في خضّم هذه الضوضاء والضجيج الموجود في الساحة السياسية، يبرز خط سياسي بشكل واضح على الساحة، وهو الخط المعروف بـ«خط الإمام» ..
ما هو معنى هذا الخط؟!
ما هي أصوله ومبادئه؟!
إلى ماذا يرمي؟!
سنحاول أن نجيب وسنصب تركيزنا على الأسس والمرتكزات، لنوضّح ونبيّن بأن هذا الخط لا يعني مجرد شعارات سياسية أو مواقف جزئية ومحددة، بل هو خط فكري عميق له أصوله؛ ومرتكزاته؛ ورؤيته، وهذا ما لا يدركه أكثر الناس.
إذا جئنا لساحة العمل السياسي في العالم بشكل عام، وفي البحرين بشكل خاص، سنجد أن هناك تيارات وتوجهات مختلفة تعمل في الساحة السياسية، وكل منها ينسب نفسه لجهة معيّنة، أو يرتبط بجهة معيّنة.
في أوساط المجتمع نجد أن تعبير «خط الإمام» هو تعبير شائع بينهم، وهو يستعمل للتدليل على منهج الإمام الخميني (ق) في الحراك السياسي والميداني، في قبال المناهج الأخرى.
وإذا جئنا إلى منشأ ظهور هذا التعبير، فسنجد أنه يعود إلى الثورة الإسلامية في إيران، فقد خرجت مجموعات من الشباب تدعم الإمام الخميني (ق) وتؤيده في أسلوبه وحراكه، ولأجل أن يعلنوا للناس عن هذا الانتماء والتوجه الثوري، فكانوا يقولون لمن يعترض عليهم بأننا نسير على طريق الإمام «راه إمام»، ومن تلك اللحظة بدأ استعمال هذا التعبير وأخذ ينتشر شيئاً فشيئاً في أقطار العالم، في البداية بين فئات قليلة، ولكن بعد مرور السنين وانتصار الثورة الإسلامية في إيران، وتوالي كل هذه الانتصارات للمقاومة الإسلامية في لبنان، والبروز والاكتساح الإعلامي لحزب الله في لبنان خصوصاً على مستوى الطائفة الشيعية في العالم الإسلامي، والقوة الخطابية لسيد المقاومة السيد حسن نصر الله حفظه الله والكاريزما والجاذبية الشخصية لسماحته.
كل هذه الأمور مجتمعة جعلت من هذا الخط وهذا المنهج مقبولاً، ومسلّماً لدى عموم الشيعة في أقطار العالم، ولكن لمّا كان تسليم عموم الناس لهذا المنهج وهذا الخط ناتجاً عن هبّة عامة، وانسياق نحو الموجة العامة، كان ذلك التسليم تسليماً عن غير وعي وسطحياً، من دون إدراك أبجديات ذلك الخط ومبادئه، ومعالمه وأسسه.
ولمّا كان ذلك التسليم سطحياً، من غير وعي، تم تسطيح معالم الخط ومبادئه، وتحويله لشكليات، وشعارات حماسيّة من دون انعكاس عملي صحيح في الواقع الخارجي.
فصار معنى خط الإمام: أن يدعي الإنسان الثورية برفعه لشعارات حماسيّة؛ مثل: هيهات منا الذلة، لبيك يا حسين، بالروح بالدم نفديك يا حسين، لبيك خامنئي.
أو لبس الكوفية ورفع علم حزب الله وتعليق صورة السيد الإمام والسيد الخامنئي ونصرالله.
أما ما معنى ذلك النهج وذلك الخط، وماهي أسسه ومبادئه، وماهي أهدافه ومن هم رجالاته ومنتوجاتهم الثقافية، والإصدارات الثقافية التي توضح مبادئه، فلا علم ولا التفات.
ولهذا السبب خفتت وتراجعت مثل هذه المظاهر والشعارات، وخصوصاً بعد الهجمة الشرسة التي تعرض لها هذا الخط في السنوات الأخيرة على يد المحور الأمريكي الإسرائيلي في المنطقة، والهجوم الإعلامي الشرس على كل من ينتمي لهذا الخط أو يؤيده ويقف معه، فصار لرفع تلك الشعارات والصور كلفة مادية وإعلامية وسياسية واقتصادية لا يمكن التقليل من شأنها.
فما كان من الناس إلا أن تراجعت وبدأت تراجع نفسها بأنه هل يستحق هذا الأمر كل هذه الكلفة؟ خصوصاً مع الضعف الظاهري الذي يمر به هذا الخط «محور المقاومة» بحسب تصوير الإعلام الأمريكي، والضغوط الاقتصادية المرهقة التي أثقلت كاهله.
ولمّا كان أكثر الناس وحتى أكثر المتحمسين، قد رفع شعارات هذا الخط تبعاً للهبّة العامة تبعاً لقاعدة: «إن الناس مع المنتصر».
فكان جوابهم هو عدم استحقاق التمسك بذلك الخط كل تلك الكلفة، وطبعاً هذا لا يعني أن الناس قد تبروا وأعلنوا تبرأهم من هذا الخط، ولكن تمت ترجمة ذلك التراجع في الواقع الخارجي بصور مختلفة ظهرت عند البعض بصورة تراجع على المستوى الفكري وانفتاح وتحلل أكثر من ذي قبل، أو بصورة تغير في السلوكيات والمظهر والاهتمامات.
يقول السيد عباس نور الدين: «وأما بيان الآثار الكاملة ومدى استقبال وتقبل الأفراد والمجتمعات لتعاليمه ونهجه فيحتاج إلى دراسات وبيانات تفصيلية، ونحن سنكتفي منها بالإشارات:
إن هذا النوع من الأعمال، أو لنقل إن هذه النهضة الكبرى هي فيض إلهي ونعمة ربانية تحتاج الاستفادة منها إلى استقبال وقبول والتزام، وعليه فإن بركات نهضة الإمام قد شملت كل من سمعها وقَبَلَهَا.
رغم أننا في عصر المعلومات حيث تنتقل كل المعارف، والأخبار بسرعة بين بقاع الأرض إلّا أن عمليات وبرامج نقل وانتقال هذه النهضة والتعريف بشخصية الإمام الخميني إلى المسلمين لازالت تشبه أساليب ووسائل القرون الوسطى.
ولو أجرينا استطلاعاً عاماً حول ما يعرفه المسلمون من حقيقة هذه النهضة وأبعادها، لكانت النتائج خجولة جداً مقارنةً بما ينبغي، فكيف إذا أضفنا عوامل التشويه واللعب على وتر الخلافات المذهبية التي حجبت قسماً عظيماً من المسلمين عن هذه المعرفة ثم أضف إلى ذلك عامل اختلاف اللغة الذي يحول دون التواصل الفاعل.
وطبعاً هذا التوصيف للوضع الخارجي، هو توصيف الوضع الخارجي في البحرين بالدرجة الأولى، ولا يعني ذلك انطباقه على المنطقة ككل؛ لأن وضع البلدان الأخرى أفضل بكثير من هذا التوصيف، خصوصاً في (اليمن أو لبنان أو العراق أو سوريا)، ففي تلك البلدان رغم انطباق ما ذكرنا بنسب معينة متفاوتة ولكن بشكل عام وضعهم من ناحية الوعي والتدين يتطور ولا يتراجع، وعلى كلٍ يوجد من يتابع ويتصدى للانحراف، ويعمل على وعي المجتمع، خصوصاً إذا قارنّا ذلك بالوضع السيء الموجود تسابقاً في بعض البلدان المذكورة.
أما في البحرين فالأمر بالعكس، فهو من جيد إلى سيء ومن سيء إلى أسوء من دون وجود طرح ثقافي أصيل، أو تصدٍّ مجارٍ للانحراف السلوكي والأخلاقي والفكري.
وما هذا إلا لعدم وجود نخبة واعية قادرة على إخراج نفسها من الضياع والحيرة في زمن الشتات، فضلاً عن إخراج غيرها، ولعدم الارتباط الثقافي بمحور المقاومة وبالولي الفقيه؛ وعدم مواكبة الخط في منتوجاته ومعلوماته، أضف إلى ذلك وجود شخصيات مقبولة اجتماعياً وسياسياً تميل «على الأقل» للمحور والمشروع الأمريكي.
كل هذه الأمور مجتمعة مهّدت الطريق لنجاح المشروع الأمريكي في البحرين بدرجة كبيرة جداً، وكان من نتاجات ذلك على سبيل المثال لا الحصر: عدم سماع شعار «الموت لأمريكا» في المحافل والتجمعات الدينية، وهو ذاك الشعار الذي كانت السفارة الأمريكية -بحسب تقارير نشرت في السنوات الفائتة- تحسب كم مرة يتم رفعه خصوصاً في شهر محرم في المنامة.
سنحاول في هذا الكتيّب تسليط الضوء مرّة أخرى على هذا الخط باعتباره خطاً ثبتت حقانيته وقدرته على مواجهة المشاريع الأمريكية الاستكبارية وتحقيق الانتصارات السياسية والعسكرية، بغض النظر عن المسميات والأشخاص، وعندما نقول مثلاً: إن المقاومة خيار صحيح، فهذا لا يعني أنه خيار صحيح بشرط رفع صورة السيد الخامنئي أو بشرط أن يكون شيعياً، بل هو صحيح في فلسطين وسوريا واليمن والعراق ولبنان. سواءً كان شيعياً اثنا عشرياً أو زيدياً أو سنياً و…، فنحن نتكلم عن وقائع خارجية، وأمور تستمد للحقيقة والواقع، بمعنى إنها أفكار أثبت الواقع الخارجي صحتها وصوابيتها.
آملين أن يساهم محور المقاومة في توعية المجتمع، ورسم رؤية واضحة يستندها الفرد في توجهاته ومواقعه وسلوكه، وتكسبه وعياً وبصيرة بحيث لا يكون تابعاً ومقلداً إلا عارفاً بالحق فيعرف أهله.
يقول الشهيد مطهري (ق): «الويل لأمة لا يكون عندها أصول ثابتة وواحدة، بل يفكر كل فرد منهم على هواه، ويتصرف كيفما يحلو له، وهذا هو بالضبط مصداق المثل الذي يقول: إذا كثر الأطباء حول مريض ما، فإن الأمل بتحسنه وشفاءه سوف ينعدم تماماً».
في النهاية فإن محور المقاومة رغم كل الضغوط التي يمر بها، ورغم الهجمة الإعلامية الشرسة من قبل الإعلام الأمريكي المضلل، رغم ذلك هو لا يزال بقوته، وفي أحسن أحواله، ويحقق الانتصارات في مختلف المحاور «اليمن، لبنان، العراق، سوريا، فلسطين».
فإذا كان التمثيل السياسي للمقاومة في العراق ضعيفاً في السابق، فاليوم هو أقوى، وإذا كان لا وجود للتمثيل السياسي للمقاومة في لبنان، فاليوم المقاومة حاضرة في الحكومة، وإذا كانت سيطرة النظام السوري على مناطق تساوي 50% أو أقل، فإنه اليوم يسيطر على 70% ووضعه مستقر، وها هي اليمن تضرب السعودية في عقر دارها، موجهة أوجع الضربات لها، مما جعلها تولول وتشتكي، وما ذلك إلا قليل من كثير.
في المقابل: فإن أمريكا تتراجع ويقل نفوذها، فها هي تنسحب من سوريا، أفغانستان والعراق، وعلى النقيض فإن الدب الروسي يدخل على الخط، فها هو الجيش الروسي ينشأ له قواعد في المنطقة، بل وصل وجود روسيا العسكري لجوار أمريكا -اقصد جمهورية فنزويلا-.
على كل حال فإن الأمور على نهايتها، فأمريكا قد استعملت آخر أوراقها وخروج إيران سالمة سيعني نهاية القصة، وهذا التوتر الحالي القائم بين أمريكا وإيران سيرسم مستقبل كثير من الأمور.
وبعد الانتصار .. سنرى الناس مرة أخرى ترفع اسم هذا الخط وتنسب نفسها له، وترفع شعاراته ..
<إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا>.