مواضيع

علة الرسالة الإلهية لفرعون

<اذْهَبَا إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنهُ طَغَىٰ>

ثم بين الله   (جل جلاله) لموسى الكليم وهارون (عليهما السلام) العلة وراء إرسالهما إلى فرعون، قوله تعالى: <اذْهَبَا إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنهُ طَغَىٰ>[1]، أي: إن فرعون بغى وطغى وتعالى وتكبر وتجبر على الناس، وادعّى كذباً وزوراً وبغير حق ولا دليل ولا برهان الألوهية والربوبية، وكفر بالله رب العالمين سبحانه وتعالى، وتجاوز الحد في كفره وضلاله وطغيانه وعدوانه وتمرده على الله (عز وجل) وعلى الحق والعدل والخير والفضيلة، ومال إلى الشيطان الرجيم وإلى الباطل والظلم والشر والرذيلة وتخلق بأخلاق الشيطان وعمل مثل أعماله، وأسرف في الظلم والبطش والعناد والإضلال والإفساد في الأرض بغير الحق ونحو ذلك، وكان السبب وراء كل شقاء وتعاسة تصيب أبناء الأمة على صعيد الأمن والسياسة والاقتصاد والمعيشة ونحوها، وما لم يتم إصلاحه وإعادته إلى رشده وصوابه، فلن تكون هناك فرصة حقيقية للإصلاح واجتثاث الفساد وإسعاد الأمة وتحسين أوضاعها الأمنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها؛ لأن عنوان تقدم الأمة وتخلفها، سعادتها أو شقائها، رخائها أو بؤسها، هم حكامها وقادتها ونظام حكمها وأسلوب إدارتها وتدبر شؤونها، وعليه: يجب أن يكون نظام الحكم والدستور والحكام والقادة، قبل أي شيء آخر، هدف كل حركة إصلاحية أو ثورية جادة، ولهذا وجب عليكما أن تقصدا فرعون بالذات وتستهدفانه مع ملئه قبل غيرهم.

وهنا تنبغي الإشارة إلى ضرورة التمييز بين ثلاث حالات رئيسية، وهي:

أ.   من يكفر بالله سبحانه وتعالى ويضل عن الدين الإلهي الحق لقناعة حصلت له بسبب شبهات عرضت له أو منطق أو منهج خاطئ، أو تقليد للآباء والأجداد أو نحو ذلك، لكنه لا يتعمد الإضلال للآخرين ولا يسعى إليه، ولا يمارس الظلم والفساد والإفساد في الأرض بغير الحق، فهذا يُحاوَر ويُنصَح ويُدعى إلى الحق والتوحيد بالتي هي أحسن، ويؤمر بالمعروف وينهى عن المنكر، فإن استجاب وإلا ترك لخيار نفسه.

ب. من يكفر بسبب العناد والتكبر على الحق وأهله، ويدعو إلى الكفر والضلال، ويمارس الفساد والإفساد في الأرض بغير الحق، ويحارب أهل الحق ويعارضهم ويناهضهم بكل وسيلة، بالقول والفعل، ولا يترك وسيلة ممكنة أو متاحة إلى ذلك إلا أخذ بها، فهذا لا يترك وشأنه، وإنما يدافع ويجابه بالأساليب الحضارية والوسائل المشروعة الرادعة لدفع فساده، قول الله تعالى: <وَلَوْلَا دَفْعُ اللهِ الناسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأرض وَلَٰكِن اللهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِين>[2]، أي: لولا دفع الله سبحانه وتعالى الناس الفاسدين الذين يباشرون الشرور والفساد والطغيان والعدوان والأعمال السيئة بأناس آخرين صالحين يكفونهم عن أعمالهم الشريرة وفسادهم، ويمنعونهم بالجهاد في سبيل الله (عز وجل) والحق، وبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لتغلب المفسدون وكثروا واشتدت قوتهم وقويت شوكتهم وعمت شرورهم الأرض بأسرها، وبطلت منافع الحياة، وتعطلت المصالح الحقيقية للناس، ونزلت السخطة فاستؤصل أهل الأرض ولكن الله سبحانه وتعالى ذو فضل عظيم على الناس في دينهم وديناهم بتشريعه للجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ للتصدي للفساد والمفسدين لئلا يعم الفساد الأرض ويستأصل أهلها، ومنتهى المسيرة التاريخية التكاملية للإنسان بظهور الدين الإلهي الحق، ويعم الحق والعدل والخير والصلاح والفضيلة الأرض كلها ويسعد الناس جميعاً بنعمة الله تبارك وتعالى عليهم.

ج. من يكفر بسبب العناد والاستكبار على الحق وأهله، وهو يشغل مناصب قيادية في الدولة والمجتمع، ويوظف سلطته وإمكانياته المادية والبشرية والمعنوية في الدعوة إلى الكفر والضلال والظلم والطغيان والعدوان والإفساد في الأرض ومحاربة الأولياء الصالحين والمصلحين وأهل الحق والمطالبين بالحقوق، مثل: الطواغيت والفراعنة والحكام المستبدين والمترفين الفاسدين ونحوهم فهؤلاء يجب أن يقصدهم الدعاة والمصلحون والثوار، ويستهدفوهم بشكل مباشر، ولا يتركوهم وشأنهم لما يمثلونه من خطر جدي على الإنسانية جمعاء ومسيرتها التاريخية التكاملية.

وقد ثبت بالتجربة التاريخية والمعاصرة: أن تقدم الأمة وازدهارها أو تخلفها وانحطاطها الفكري والروحي والتربوي والحضاري، يتوقف إلى حد كبير وفي المقام الأول على قادتها وحكامها وزعمائها، وفي الحديث الشريف: «الناس على دين ملوكهم»، وفي الحديث عن أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب (عليه السلام) أنه قال: «إنمّا الناس مع الملوك والدنيا، إلا من عصم الله»[3].

وعليه: ينبغي على الدعاة والمصلحين والثوار أن يستهدفوا هؤلاء ويقصدوهم بشكل مباشر ولا يتركوهم وشأنهم إذا كانوا جادين في حركتهم الثورية والإصلاحية بحق وحقيقة وما لم يفعلوا، فلن يكون هناك إصلاح حقيقي أو تغير جذري.


المصادر والمراجع

  • [1]. طه: 43
  • [2]. البقرة: 251
  • [3]. نهج البلاغة، خطبة 210
المصدر
كتاب اللامنطق في الفكر والسلوك - الجزء الثاني | أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسين

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟