مواضيع

اطمئنان موسى (ع)

<قَالَ بَلْ أَلْقُوا ۖ فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَىٰ>

فقال لهم موسى الكليم (عليه السلام) من غير تردد أو اضطراب أو قلق: <بَلْ أَلْقُوا>[1] أي: أخلى لهم الظرف وأعطاهم الفرصة الذهبية بالبدء، وهي بدون شك تعمل لصالحهم في المبارزة وكسب رأي المشاهدين؛ لأن الذي يبدأ يملأ الكأس ويكسب الرأي ويوجهه لصالحه، والذي يأتي لاحقاً، عليه أن يحدث تغييراً في الرأي والتوجه الذي خلقته الفرصة الأولى ويهدم بنياناً قائماً، مما يتطلب جهداً إضافياً مصحوباً بالمخاطر والصعاب، وكان ذلك الموقف من موسى الكليم (عليه السلام) مقابلة لأدبهم معه بالحسنى وأدب مثله، وجوداً عليهم بما مالوا إليه وبما هو في مصلحتم من البدء بإلقاء ما عندهم، وإخلاء الظرف لهم ليبرزوا كل ما لديهم من المهارة والفن والكيد ويأتوا بأقصى ما في وسعهم من الأسباب، ليأتي الحق بعدهم فيبطل بكل ما جاءوا به فلا تكون لهم حجة ولا عذر، ولتكون معجزته وسلطان الله (عز وجل) فيها أظهر، وإظهاراً منه لعدم المبارزة والاحتفال بكيدهم وبسحرهم، معتمداً على ربه، وواثقاً بما جاء به من عنده، ومطمئناً إلى وعده إياه بالنصر والغلبة على عدوه وأنه معهما يسمع ويرى فلا يصلون إليه أو إلى أخيه ووزيره هارون (عليه السلام) بسوء.

فاستجاب السحرة إلى ما أمرهم به موسى الكليم (عليه السلام) فألقوا كل ما كان في أيديهم في وسط ساحة المبارزة دفعة واحدة، واستخدموا كل ما أعدوه للمبارزة من أسباب ووسائل ومكائد يكيدون بها الحق ويبطلونه ويغلبون به موسى الكليم (عليه السلام) ويقهرونه، فإذا حبالهم وعصيهم وكانت ألوفاً تظهر فجأة وبدون مهلة تذكر من سحرهم البليغ، في خيال موسى الكليم (عليه السلام) وغيره من الناظرين الحاضرين في المشهد كأنها قد ولجتها الروح وأصبحت حيات وثعابين حقيقية كبيرة وصغيرة ومختلفة الأشكال والأنواع، تمشي بسرعة، أمثال ما كان يظهر من عصا موسى الكليم (عليه السلام) وإن كانت في الحقيقة والواقع لا تزال حبالاً وعصياً مما جعل المشهد عظيماً ومخيفاً للغاية، قول الله تعالى: <فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ>[2] فتعالت صرخات التأييد والفرح والسرور من فرعون وملئه، وتعالت صرخات الخوف والفزع من الجماهير وتراجعوا إلى الخلف، مما يدل على شدة براعة السحرة ومهارتهم وتمكنهم من فنون السحر وأسراره، وقد أظهر الله (عز وجل) الأمر في خيال موسى الكليم (عليه السلام) كما أظهره في خيال غيره ليدرك عظمة الموقف وخطورته وعظيم النعمة الإلهية عليه، وذلك يثبت: أن حركة الحبال والعصي كانت حركة حقيقية فعلية، ولكنها حركة صناعية مادية بحتة، فيزيائية وكيمائية ورياضية، وليست حركة حيوية وبإرادة حرة كما هي عند الحيات والثعابين الحقيقية.

وقيل: إن السحرة استخدموا مواداً كيميائية كالزئبق وغيره، تتأثر وتمتد بأشعة الشمس، وتتولد عنها حركات سريعة ومختلفة في الحبال والعصي تشبه في ظاهرها حركات الحيات والثعابين الحقيقية، حيث كانت الحضارة الفرعونية متقدمة جداً في علوم الكيمياء والرياضيات والهندسة وغيرها، التي كان من نتاجها في الحضارة الفرعونية: تحنيط الجثث وبناء الأهرامات، كما يثبت براعة السحرة ومهارتهم الفائقة وشدة تمكنهم من فنون السحر وأسراره وخفاياه، وعميق تأثيرهم على خيال وعقول المشاهدين.


المصادر والمراجع

  • [1]. طه: 66
  • [2]. الأعراف: 116
المصدر
كتاب اللامنطق في الفكر والسلوك - الجزء الثاني | أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسين

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟