مواضيع

توبة فرعون في الوقت الضائع

<قَالَ آمَنْتُ أَنهُ لا إِلَهَ إِلا الذِی آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِیلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِین>

لما أصبح فرعون كالقشة التافهة تتقاذفه الأمواج الهائجة وتلهو به، وأشرف المجرم على الغرق، وأيقن من الموت والهلاك مع جميع جنوده وحزبه المجرمين، قال: <آمَنتُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ>[1]، أي: آمنت بالله سبحانه وتعالى الذي هو الإله الحق الذي لا إله غيره في الوجود، وهو الإله الذي دعا موسى الكليم (عليه السلام) إلى توحيده ووصفه برب العالمين، وآمن به بنو إسرائيل ووحدوه ونفوا الألوهية والربوبية عن كل أحد سواه، وإني راجع وتائب عن دعوى الألوهية والربوبية، وعن الاستعلاء على الناس والاستكبار على الحق وأهله، وأنا من المسلمين المستسلمين المنقادين إلى أمر الله سبحانه وتعالى ونهيه، والمتبعين لدينه الحق الذي بشر به موسى الكليم (عليه السلام)، وموافق لكل ما جاء من عنده وخاضع لإرادته ومنقاد لها، ومنفذ لكل ما طلبه ويطلبه مني موسى الكليم (عليه السلام)، مثل: إطلاق سراح بني إسرائيل من العبودية، ورفع اليد عن رقابهم، والمساواة بينهم وبين الأقباط في الحقوق والواجبات وأمام القضاء على أساس المواطنة، والسماح لهم بالإقامة والسفر والهجرة إلى الأرض المقدسة فلسطين متى شاؤوا ذلك، ونحو ذلك من المطالب الواقعية المشروعة بحسب العقل والمنطق والمبادئ والقيم وحقوق الإنسان، التي يطالب بها بنو إسرائيل.

أي قال فرعون: إني مؤمن بعقلي وقلبي ومطيع بجميع جوارحي في جميع سلوكي وتصرفاتي وعلاقاتي ومواقفي وراجع عن العناد والاستعلاء والإستكبار والإصرار على الكفر والضلال والمعصية، حيث زالت عن قلبه حجب الغرور بالسلطة والقوة والثروة التي أصبح مجرداً منها بالكامل وأصبح لا حول له ولا قوة، وسطع نور الفطرة وضيائها في قلبه، بعد أن رأى بأن جميع تنبؤات موسى الكليم (عليه السلام) قد تحققت، وأيقن صدقه وصحة رسالته، وشاهد قدرة رب العالمين وقوته، وأدرك عجزه وضعفه أمام عظيم قدرته وجبروته، وعدم قدرته على المواجهة، وأدراك بيقين الشهود أن لا شيء ينفعه، لا الملك والسلطة، ولا الجنود والحراس، ولا الأبهة والثروة، ولا شيء من نحو ذلك، فلا أحد ولا شيء قادر على اِنجائه وتلخيصه من الهلاك والورطة الوجودية التي وقع فيها والمأزق الصعب الذي هو فيه، إلا رب العالمين الذي أنجى بني إسرائيل.

فقد اضطر إلى إظهار الإيمان على أمل أن ينجو من الغرق المحتوم كما نجا بنو إسرائيل، إذ يكون حاله مثل حالهم فينجو كما نجوا، بمعنى أن لسان حاله كان يقول: إني آمنت كإيمان بني إسرائيل، فاكتب لي النجاة والخلاص كما كتبتهما لهم.

 وقد جاء إيمانه مجملاً لضيق الوقت عن التفصيل، ولعدم معرفته بالتفاصيل، فقد كان يسمع من موسى الكليم (عليه السلام) دعوته؛ لأن يكون مسلماً، فنطق بما كان يسمعه ولم يعرف تفاصيله ولم يهتدِ إليه، وجعل نفسه في زمرة الذين يحق لهم أو ينطبق عليهم الوصف، وألزم نفسه ما التزموه من حيث المبدأ.

 وقيل: إن فرعون رغم ضيق الوقت وحراجة الموقف، فقد أظهر إيمانه وكرره ثلاث مرات متتالية، في قوله: <آمَنتُ>[2]، وقوله: <لَا إِلَٰهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ>[3]، وقوله: <وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ>[4]، وقد أراد بذلك إزالة الإصرار على الشرك والضلال والمعصية والاستكبار على الحق وأهله، وتأكيد الحرص منه على أن يقبل منه، إلا أنه لم يُقبل منه إيمانه وتوبته في ذلك الوقت وتلك الحال؛ لأسباب عديدة، منها:

أ.   أن إيمانه كان في الوقت الضائع عند نزول العذاب بعد أن عاين ملك الموت وآيس من النجاة وأيقن من الموت والهلاك، حيث انتهى وقت الاختبار والتكليف ودخل وقت الإلجاء والجزاء، حيث لا يقبل إيمان ولا تقبل توبة؛ لأنهما لا يكونان من اختيار وقناعة حقيقية وإخلاص، وإنما عن إلجاء وخوف من هول ما يشاهده، مما يدل على الاستغراق في عالم المادة وتصلبه في الكفر والضلال والمعصية، قول الله تعالى: <فَلَما رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنا بِاللهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنّا بِهِ مُشْرِكِينَ 84 فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَما رَأَوْا بَأْسَنَا سُنّتَ اللهِ التِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ>[5]، وقول الله تعالى: <هَلْ يَنْظُرُونَ إِلا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا ۗقُلِ انْتَظِرُوا إِنا مُنْتَظِرُونَ>[6]، وقول الله تعالى: <وَلَيْسَتِ التوْبَةُ لِلّذِينَ يَعْمَلُونَ السّيّئَاتِ حَتىٰ إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفارٌ أُولَٰئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا>[7]، وغير ذلك من الآيات البينات الشريفة المباركة.

وفي الحديث الشريف عن إبراهيم بن محمد الهمداني، قال: قلت لأبي الحسن الرضا (عليه السلام): لأي علة أغرق الله (عز وجل) فرعون وقد آمن به وأقرّ بتوحيده؟! قال: «لأنه آمن عند رؤية البأس، والإيمان عند رؤية البأس غير مقبول، وذلك حكم الله تعالى في السلف والخلف»[8].

وهذا الإيمان الاضطراري الزائف الذي لا حقيقة تعبدية له ولا إخلاص فيه، يلجأ له كل مجرم معربد في مثل هذه الحالة، وهو إيمان لا قيمة له، إذ لا حقيقة تعبدية له، ولا صدق ولا إخلاص فيه، ولا يغير شيئاً في الحالة الخبيثة لهؤلاء المجرمين السافلين، حتى أن الله تعالى  (جل جلاله) قال عنهم لفرط خبثهم وسوء طبعهم وانحرافهم عن الفطرة وتمكن المعصية والجريمة منهم: <وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ وُقِفُوا عَلَى النّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدّ وَلَا نُكَذّبَ بِآيَاتِ رَبّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ 27 بَلْ بَدَا لَهُمْ مَّا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنّهُمْ لَكَاذِبُونَ>[9]، أي: ولو تراهم حين يوقفون على نار جهنم ويحبسون بقربها معاينين لها ولما فيها من العذاب في يوم القيامة؛ لرأيت أمراً شنيعاً مهولاً ومذهلاً وغريباً في العقل والمنطق وحالاً فظيعاً؛ لرأيتهم يقولون إقراراً على أنفسهم بالفسوق ومخالفة الحق بدون حجة أو عذر: يا ليتنا نرد إلى عالم الدنيا والتكليف، فلا نكذب بآيات ربنا وبيناته، بل نصدق بها ونكون من المؤمنين.

وفي الحقيقة أنهم أظهروا – حين رأوا العذاب وأيقنوا بالهلاك وزالت الدنيا عنهم وذهبت جميع المصالح والمقاصد الباطلة – ما كانوا يخفونه من قناعة في داخل أنفسهم بصحة الدين الحق وقبح عقائدهم الباطلة وأعمالهم السيئة، وأخفوه وقالوا وعملوا بخلافه لخبث أنفسهم وسوء طبعهم وانحرافهم عن الفطرة والمنطق السليم، ولاستغراقهم في عالم الدنيا والمادة والمصالح الدنيوية والمقاصد الفاسدة وما رسم في نفوسهم من الملكات الرذيلة، وأن أنفسهم وحالتهم الروحية لم تتغير ولم تتبدل، بل هي باقية على ما كانت عليه، وليس لديهم عزم حقيقي صادق على الإسلام والإيمان، بل هي حالة سطحية غابرة يتمنون بها الخلاص من العذاب ولا ثبات لها ولا استقرار.

ولو فرضنا أنهم اُعطوا ما تمنوه، واُرجعوا إلى عالم الدنيا مرة أخرى كما طلبوا، لعادوا إلى فعل ما نهوا عنه من الكفر والضلال والمعصية؛ وذلك لعدم استعدادهم الروحي لقبول الحق والإيمان عن اختيار، لما بين خبث أنفسهم وبين الإيمان من عدم التجانس، فهم ليسوا صادقين فيما أظهروه من الإيمان، بل هم كاذبون في وعدهم بأن يكونوا مؤمنين، وهذه شهادة ربانية بحق كل من يعرف الحق ويموت على مخالفته، بأنه خبيث ولا يستحق غير العذاب والشقاء الأبدي الخالد في نار جهنم وبئس المصير والورد المورود.

وكانت العاقبة السيئة المذمومة التي أحاطت بفرعون الطاغية وحزبه وجنوده المجرمين، من تجليات الدعوة الصادقة لولي الله الناصح الأمين موسى الكليم (عليه السلام) بقوله: <رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَىٰ أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّىٰ يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ>[10].

وقيل: إن فرعون قال: <آمَنتُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِين>[11]، ولم يقل: «آمنت بالله رب العالمين»؛ لأنه بقي فيه عرق أو بقية من دعوى الألوهية.

ب. أنه ذكر تلك الكلمات الشريفة المباركة؛ ليتوسل بها إلى النجاة ويتخلص من البلية الحاضرة والمحنة الناجزة والورطة الشديدة والمأزق العظيم الذي هو فيه ولا حول ولا قوة إلا بإظهار الإيمان، ولم يكن مقصوده منها حقيقة وواقعاً الإقرار بالوحدانية والاعتراف بعزة الربوبية لرب العالمين وذلة العبودية، فلم يكن ذكر تلك الكلمات الشريفة المباركة مقروناً بالصدق والإخلاص.

يقول الشيخ محمد جواد مغنية: «وهذا هو شأن الخسيس اللئيم، يتعاظم عند النعماء، ويتصاغر عند البأساء»[12]، وذلك لما يرتسم في نفسه الخبيثة من الملكات الرذيلة، كما هو حال الفراعنة المتجبرين والحكام المستبدين بعد أن تثور عليهم الشعوب ويتمكنوا منهم.

وعليه: ينبغي على المؤمنين الأعزاء والمناضلين الشرفاء حفظهم الله تعالى، أن لا يثقوا بما يظهره المتقلبون والنفعيون الأنانيون والانتهازيون السيئون الفاسدون من حسن النوايا في أوقات الاضطرار والضيق، ويجب أن يمتحنوا حسن نواياهم في أوقات الاختيار والسعة، وعدم الاكتفاء بما يظهره الأشخاص من القوة والثبات في أوقات السعة والرخاء، بل يجب امتحان ثبات الأشخاص وقوتهم في أوقات الضيق والشدة، وعدم تولية أي شخص المسؤولية والوثوق به قبل امتحانه؛ لكي لا يخسروا مكاسبهم وتضيع مطالبهم على أيدي أشخاص وثقوا بهم ولم يعرفوهم على حقيقتهم، فكثيراً ما يظهر الانتهازيون والمتسلقون القوة والثبات كذباً أوقات السعة والرخاء، ويزايدوا على المناضلين الحقيقيين الشرفاء، ويسلقونهم بألسنة حداد حتى إذا جاءت المحنة والشدة وظهرت الأخطار ولوا على أدبارهم منهزمين فارين بجلودهم من ساحة المواجهة يواجهون قدرهم ومصيرهم.

ثم إذا انقضت الشدة وذهبت المحنة وعاد الرخاء والسعة من جديد عادوا إلى تشددهم الكاذب، ومزايداتهم على المناضلين المخلصين الشرفاء ونفاقهم الخبيث، ومن المؤسف جداً أن البعض ينخدع بهم ويصدقهم وينصرف عن الشرفاء المخلصين إلى كذبهم ونفاقهم، قول الله تعالى: (قَدْ يَعْلَمُ اللهُ الْمُعَوقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُم إِلَيْنَا ۖ وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلا قَلِيلًا 18 أَشِحّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالذِي يُغْشَىٰ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولَٰئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرً>[13].

فالواجب هو اختبار أحوال المتقلبين والانتهازيين وعدم الوثوق والتصديق لما يظهرونه من حسن نوايا وصفات طيبة في أوقات السعة والرخاء، وعدم تولية أحد من الناس من المسؤوليات والمناصب العامة قبل اختبار صدقهم وصفاتهم، وذلك من أجل المحافظة على المكاسب وعدم التفريط في التضحيات، ومن يخالف ذلك يعرض نفسه للخديعة والوقيعة والضلال، ويعرض المكاسب والتضحيات للضياع وهو من السفاهة وبعيد كل البعد عن الحكمة والرشد، وأقبح منه تولية إنسان المسؤولية والوثوق به بعد أن ثبت بالتجربة فشله وعدم كفاءته؛ مجاملة له وخضوعاً للتقاليد أو لعناوين باطلة ما أنزل الله تعالى بها من سلطان.

ج. أن ذلك الإقرار من فرعون الطاغية كان مبنياً على محض التقليد الأعمى وليس المعرفة واليقين، ولهذا قال: <لَا إِلَٰهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ>[14]، ولم يقل: «آمنت بالله» ونحوه، فكأنه قال: أنه لا يعرف الله أو الإله الحق، ولكنه سمع من بني إسرائيل أن للعالم إله هو رب العالمين، وأنه يقول بقولهم ويلزم نفسه بما التزموه.

إلا أن هذا الرأي لا ينسجم مع الحال التي أقرنها فرعون بالإيمان بعد المعاينة ورؤية الحقائق كما هي عليه، ولم يقبل منه؛ لأنه إيمان إلجاء وليس إيمان اختيار.

والآية الشريفة المباركة، قوله: <وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إسرائيل الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتّىٰ إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنّهُ لَا إِلَٰهَ إِلا الذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إسرائيل وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ>[15] تتضمن مع إيجازها مجموعة حقائق رئيسية بالإضافة إلى ما سبق، منها:

أ.   أن فرعون وجنوده قد حاولوا اللحوق ببني إسرائيل، وبذلوا في سبيل ذلك أقصى غاية الجهد والطاعة والحرص، غير أنهم فشلوا بفضل الله تبارك وتعالى وغلبة إرادته ومشيئته العليا التي لا تقهر ولا تغلب، وفي ذلك فضل وكرامة لبني إسرائيل، ودرس وعبرة لكل فرعون متجبر وحاكم ظالم ومستبد.

ب. أن فرعون رغم تصلبه في الكفر والضلال وبلوغه الغاية القصوى في العناد والاستكبار، إلا أنه اضطر إلى إظهار الإيمان والإسلام، بعد أن قهرته أدلة الإيمان وشاهد الحقائق كما هي عليه، إلا أنه لم يقبل منه؛ لأنه كان في الوقت الضائع، وكان إيمان إلجاء لا إيمان اختيار، وهذه فضيلة ومنقبة للإيمان والتوحيد، ودليل على غلبة الحق على الباطل في نهاية المطاف.

ج. أن فرعون رغم حنقه وغضبه الشديد على بني إسرائيل، ورغم استضعافه وإذلاله لهم لعقود كثيرة من الزمن، إلا أنه اضطر إلى تصويبهم فيما هُدوا إليه من الدين، واعترف بفضلهم وكرامتهم وعدالة قضيتهم وشرعية مطالبهم الدينية والسياسية والحقوقية، وكانت غايته في نهاية أمره متابعتهم والاقتداء بهم والسير على نهجهم وخطاهم.

وقد انتهى الكثير من الفراعنة في التاريخ القديم والمعاصر إلى مثل هذه النتيجة حين ثارت عليهم الشعوب وألحقتهم بأسلافهم، ولكن في الأوقات الضائعة، وسوف يضطر الكثير من الفراعنة إلى نفس الأمر ويظهروا نفس النتيجة، <سُنّةَ اللهِ فِي الّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنّةِ اللهِ تَبْدِيلاً>[16]، وفي ذلك عبرة وموعظة لمن يقبل العبرة والموعظة والنصيحة.


المصادر والمراجع

  • [1]. يونس: 90
  • [2]. يونس: 90
  • [3]. نفس المصدر
  • [4]. نفس المصدر
  • [5]. غافر: 84-85
  • [6]. الأنعام: 185
  • [7]. النساء: 18
  • [8]. عيون أخبار الرضا، جزء 2، صفحة 78، حديث 7
  • [9]. الأنعام: 27-28
  • [10]. يونس: 88
  • [11]. يونس: 90
  • [12]. التفسير المبين، محمد جواد مغنية، صفحة 280
  • [13]. الأحزاب: 18-19
  • [14]. يونس: 90
  • [15]. نفس المصدر
  • [16]. الأحزاب: 62
المصدر
كتاب اللامنطق في الفكر والسلوك - الجزء الأول | أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسين

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟