مواضيع

التطمين الإلهي لموسى (ع) وهارون (ع)

<قَالَ لَا تَخَافَا ۖ إِننِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَىٰ>

بعد أن سمع الله سبحانه وتعالى مخاوف موسى الكليم وهارون (عليهما السلام) وهو العالم بما في نفسيهما، طمأنهما رب العزة والجلال وسكن خوفهما وقلقهما، فقال: <لَا تَخَافَا ۖ إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَىٰ>[1]، ففي هذا القول تأكيد على الحضور المطلق التام للحق سبحانه وتعالى في المشهد وساحة المواجهة، والمراقبة والمتابعة التامة المباشرة، وليس الاعتماد على التقارير التي ترده فقط، والتدخل فوراً عند الحاجة، وتقديم الدعم والمساندة المطلوبة أو اللازمة، وهذا يعني:

بخصوص التخوف الأول، قولهما: <إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا>[2] أنهما بحفظه ورعايته لهما، وأنه سيدافع عنهما وسيدفع شر فرعون الطاغية عنهما، ويضمن حمايتهما وسلامتهما من بطشه وغدره وغوائله، فلا يصل إليهما بسوء أو شر، وأنه ينصرهما عليه ولا يخذلهما أبداً، فليس من شأنه سبحانه وتعالى أن يخذل رسله وعباده المؤمنين المخلصين، قول الله تعالى: <إِنا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ>[3]، ويضمن لهما أن يتمكنا بإذنه وتوفيقه وتأييده من إيصال الرسالة الإلهية إلى فرعون الطاغية وملئه المستكبرين وقومه الفاسقين تامة واضحة صريحة كاملة، بدون نقص أو لبس أو تشويش أو غموض، وهذه ضرورة عقائدية رئيسية في نظام الخلق والتدبير والهداية، محكومة بقاعدة اللطف الإلهي، فهو الرفيق بعباده الذي يوصل إليهم ما ينتفعون به في الدارين الدنيا والآخرة، ويهيئ لهم ما يتسببون به إلى المصالح العامة والخاصة من حيث يعلمون ومن حيث لا يعلمون، ومنه أن يضمن وصول الرسالة الإلهية إليهم بشكل تام وواضح وكامل في دورتها الرسالية أو في المدى الزمني المقدر لها، ويضمن قيام الحجة والدليل النير الساطع على صدق الرسول أو الوصي وصحة الرسالة.

بخصوص التخوف الثاني، قولهما: <أَوْ أَن يَطْغَى>[4]، التأكيد على أن التكليف الإلهي الواجب عليهما هو الصدق والإخلاص وبذل الوسع والطاقة في إيصال الرسالة وإقامة الحجة، وليس من مسؤوليتهما أو تكليفهما أن يستجيب فرعون لهما، فاستجابته أو عدم استجابته خارجتان عن التكليف وعن مسؤوليتهما، قول الله تعالى: <وَإِنْ تَوَلوْا فَإِنمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ>[5]، وقول الله تعالى: <فَإِنمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ>[6]، فأمر الاستجابة أو عدم الاستجابة بيد الله سبحانه وتعالى وحده، وهو الكفيل بها والمحاسب عليها، وهو حاضر بذاته سبحانه وتعالى حضوراً تاماً مطلقاً، وهو يسمع ويرى ما يدور بينهما وبين فرعون وملئه من الأقوال والأفعال بشكل تام وواضح، وليس بغافل أو يفوته شيء من ذلك، وهو يعلم حقائق الأمور ويعلم حقيقة ما عليه أحوالهما وأحوال فرعون وملئه، فلا تخفى عليه خافية وهو اللطيف الخبير، وهو يعلم السر وأخفى، ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، أي: يعلم ما هو داخل النفوس وما هو خارجها.

وعليه: فعليهما مع هذه الضمانات الربانية الأكيدة أن يطمئنا بشكل تام ومطلق ولا يقلقا ولا يخافا فالله (عز وجل) قادر على كل شيء وهو نعم المولى ونعم النصير.

ومما سبق نخلص إلى النتائج المهمة التالية:

أ.   إنه ينبغي على الدعاة والعاملين المجاهدين في سبيل الله (عز وجل) أن يبينوا بشكل تام وواضح للقيادة ما يحتاجونه وما يلزمهم لنجاح المهام التي يكلفون بها، وهذا شرط مهم من شروط النجاح في العمل وتحقيق التقدم فيه.

ب. يجب على القيادة أن تلبي احتياجاتهم وتوفير ما يلزمهم لنجاح المهام التي يكلفون بها، وإلا أصبح التكليف غير مناسب وغير منطقي وتكليف بما لا يطاق.

فالتكليف بالمهام يكون منطقياً وسليماً وبما يطاق بمقدار ما يتم توفيره من الإمكانيات اللازمة ومراعاة الشروط ومختلف الظروف، بالإضافة إلى عزائم الرجال وصدق إيمانهم وإخلاص نيتهم واستعدادهم للبذل والتضحية والفداء والعطاء، قول الله تعالى: <وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطائِفَتَيْنِ أَنهَا لَكُمْ وَتَوَدونَ أَن غَيْرَ ذَاتِ الشوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللهُ أَنْ يُحِق الحق بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ 7 لِيُحِق الحق وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ 8 إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَني مُمِدكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ 9 وَمَا جَعَلَهُ اللهُ إِلا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِن بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النصْرُ إِلا مِنْ عِنْدِ اللهِ إِن اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ 10 إِذْ يُغَشيكُمُ النعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السمَاءِ مَاءً لِيُطَهرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبتَ بِهِ الْأَقْدَامَ 11 إِذْ يُوحِي رَبكَ إلى الْمَلَائِكَةِ أَني مَعَكُمْ فَثَبتُوا الذِينَ آَمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الذِينَ كَفَرُوا الرعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُل بَنَانٍ 12 ذَلِكَ بِأَنهُمْ شَاقوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِن اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ 13 ذَلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَن لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النارِ>[7].

ج. يجب على الدعاة والمجاهدين في سبيل الله (عز وجل) الصبر والثبات والتحمل والصمود أمام طغيان وجبروت الطواغيت والفراعنة والحكام المستبدين والمترفين المستغلين، وأن لا يهنوا ولا يضعفوا ولا يخضعوا لإرادتهم الشيطانية الضالة عن جادة الحق والعدل والخير والفضيلة والرشد والصلاح والصواب، ولا يتأثروا بأراجيف الانتهازيين المبطلين والنفعيين المتسلقين ونحوهم، وأن يتوكلوا على الله (عز وجل) ويستعينوا به ويثقوا بوعده لهم بالنصر على الأعداء إن هم وفوا بالشروط في عالم الدنيا، وبالجزاء الإلهي بالنعيم المقيم في الدرجات العليا في جنات الخلد وبالرضوان الإلهي في عالم الآخرة.

د.   إن دور القيادة ومكانتها وطاعتها إنما تتعزز وترسخ بحسب ما في يديها من القدرات والامتيازات المادية والبشرية والمعنوية، وبمقدار ما تتمتع به من الصدق والإخلاص والوفاء، وبمقدار ما تعطي وتبذل وتقدم من نفسها مما تحب، وبمقدار ما لها من الحضور والمراقبة والمحاسبة، ومما لها من الرحمة والرفق والشفقة والتضامن والتكافل مع الأتباع والمواساة لهم في المحن والشدائد ومشاركتهم في الأفراح والأحزان، والوقوف إلى صفهم وعدم التخلي عنهم في أوقات المحن والمصائب والشدائد ونحو ذلك.


المصادر والمراجع

  • [1]. طه: 46
  • [2]. طه: 45
  • [3]. غافر: 51
  • [4]. طه: 45
  • [5]. آل عمران: 20
  • [6]. الرعد: 40
  • [7]. الأنفال: 7-14
المصدر
كتاب اللامنطق في الفكر والسلوك - الجزء الثاني | أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسين

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟