فيقول هذا إنك حين قلتَ كذا كان قصدك كذا، ويقول ذاك لا، حين قلتَ كذا كان قصدك كذا، لا بأس، مهما كان القصد. بالتالي يجب عدم نسيان الواقع والحقيقة، العدو يخطط ليتغلغل وينفذ.[3]

أيها السادة، إن قضية التغلغل هذه قضية مهمة، وحين أطرح هذه القضية فليس لأن احتمالاً ما يخطر ببالي بأنهم قد يتغلغلون، لا، إننا مطلعون على الكثير من الأشياء. إننا نطلع على الكثير من الأحداث التي تقع في البلد والتي غالباً ما لا يعلمها عموم الناس أو حتى الكثير من الخواص. إنني أقول عن اطلاع بأن مخططات النفوذ والتغلغل في البلاد مخططات جادة للاستكبار، وهي مخططات جادة للأمريكان، إنهم يتابعونها من أجل أن يتغلغلوا. لا نقع في الخطأ، هذا التغلغل ليس من أجل أن يحدث انقلاب في مكان ما، لا، يعلمون أن الانقلاب لا معنى له في إيران وفي الجمهورية الإسلامية بالبنية التي للجمهورية الإسلامية. في أماكن قد يتغلغلون في القوات المسلحة من أجل أن يقوموا بانقلاب، فيخرجوا شخصاً ويأتوا بشخص، لا، هذا التغلغل ليس من أجل الانقلاب، إنما هو لأجل هدفين آخرين.[4]

إن نفوذ الأعداء وتغلغلهم هو اليوم من التهديدات الكبيرة التي تحدق بهذا البلد. إنهم يرومون النفوذ والتغلغل، فما معنى النفوذ؟ ربما كانوا يرمون إلى النفوذ الاقتصادي، وهو طبعاً أقل أنواع النفوذ أهمية، وقد يكون النفوذ الأمني أيضاً من أقل أنواع النفوذ أهمية. النفوذ الأمني ليس بالشيء الصغير، لكنه قليل الأهمية إلى جانب النفوذ الفكري والثقافي والسياسي.[5]

قد وجدوا مختلف أنواع الطرق – وقد فكرتُ وحسبتُ مع نفسي فوجدتُ قرابة عشرة طرق مهمة – للتغلغل في البلاد، وهم يعملون الآن. أحد هذه الطرق الطريق العلمي، عن طريق التواصل مع الجامعات والعلماء والأساتذة والطلبة الجامعيين – مؤتمرات علمية في ظاهرها لكنها في الباطن من أجل النفوذ والتغلغل – يبعثون العناصر الأمنية إلى هنا. هذا أحد الطرق. وأحد الطرق هو الأساليب الثقافية والفنية. يعينون موظفاً مباشراً من الأجهزة الأمنية ليبعثوه باعتباره شخصاً فناناً لمهرجان الموسيقى مثلاً، وطبعاً علمتْ وزارة المعلومات لحسن الحظ، وحالت دونه بسرعة. أي تحت عنوان المشاركة في مهرجان فني – مهرجان الموسيقى مثلاً – يختارون شخصاً هو شخص سياسي وأمني مئة بالمئة، باعتباره شخصاً فنياً. طيب، لماذا يبعثونه؟ والنفوذ الاقتصادي من الطرق الأخرى. لديهم أنواع وصنوف متنوعة من الطرق ويجب أن نحذر وندقق.[6]


[1]. كلمة سماحته إلى المشاركون في المؤتمر العالمي لأهل البيت (ع) ومؤتمر اتحاد الإذاعات والتلفزيونات بتاريخ 17-8-2015م

[2]. كلمة سماحته أمام حشد من التعبويين بتاريخ 25-11-2009م

[3]. نفس المصدر

[4]. لقاء سماحته مع أعضاء مجلس خبراء القيادة بتاريخ 10-3-2016م

[5]. كلمة سماحته في لقاءه قادة حرس الثورة الإسلامية بتاريخ 16-9-2015م

[6]. لقاء سماحته مع أعضاء مجلس خبراء القيادة بتاريخ 10-3-2016م

المصدر
كتاب النفوذ في فكر الإمام الخامنئي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟