مواضيع

خطاب للسياسيين في البلاد

من كتاب نشيد الشهادة للأستاذ محمد سرحان

نص الوصية

أعزّائي، مهما تنافستم وتجادلتم، فلتعلموا أنّه عندما تؤدّي تصرّفاتكم وتصريحاتكم أو مناظراتكم إلى إضعاف الدين والثورة بنحو من الأنحاء، فسوف تكونون من المغضوب عليهم من قبل نبيّ الإسلام العظيم (ص) وشهداء هذا النهج؛ ميزوا الحدود ولا تخلطوها. إذا كنتم ترغبون في أن تكونوا مع بعضكم، فشرط ذلك هو الاتفاق حول المبادئ والتصريح الواضح بها. المبادئ ليست طويلة وتفصيليّة. المبادئ عبارة عن بضعة أصول هامّة:
أ. أوّل هذه الأصول هو الاعتقاد العمليّ بولاية الفقيه؛ أي أن تنصتوا إلى نصائحه، وتطبّقوا من أعماق القلب توصياته وملاحظاته بوصفه طبيبًا حقيقيًّا من الناحيتين الشرعيّة والعلميّة. إنّ الشّرط الأساسي لكلّ من يسعى في الجمهوريّة الإسلاميّة لاستلام مسؤوليّة معيّنة أن يكون لديه اعتقاد حقيقي وعمليّ بولاية الفقيه. أنا لا أقول بالولاية التنوّريّة ولا بالولاية القانونيّة؛ فلا تحلّ أيّ من هاتين مشكلة الوحدة؛ الولاية القانونيّة خاصّة بعامّة النّاس من مسلمين وغير مسلمين، إلّا أنّ الولاية العمليّة خاصّة بالمسؤولين الذين يريدون حمل أعباء البلد الجسيمة على عاتقهم، خصوصًا وأنه بلدٌ إسلاميّ قدّم كلّ هؤلاء الشهداء.
ب. الاعتقاد الحقيقي بالجمهوريّة الإسلامي وركيزتها الأساسية من أخلاق وقيم وصولًا إلى المسؤوليّات؛ سواء المسؤوليّة قبال الشعب أو قبال الإسلام.
ج. توظيف أفراد أنقياء وأصحاب عقيدة يخدمون الشعب، لا أولئك الذين إنْ استلموا مكتبًا في إحدى القرى يجدّدون ذكريات الإقطاعيّين السابقين.
د. فليجعلوا التصدّي للفساد والابتعاد عن الفساد والبهارج مسلكًا ومنهجًا لهم.
هـ. أن يعتبروا احترام النّاس وخدمتهم خلال فترة حكمهم وتولّيهم لأيّ مسؤوليّة نوعًا من أنواع العبادة وأن يعتبروا أنفسهم خدمًا حقيقيين، ومطوّرين للقيم، لا أن يطمسوا القيم بحجج واهية.

المسؤولون آباء المجتمع وعليهم أن يعتنوا بمسؤولياتهم فيما يخصّ تربية المجتمع والسهر عليه، لا أن يقوموا بسبب عدم اكتراثهم ولأجل بعض العواطف واستقطاب بعض الأصوات العاطفيّة العابرة بدعم أخلاق تروّج للطلاق والفساد في المجتمع وينتج عنها انهيار العوائل. الحكومات هي العامل الرئيس في تماسك العائلة وتشكّل من ناحية أخرى عاملًا هامًّا من عوامل تلاشيها. عندما يتمّ العمل بالمبادئ، فسوف يكون الجميع حينها على خطى القائد والثورة والجمهوريّة الإسلاميّة وسوف تنتج عن ذلك منافسة سليمة ترتكز على هذه المبادئ من أجل اختيار الأصلح.

توجيه البوصلة

كما هو معروف هنالك اتجاهان سياسيان للذين خرجوا من رحم الثورة الإسلامية، كل طرف يحمل رؤى وأطروحات تحمل تفسيراته للنهج السليم الذي تدار به البلاد مما خلق حالة من التقاطع في الأفكار أدى إلى المنافسة بين ما يسمون بالإصلاحيين والمحافظين، واستمرار هذا الاختلاف يشير له هنا الشهيد الحاج أنه لا بأس به إذا كان ينسجم مع المبادئ والأصول التي ترتكز عليها الجمهورية، وأما إذا كانت هذه المنافسة تؤدي إلى إضعافها الذي هو إضعاف للدين والثورة فهذا غير مقبول، وهو موضع سخط نبي الإسلام (ص) والشهداء الأبرار الذين ضحوا في هذا السبيل.
تدل المنافسة في المسائل المفصلية المتعلقة بإدارة البلاد واضحة، مثلًا: الثابت هو خدمة الناس، وهذا يجب أن لا يختلف فيه اثنان، ويكون الاختلاف ربما في الكيفية، وهذا ما نقصده إذا كانت المسائل مفصلية، إذًا يؤكد الشهيد وهو باحثٌ جيد في الشأن الداخل بأنه يجب على المسؤولين في كلا الاتجاهين أن يميّزوا الحدود ولا يخلطوها، والشرط الذي يجعلكم أن تتقدموا خطوة معها إلى الأمام هو الالتفاف على الثوابت والمبادئ والتصريح بذلك علانية والاعتقاد بها في السرائر، وهي كالتالي:

أ. الاعتقاد العملي بولاية الفقيه
إن ولاية الفقيه متفرعة عن ولاية الإمام المعصوم، ولا يكفي الاعتقاد النظري بها، بأن أعتقد بهذه الولاية وبمرتكزها الفقهي والعقائدي، بل لابد أن ينتقل الاعتقاد القلبي إلى ممارسةٍ عملية في الخارج، ومظهر الولاية الحقيقي هو الطاعة والتسليم والامتثال لولي الأمر، فما الفائدة أن نقر أن الأئمة هم سادة العباد وأركان البلاد وقادة الأمم وأولياء النعم، ولكن سلوكنا العملي سواء الأخلاقي أو العبادي أو غيره لا يحمل هوية ما أمروا به ولا ترك ما نهوا عنه، ويرى الشهيد العزيز ضرورة الإنصات لنصائح السيد الولي وتطبيق توصياته وملاحظاته باعتباره المعالج الحقيقي الذي يقدم العلاج المناسب والحكيم لكل القضايا، وأن يكون امتثالهم صادرًا من أعماق القلب والتسليم المطلق له، وليس امتثالًا نابعًا فقط من القوة القانونية لمنصبه، الولاية القانونية يمكن تطبيقها والامتثال لها من عامة الناس، وحتى من لا يؤمن بالولاية المطلقة للفقيه سواءً من المسلمين وغير المسلمين ستفرض عليه الولاية القانونية التزام الأمور، فعلى الأقل التزم بالولاية القانونية باعتبارها منصب في الدستور يكتسب قوة القانون، ولكن الأمر بالنسبة إلى المسؤولين يحتاج إلى اعتقاد عملي لديهم والتسليم للولي القائد؛ لأن أعباء البلاد الجسيمة ستكون على عاتقه، وهذا يحتاج إلى نماذج خاصة من المؤمنين بالولاية.

ب. الاعتقاد الحقيقي بالجمهوريّة الإسلامية ومرتكزاتها القيمية والأخلاقية
من الأصول الثابتة التي يجب أن يؤمن بها المسؤولون هي الجمهورية الإسلامية، فإذا كان هذا المسؤول يحمل فكرًا خاصًا به يخالف قيام النظام الإسلامي، ولكنه يتعامل مع الوضع بأنه أمر واقع فانخرط في سلك العمل السياسي ضمن الجهات العاملة، فهو لا يؤمن أساسًا بالنظام الإسلامي فهذا أمرٌ خطير؛ لأن من يؤمن ويعتقد بالنظام هو الذي سيضحي ويبذل له، ولم يبحث عن وجاهة أو امتيازات، وفي الأزمات ستكون الاستقامة والثبات منهجه وسلوكه العملي، ويضحي في خدمة وبقاء هذا النظام الإسلامي إذا كان هذا المبدئ أساسًا لاستمراره وديمومته.

ج. نظافة المسؤولين ونقاء ذمتهم
ضرورة تولي المسؤولية في كل مفاصل النظام الإسلامي من قبل أشخاص يتميزون بالتقوى وصفاء الذمة المالية والإخلاص في العمل، وتوظيف أشخاص لديهم نقص أخلاقي ولا يراعون التقوى في عملهم يفسد الوضع في مؤسسات النظام، وفي المقابل استلام زمام الأمور في النظام الإسلامي من قبل الأتقياء يزكي العمل ويصبح موضع رضى الله والمولى صاحب العصر وزمان، وتشملهم العناية والتوفيق، وتبرز ثمار التقوى لمصلحة البلاد والعباد.

د. جعل التصدي للفساد منهجًا
من المبادئ التي تعتبر مرتكزًا للنظام الإسلامي والتي يجب أن يؤمن بها كل المسؤولين هي محاربة الفساد، والتصدي له بكل حزم وقوة، وفي كل موقعٍ، فسبحانه وتعالى اختص العدول وأهل التقوى لحمل الأمانة، فأما أهل الفساد والباطل ليس من حقهم أن يحملوا تلك الأمانة والعهد الإلهي، <لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ>.

هـ. اعتبار احترام الشعب وخدمته مسؤولية وعبادة
من مبادئ تحمل مسؤولية النظام الإسلامي كما أكد على ذلك المؤسس المعظم السيد الإمام هو ضرورة أن يكون المسؤولون خدّامًا للشعب، وإن من أعظم القربات إلى الله هي خدمة الشعب وقضاء حوائج المؤمنين، وأن المواقع والمناصب في النظام الاسلامي ليست شرفية، وإنما هي مواقع تكليف وعمل وخدمة وابتلاء وموقع تمحيص لإخلاص وكفاءة الأشخاص.
هذا ما ذكرناه يعتبر من أسس ومبادئ النظام الإسلامي، وأن من يريد أن يتولى منصبًا ويعمل ضمن النظام ويكون في موقع المسؤولية يجب أن يؤمن بهذه المبادئ، ويلتزم بها وتبقى الاختلافات في المسائل الأخرى داخل النظام موضع تنافس بين الرؤى المختلفة ولا بأس به إذا كان لا يتعدى المبادئ.

المصدر
كتاب نشيد الشهادة - شرح وصية الشهيد القائد قاسم سليماني

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟