المبدأ القائل بأن العدة والعدد ليس هو كل شيء، وان الفئة القليلة عدة وعدداً من الممكن أن تهزم الفئة التي تمتلك الأكثر والعدة الأكبر، وهذه الفكرة وهذا المبدأ هو جوهر وخلاصة «الفكر المقاوم» وهو ما يسمى بمبدأ المقاوم.
وهو يرتكز على افتعال الضربات الصغيرة ولكن المستمرة، فهو يعتمد على الصبر والنفس الطويل، وتوجيه الضربات التي لا تحتاج إلى كلفة ومؤونة زائدة، لكنها مؤثرة، فهو يعني إن صواريخ الكورنيت التي قيمتها عشرات الآلاف من الدولارات تهزم وتحطم دبابة العدو «الميركافا» التي قيمتها بالملايين.
وبهذا يختلف المنهج هنا عن المناهج الأخرى، إذ يتم التطور شيئاً فشيئاً، لذا فلابد من الثقة بالنفس والاعتماد على النفس، وامتلاك الصبر والنفس الطويل، مع استمرار العمل والتطور وتوجيه الضربات المؤثرة.
فهذا المنهج من جهة يدعو للتدرج والتطور شيئاً فشيئاً، ولكنه في نفس الوقت يدعو لعدم ترك العمل والاستمرار فيه. بخلاف المناهج الأخرى التي تؤجل العمل لما بعد البناء والتأسيس.
كما إنه في نفس الوقت الذي تقوم فيه بالعمل السري، لكنها لم توطد هذا العمل وتحصره بالنخبة فقط، بل هو مفتوح للجميع وفي نفس الوقت لم تترك العمل الجماهيري الشعبي والميداني، كما أن هذا الفكر ليس محصوراً بالجانب العسكري فقط، بل هو يشمل الجانب العسكري، والسياسي، والاقتصادي، والعلمي، والثقافي، والإعلامي، وغيرها. فأساس الفكرة يقول: بأن التغيير ممكن وتحقيق الإنجاز ممكن، حتى مع قلة الإمكانات وضعفها، ولابد من الثقة بالنفس وعدم الاغترار والانبهار بالقوى المسيطرة والمستكبرة، ففي الجانب العلمي نستطيع أن نصل إلى أعلى المستويات حتى لو لم تكن الظروف المادية تساعد على ذلك، وفي الجانب الإعلامي أيضا نستطيع أن نكون مؤثرين حتى لو لم نكن نمتلك الإمكانات المادية الكبيرة، والقنوات الإعلامية الكثيرة. وهذا أيضاً في الجانب الاقتصادي والثقافي، والسياسي.
وهذا الأمر يمكن تطبيقه في كل مكان، ويمكن أن يطبقه كل أحد. ويمكن أن نذكر مثالاً لهذا في الجانب الاقتصادي يوضح هذه الفكرة أكثر. ويجعلنا نؤمن بها أكثر وبصدقها، وهو نموذج تجربة كوريا الجنوبية في الجانب الاقتصادي.
يقول بياز جوديه في كتابه «جمهورية كوريا -منافس أم شريك جديد-»: كانت كوريا الجنوبية في مطلع الستينات أحد أفقر بلدان العالم. لا تمكنه حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي ضمن البلدان المختلفة، إلا من المرتبة الواحدة والسبعين خلف السنغال والسودان ومدغشقر. وعندما كان الكوريون يسألون ما الذي يمكننا القيام به لكي نتخلص من الفقر والتخلف؟
يجيبهم الخبراء: ليس لديكم خيارات عديدة، افعلوا كما كنتم تفعلون في عهد اليابانيين، صدروا الأرز واشتروا من الأسواق العالمية ما تحتاجونه.
لم يكن أحد يؤمن آنذاك بإمكانية تحقيق التنمية في كوريا. كانت كوريا فعلاً بلداً منسد الأفق.
فانظر كيف كان وضع كوريا الجنوبية وإلى أين وصلت، وانظر كيف كانت نظرة الخبراء وما كان كلامهم؟ ولو أخذ الكوريون بكلام الخبراء فكيف سيكون حالهم الآن؟ ولكن انظر إلى أين وصلوا الآن؟ فبعد أن كان اعتقادهم الأكبر على الزراعة وتصدير الأرز، كما يوضح النص السابق. وصلت نسبة مساهمة القطاع الزراعي في الناتج المحلي الإجمالي سنة 2012م إلى 2.70%، و 39.10%، للقطاع الصناعي، و 58.20% للقطاع الخدمي. هذا بالرغم من إن كوريا الجنوبية تفتقر إلى جل الموارد المعدنية والطاقية.
ويختصر السيد الخامنئي حفظه الله هذا المبدأ بقوله: «نحن قادرون» لا تقولوا نحن غير قادرين بل «ما ميتوانيم- نحن قادرون» ويقول في موضع آخر: «ما مظلوميم اما قوى هستيم، مثل أمير المؤمنين» أي «نحن مظلومون، ولكننا أقوياء تماما مثل أمير المؤمنين الذي هو مظلوم ولكنه قوي». ويعني بذلك أنه صحيح بأننا محاصرون ومحرومون من كثير من الأمور. ولكن رغم ذلك فإننا أقوياء.
وقد دلت الآيات القرآنية على هذه الفكرة: <كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإذْنِ اللَّهِ>.
كما أن المبادئ السابقة كالمبدأ القائل بأن: «المطلوب هو أداء التكليف، وأما النتائج والنصر فهو من الله» يؤيد ويؤكد على هذا المبدأ.
يقول الله سبحانه وتعالى: <وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ>.
في هذه الآية وعد إلهي بالنصر، فلا تستبعد أيها العزيز أن يشملك الله بالنصر حتى مع قلة العدد وقلة الإمكانيات، ولكن هذا النصر المذكور في الآية مخصص بفئة معينة، وهي الفئة التي تنصر الله. فالنصر الإلهي لا يشمل الجميع، بل هو مختص بمن ينصرون الله.
ولكن ما هو معنى نصرة الله؟ وما هي هذه الفئة التي تنصر الله؟! وما هي صفاتها؟!
كل هذه الأسئلة تجيب عليها الآية التي تلت الآية المتقدمة: <الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ>. فالله يؤيد بنصره المستضعفين، ولكن ليس أي مستضعفين بل الذين ينصرون الله ويريدون بانتصارهم تطبيق أحكام الله، ولا يريدون الدنيا وتطبيق أحكام وقوانين تخالف أحكام الله.
وهنا إشارة مهمة ينبغي أن نلتفت لها. وهي الدوافع والأهداف التي جعلتنا نتحرك وتقوم بثورة في البحرين، فبيني وبينك أيها العزيز: ما هي دوافع وأهداف أغلب الشباب وأغلب الأطراف السياسية؟ وما هي الأسباب التي دفعتهم للقيام بالثورة والتحرك والعمل؟
إذا كان مجتمعنا؛ وكنا واقعيين فسنجيب بأن: الأغلب والأكثر كانت دوافعه مادية وأهدافه دنيوية ومن أجل الحصول على عمل ومال ومنزل أو منصب. وحتى الطرح السياسي كان الغالب عليه هو الطرح السياسي الغربي من دون ذكر الإسلام وربط الناس بالإسلام وربط الحراك بالإسلام، وطرح المفاهيم الإسلامية، بل حصلت مبالغة كبيرة في هذا الأمر وتم ترك بعض المبادئ الرئيسية، وكل ذلك لأجل إرضاء العالم الدولي وإبهار العالم الدولي!
ولما كانت الدوافع والأسباب هي هذه الأمور التي ذكرناها، كان من الطبيعي أن ترى الكثير قد تراجع وندم على ما فعل وحصل، وإذا كان في السجن أو مغترب، فهو يعيش الحسرة والندم، ويرى بأن الذي هو فيه من مصيبة وبلاء لا يستحق كل ما حصل وحدث.
وإذا أردنا أن نكون منصفين وواقعيين، فالكلام الذي يقوله صحيح، وفعلاً إذا كانت هذه هي الدوافع والأسباب فلا يستحق الأمر كل هذا الخسائر والتضحيات. فهل من المعقول بأني ولأجل الحصول على مال أكثر أو عمل أفضل أبقى في السجن 10 سنوات أو أكثر؟ طبعاً لا. خصوصاً وأنا لم أكن إنساناً معدماً ولا أملك شيئاً. بل حالي ميسور ولله الحمد.
ولهذا لا يمكن التبرير للناس حالياً ودفعهم من أجل التضحية مرة أخرى إذا كان هو المنطق وهذه هي الأهداف فلماذا تريدني أن أضحي الآن وأخسر حياتي وعمري؟ لأجل الديمقراطية ومنصب رئيس الوزراء مثلاً؟ وماذا بعد ذلك؟ وهل تستحق هذه الأمور ما مرت به سوريا من دمار؟ أو العراق؟ أو اليمن؟
كل هذا لا يمكن تبريره. ولا يمكن تقديم دوافع منطقية تبرر تقديم كل هذه الخسائر والتضحيات. مالم يتم ربط الأمر بالدين وبالإسلام، وربطه بمشروع عالمي كبير.
والرابط بالإسلام والدين يكون عندما تصبح أهدافنا هي قلع الفساد ومنع الفساد الديني والأخلاقي الخطير الذي بدأ يأكل مجتمعنا ويفتته، فانظر إلى نسبة انتشار المخدرات، ونسبة الطلاق، ونسبة الزنا والعلاقات المحرمة خصوصاً بين المتزوجين؟ أي أن أغلب الزنا يكون من نساء متزوجات؟ وانظر إلى نسبة التحلل الأخلاقي، وغيرها من الأمور. مما ينذر بكارثة أخلاقية واجتماعية كبيرة.
وهذه مسؤولية خطيرة تقع على عاتقنا وإذا لم نوجد لها حلاً فسنقع نحن في الخطر وأبناؤنا وعوائلنا والأجيال اللاحقة، وبهذا تكون علينا مسؤولية تجاه أبنائنا وتجاه الأجيال اللاحقة وتجاه الدين. وهذا الإصلاح لا يمكن أن يكون كما قلنا سابقاً إلا بإصلاح الحكم الفاسد، ولابد أن يضحي أحد لأجل ذلك. وذلك ليبقى الدين محفوظاً ويبقى الإسلام محفوظاً في النفوس، أما إذا استمر الفساد الأخلاقي والاجتماعي، فسيذهب المجتمع والدين.
وكذلك يكون الربط إذا لاحظنا ما نقوم به باعتباره تمهيداً لظهور الإمام (ع).
«هذه الراية سنسلمها للإمام (عج)» (أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسين)
وفق رؤيةٍ مذكورةٍ في محلها تبين أسباب الغيبة وأسباب الظهور، خلاصتها إن الظهور لن يكون إلا بعد إيجاد قوة قادرة على حماية الإمام (عج)، وبعد رفع الموانع والأخطار التي ستهدد الإمام (عج)، وتمنعه من تحقيق مشروعه العالمي.
وأما الربط بالمشروع العالمي الكبير، فيكون عن طريق توحيد المشروع مع مشروع محور المقاومة الذي يهدف إلى القضاء على الاستكبار العالمي في المنطقة، وإعادة الصحوة الإسلامية. وتأسيس الحضارة الإسلامية. انطلاقاً من تحرير القبلتين «مكة والقدس» من أيدي الآثمين، إلى تحرير العالم «بقيادة صاحب العصر والزمان»
وهذا المشروع الكبير يختزل في الحقيقة جميع الأهداف المتقدمة، الدينية، والثقافية، والاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية وغيرها.
ولأنه مشروع تأسيس حضارة، والحضارة لا تكون إلا بهذه المقومات، والتي تعني إزالة الظلم والفساد من جميع مناطق العالم وتوزيع الثروات بشكل عادل على الجميع، فلا توجد مجاعة بعد ذلك ولا ظلم وجور.
وبهذا غيرنا الدوافع والأهداف من كونها دوافع وأهداف شخصية ومادية، إلى أهداف عامة وكبيرة جدا وغير دنيوية، وبذلك يصير الأمر مستحقاً للتضحية، لأننا نسير في طريق تحقيق الحكومة الإلهية والأهداف الإلهية، وسيأتينا الجزاء في الدنيا والآخرة، فأما في الدنيا فسيسجل التاريخ أسماؤنا وسيكون النصر حليفنا، <وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ> طالت المدة أو قصرت، وأما في الآخرة فإن النجاة من النار ودخول الجنة ستكون حتمية وذلك لقوله تعالى: <يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ> الله يسأل المؤمنين ويقول لهم هل تريدون أن أخبركم عن طريق ينجيكم من النار ويدخلكم الجنة؟
ولاحظ معي هنا، أن المتكلم هو الله، فلا يمكن أن يكون الطريق الذي سيعطينا إياه غير صحيح، ولا يوصلنا إلى المطلوب بشكل دائم!! وما هو هذا الطريق؟!!
<تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ>.
حسناً وماذا ستكون النتيجة؟
<يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) وَأُخْرَىٰ تُحِبُّونَهَا ۖ نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ ۗ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ>
وحينئذ نعم .. تكون تلك الخسائر والتضحيات التي وقعت في سوريا والعراق واليمن في محلها لأنه لولاها لنجح المشروع الأمريكي في المنطقة، ولكنا في الحضيض، وعلى الإسلام بعد ذلك السلام، وسيرجع حالنا إلى ما كان سائدا في الستينات قبل ثورة الإمام الخميني (ق)، بل سيكون أسوء من ذلك، وستطبق المشاريع الصهيونية والماسونية في المنطقة.
وكذلك في البحرين يستحق الأمر كل هذه التضحيات، ولأنه إذا لم تكن هذه التضحيات فستبقى دور الدعارة والفساد، وسيستمر التراجع الأخلاقي والاجتماعي، وسيستمر الضعف والتراجع على المستوى الثقافي والديني.
وأما بالتضحيات فستزول القاعدة الأمريكية والأسطول الخامس من المنطقة إن شاء الله، وسيسقط عملاء أمريكا وبريطانيا إن شاء الله، ولكن علينا أن نغير نيتنا وأهدافنا ودوافعنا وأساليبنا، وارتباط شأننا بمحور المقاومة، وسيأتينا النصر عما قريب إن شاء الله.