مواضيع

المطلوب هو أداء التكليف لا النتيجة

من كتاب خط الإمام الخميني للشيخ جاسم المحروس

من المقولات التي اشتهرت عن السيد الإمام (ق) قوله: «إن المطلوب منا هو أداء التكليف لا تحقيق النتائج».
فمثلاً إذا كان هناك ظالم يعيث في الأرض الفساد، فينبغي علينا أن نقف في وجهه ونعترض عليه ونستنكر فعله، بغض النظر عما إذا كان ذلك سيوقفه ويمنعه أولا.
فالمطلوب منا الوقوف في وجه الظلم، أما الانتصار على الظالم فهذا يتكفل به الله، وكذلك يجب علينا الدفاع عن الإسلام، أما تحقيق الانتصار عليهم فهذا يتكفل به الله تعالى.
وعلى هذا فلا يصح أن نترك الدفاع عن الإسلام أو محاربة المستكبرين والوقوف في وجوه الظالمين بحجة أننا غير قادرين على تحقيق الانتصار أو إن الظروف الموضوعية والخارجية لا تسمح بذلك، بل علينا أن نتوكل على الله وأما النصر فسيأتي من عنده، فالمتعين علينا هو أداء التكليف لا تحقيق النتائج.
وهذا ما تدل عليه الآيات الكريمة: <وَمَا النَّصْرُ اِلّاٰ مِݨْ عِنْدِ اللّٰهِ> <فَانتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا ۖ وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ> <إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ> <لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ ۙ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ ۙ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ>.
في هذه الآيات تصريح بأن النصر من عند الله وأنه لما اعتمد المسلمون على أنفسهم ولم يعتمدوا على الله وقعوا في الخسارة.
<كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإذْنِ اللَّه>
<وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ>
<إِن يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ ۖ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ ۗ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ>.
وهذا ما يمكن أن نستلهمه من كربلاء أيضاً، فرغم أن الحسين كان عالماً أنه سيقتل إلا أن ذلك لم يمنعه عن مواصلة طريقه والمضي نحو هدفه ورغم تفاوت القدرات من حيث العدة والعدد إلا أنه لم يتراجع ولم يستسلم، وما هذا إلا لأنه كان يرى إن التكليف يقتضي مواجهة الظالم والوقوف بوجهه واتخاذ موقف أمامه.
«أَعِرِ اَللَّهَ جُمْجُمَتَكَ تِدْ فِي اَلْأَرْضِ قَدَمَكَ اِرْمِ بِبَصَرِكَ أَقْصَى اَلْقَوْمِ وَغُضَّ بَصَرَكَ وَاِعْلَمْ أَنَّ اَلنَّصْرَ مِنْ عِنْدِ اَللَّهِ».
أما مسألة الانتصار فقد تبين من هو المنتصر بعد فترة قليلة من الزمن، حيث سقطت شرعية الطاغوت وسقطت أقنعته وصار مرفوضاً من قبل الجميع. فهو هزم إعلامياً وسياسياً، وإن لم يهزم عسكرياً وقت وقوع الحادثة، ولكن ليس المهم هو الانتصار العسكري فقط، بل إن الحرب العسكرية والعمل العسكري شكل مقدمة ووسيلة للوصول إلى الأهداف الاقتصادية والسياسية والإعلامية.
ولذلك إذا لم يحقق منفذ الحرب العسكرية أهدافه التي قام بالحرب من أجل الوصول إليها، لا يعد منتصرا، كما حصل بالنسبة لإسرائيل وحزب الله عام 2006م، فإن الهدف كان هو القضاء على الحزب، ولكن هذا الهدف لم يتحقق كما هو واضح، ولذلك عدُّ حزب الله هو المنتصر، ورغم الدمار الذي وقع في البنية التحتية في لبنان، والأضرار المادية الكبيرة التي لحقت بالحزب، ولكن من الناحية الإعلامية والسياسية كان الانتصار حليفاً للحزب.
ويوضح هذه النقطة أكثر ما حصل بعد الحرب العالمية الثانية بعد هزيمة هتلر، فالاتحاد السوفييتي هو الذي هزم هتلر من الناحية العسكرية، وهو الذي أوقف زحفه، باعتراف الأوروبيين أنفسهم، ولكن من الناحية السياسية والإعلامية والاقتصادية من الذي كان له النصيب الأكبر؟!
الولايات المتحدة الأمريكية!!
فما الذي جنته روسيا من الحرب العسكرية والانتصار العسكري؟! كان نصيبها هو الخسارة في الأرواح البشرية -أكثر من مليون قتيل- والخسارة الاقتصادية، والتراجع السياسي من ناحية السيطرة والنفوذ.
وكل هذا يؤكد على إن الحرب العسكرية والانتصار العسكري ليس هو المقياس أو الغاية والنهاية والهدف الأساس، وعلى هذا لو فرضنا إن طرفاً معيناً قد انتصر من الناحية العسكرية، والطرف الثاني وقع في الهزيمة من الناحية العسكرية، ولكن الطرف قد انتصر سياسياً واقتصادياً وإعلامياً، وكان الطرف الثاني هو المنتصر والطرف الأول هو المهزوم، وهذا هو المتحقق في «اليمن»، فصحيح إن هناك دماراً كبيراً ومجازر وقتلى وأضراراً مادية، ولكن إذا نظرنا إلى الأمور من زاوية أخرى فسنجد إن السعودية عندما دخلت إلى الحرب قد وضعت أهدافاً عديدة لكنها لم تحقق شيئاً منها، وهاهم أنصار الله يحققون الانتصارات السياسية والميدانية والإعلامية، فبعد إن لم يكن لهم أي تمثيل سياسي، ها هم الآن يمسكون بزمام أمور الدولة ويتم التفاوض معهم من قبل العالم الدولي كجهة سياسية معترف بها، ويحققون الانجازات العسكرية والثقافية. وفي المستقبل القريب إن شاء الله سيحققون الانتصارات العسكرية الكبرى.
ولكن الغريب في الأمر أنك عندما تتحدث مع أحد من البحرين وتقول له: لماذا لا نفعل كذا وكذا؟ ويجيبك: لا، لا نريد أن يكون حالنا كاليمن ولو سألتهم: هل تريدون أن يكون حالنا كاليمن؟ لكان الجواب هو: بالتأكيد؛ لا.. وما هذا إلا لأنهم ينظرون نظرة قصيرة وغير بعيدة، ويبحثون عن المكتسبات المادية فقط من دون تحمل أي عناء أو ضرر.
على كل حال .. عندما نتحدث عن الانتصار العسكري ليس هو الانتصار الحقيقي، فهذا لا يعني إن الله ينصر المؤمنين من الناحية العسكرية، وإن المؤمنين لن يحققوا الانتصارات العسكرية، ومصداق ذلك رواية أمير المؤمنين (ع): «الحرب سجال، يوم لنا مع عدونا، ويوم لعدونا منا، حتى يرى الله صدقنا فينزل بنا النصر وعلى عدونا الكبت».
ما نريد أن نشير إليه هو عدم قصر النظر على الجنبة العسكرية فقط والجنبة المادية، بل يجب ملاحظة الجوانب الأخرى أيضاً والنظر للأمور بنظرة بعيدة، وهذا ما نستلهمه من كربلاء التي جعلتنا نفهم كيف أن المهم هو الاستمرار في محاربة الظالم وإسقاط شرعيته.

المصدر
كتاب خط الإمام الخميني | الشيخ جاسم المحروس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟