من المبادىء المهمة التي استلهمتها مدرسة السيد الإمام (ق) من كربلاء وعاشوراء هي مسألة العرفان الحماسي، بمعنى أن المؤمن لابد أن تكون لديه علاقة قوية بالله سبحانه وتعالى، ومرتبط بالله سبحانه وتعالى، ولكن من دون أن تعني هذه العلاقة عدم الاهتمام بشؤون الناس وعدم اعتراض على الظلمة والطغاة، بل عرفاناً يكون زاداً وسنداً في طريق الجهاد، وبذلك لا يمكن أن يكون المجاهد غير مؤمن ولا توجد لديه علاقة مع الله. وفي ذات الوقت لا يمكن أن يكون المؤمن والعارف غير مجاهد.
الإمام الخميني (ق) فتح القلوب والأبصار على عالم كان منبوذاً ومهملاً ومستوراً على كثير من الناس، ولكنه في نفس الوقت لم يفتح باب العرفان الصوفي الذي يعزل صاحبه عن المجتمع وهمومه، بل فتح باب عرفان الجهاد، وطبقه هو بنفسه، فانجذبت القلوب نحو هذا الأمر لانجذابهم للإمام ورغبتهم في أن يكونوا مثله ومثل قوته وعزته وكرامته.
يقول السيد عباس نور الدين حفظه الله:
لازلت أذكر قبل أكثر من عشرين سنة عندما كان إقبال الشباب المتدين على المعارف الأخلاقية والتعاليم المعنوية في أوجه، كانت مكتبتنا تكاد تخلو من أي كتاب يلبي الحاجة ويروي الظمأ.
لم يكن الأربعون حديثاً قد ترجم أو طبع، ولم يكن ثمة أحد قد سمع عن العلامة الجوادي وأسلوبه العذب. فكان لابد من وضع كتاب منهجي تعليمي يلاحظ الثورة المعنوية المنبثقة من روح العرفان الخميني.
في تلك الأيام ورغم أن الرؤية الكونية العرفانية لم تكن معروفة حتى في مبادئها الأساسية، فإن التوجه والإقبال على كل ما يمت إلى العرفان بصلة كان مشهوداً بوضوح بين الشباب الذي كان يسعى لمزج حياته بالجهاد والمسؤولية. ولم يكن خافياً على أحد أن وراء ذلك كله تلك الروح العرفانية العابقة التي انبثقت من جانب الشرق، حينما حل معه تباشير العزة والحرية.
وصحيح إن التجربة بالإمام الخميني وكل ما يتصل به، فلم يكن التوجه الأصلي نحو العرفان أو الروحانية، بل نحو العزة المصاحبة لتعاليم هذا الإنسان العظيم.
في الواقع كان الإمام هو الأصل، وكانت الأمور الأخرى بالتبع من خلال هذا الإمام تعرفنا على روعة السير والسلوك وأهمية مجاهدة النفس ومعنى مواجهة الأنانية والأنيّة، ومن خلاله صار للعرفان قداسة خاصة في نفوسنا.[1]
يقول السيد عباس نور الدين حفظه الله في موضع آخر:
«إن المرتكز في الأذهان من حالات العارفين، وسيرتهم، اشتهارهم بكثرة القيام بالتسبيحات، وعندما نسمع عن هؤلاء أو نقرأ من سيرتهم شيئاً، نلاحظ التركيز على قيام الليل وكثرة الذكر والأعمال المستحبة منهم.
وإذا كان لأحد هؤلاء دور جهادي في تحدي الطواغيت ومواجهة خططهم مثلاً؛ فإنه يذكر تحت عنوان الحياة السياسية؛ فالأخلاق والعرفان عند هؤلاء في الصلاة والذكر والسياسة هي الجهاد والعمل الاجتماعي.
إن هذا الفصل الذي قام به باحثون ومؤلفون وتبعهم فيه آخرون، يحكي عن عدم الالتفات إلى حقيقة العرفان والتقوى والأخلاق. لأن قمة العرفان بالله تتجلى في العمل الجهادي والسياسي الاجتماعي. وإلى هذا المعنى يشير الإمام الخميني(قدس سره) في وصاياه العرفانية: «لقد سقط موسى الكليم(ع)بحال الصعق نتيجة تجلي الحق على قلبه، وأفاق بعناية إلهية خاصة، ثم أمر بتحمل أمر ما. وكذلك خاتم النبيين، أمر بعد بلوغه القمة من مرتبة الإنسانية وما لا تبلغه الأوهام من مظهرية الاسم الجامع الأعظم بهداية الناس بعد أن خاطبه الحق تعالى: <یآٰ اَیّها الْمُدَّثِّرُ ١ قُمْ فَاَنْذِرْ>[2] انتهى.
ونحن هنا نتساءل ما هو الأمر الصادر إلى موسى الكليم؟
إن هذا النبي العظيم كلم ربه بعد أن عبر كل تلك الفتن وشاهد كل تلك النعم، كما حكى القرآن عنه بقوله: <قَالَ رَبِّ بِمَآ أَنْعَمْتَ عَلَىَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِينَ>[3] فأعلن عن استعداده التام لمواجهة المجرمين في كل العالم وبتبع ذلك العزم أمر بتحمل تلك المسؤولية الاجتماعية الكبرى، وهي تحرير شعب بأسره من الرق والاستعباد»[4].
إذاً ما تميزت به مدرسة السيد الإمام هو اهتمامها بالعرفان وبجانب العلاقة مع الله والعلاقة الروحية مع الله، ولكن من دون إهمال للمجتمع ومن دون عزلة، فهذا السيد الإمام يقول: «والله أن الأخلاق كلها سياسية» أي: أن جميع الأمور الأخلاقية، كما أنه يمكن تطبيقها من ناحية فردية، فكذلك يمكن تطبيقها في الأمور العامة، ففي العمل السياسي، لابد أن يكون هناك إخلاص، وعدم الرياء والعجب، وينبغي الصدق وعدم النفاق والكذب وهكذا، بل إن الاختبار الحقيقي يكون في العمل السياسي.
[1]– كتاب سفر إلى الملكوت
[2]– المدثر: 1-2
[3]– القصص: 17
[4]– كتاب سفر إلى الملكوت
تعليق واحد