التفكر في الآيات الإلهية
<الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّن نَّبَاتٍ شَتَّى>
ثم أشار موسى الكليم (عليه السلام) إلى نعمة إضافية امتن بها على عباده، فقال: <كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّأُولِي النُّهَىٰ>[1]، أي: إن الله تبارك وتعالى قد امتن عليكم بأن جعل لكم صنوف النبات الصالح لإطعامكم وإطعام أنعامكم التي سخرها الله تبارك وتعالى لكم التي تمثل جزءً من ثروتكم، ومصدراً لقيام جوانب عديدة رئيسية في الحياة، مثل: النقل والغذاء وصناعة الأغذية والملابس والخيام ونحوها، وأقيموا بهذه المصادر والثروات ومقومات الحياة التي هيّأها الله تبارك وتعالى المجتمعات والدول والحضارات العريقة الواسعة، وكلها بفضل الله تبارك وتعالى عليكم وحسن تدبيره لشؤونكم، وليس من فضل أو نعم غيره أو تدبيره، فالله وحده الغني بالذات والقادر على كل شيء، والمنعم على الاطلاق، وكل من سواه مخلوق له مثلكم، ومفتقر إليه في وجوده وصفاته وأفعاله، وخاضع لإرادته ومشيئته وتدبيره، فهو وحده سبحانه وتعالى الإله الحق والرب بصدق، الجدير بالطاعة والعبادة، ولا إله ولا رب يستحق الطاعة والعبادة والحمد والثناء غيره، فكل هذه الظواهر وجوانب التدبير، آيات بينات ظاهرة الحجة، لكل ذي عقل وبصيرة ومنطق سليم، الذين يبحثون عن السنن والحقائق ويعملون بمقتضاها مجردين عن الأهواء الشيطانية والأغراض الدنيوية الدنيئة والشهوات الحيوانية، فالواجب عليكم: بحكم العقل الذي يقود إلى الحق والمحاسن وينهى عن الباطل والمساوئ والقبائح، وبحكم المنطق السليم والاستدلال الرزين المحكم، أن تطيعوه وحده لا شريك له، وتشكروا له نعمه العظيمة المتتابعة عليكم، وإحسانه إليكم، وسعة رحمته بكم، وتمام وحسن تدبيره لشؤونكم وأحوالكم، يقول عبد الرحمن السعدي: «وخص الله أولي النهى بذلك، لأنهم المنتفعون بها، الناظرون إليها نظر اعتبار, وأما من عداهم، فإنهم بمنزلة البهائم السارحة، والأنعام السائمة، لا ينظرون إليها نظر اعتبار، ولا تنفذ بصائرهم إلى المقصود منها، بل حظهم حظ البهائم، يأكلون ويشربون، وقلوبهم لاهية»[2].
تعليق واحد