مواضيع

برنامج موسى (ع) للمقاومة

<وَقَالَ مُوسَى یَا قَوْمِ إِنْ کُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ فَعَلَیْهِ تَوَکلُوا إِنْ کُنْتُمْ مُسْلِمِینَ ٨٤ فَقَالُوا عَلَى اللهِ تَوَکلْنَا رَبنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظالِمِینَ ٨٥ وَنَجِنَا بِرَحْمَتِکَ مِنَ الْقَوْمِ الْکَافِرِین>

بسبب خبث فرعون الطاغية وسوء طبعه وقبيح أخلاقه وانحرافه عن الفطرة، استجاب للتحريض المجنون وغير المتزن له من الأشراف والأعيان وكبار الموظفين والقادة المدنيين والعسكريين الواقعين تحت تأثير غرور السلطة والقوة والمنفصلين عن الواقع وغير المدركين للحقائق والسنن على موسى الكليم (عليه السلام) وقومه الإسرائيليين والمؤمنين به، وكانت الاستجابة مفرطة في الخطورة وطائشة، وغير محسوبة العواقب، ومن جملة الأخطاء التي يقع فيها الفراعنة والحكام المستبدون الظلمة في الأوقات العصيبة، حينما يتعرضون للأخطار الوجودية الداخلية والخارجية فيحتارون في مواجهتها، ولا يعرفون كيف يواجهونها ولا يهتدون إلى خير؛ بسبب صفاتهم النفسية والروحية واعتمادهم على القوة والخداع والتضليل؛ لفرض حكم الأمر الواقع بعيداً عن الإرادة الشعبية ومصالحها، فراح يتوعد الإسرائيليين بالتنكيل والمزيد من الاضطهاد والظلم والإذلال، مثل: قتل أبنائهم الذكور، واستحياء نسائهم للخدمة والمتعة الجنسية، ونحو ذلك من صنوف التنكيل والاضطهاد والظلم والإذلال، وفي ظل هذا الاستهداف الفرعوني الطائش والمحموم، والتهديدات الأمنية الوجودية شديدة الخطورة على النفس والمصير، والمصالح التي توعد بها فرعون الطاغية بني إسرائيل بهدف فتنتهم عن دينهم الحق، وإجبارهم على التراجع عن معارضة النظام الفرعوني والثورة عليه، وإعادتهم إلى حظيرة دين الدولة الرسمي وأحضان النظام والولاء التام له، حيث يقوم النظام الفرعوني على الدين الرسمي للدولة، ويشكلان ثنائياً لا يقبلان الانفصال عن بعضهما؛ لأن وجود كل منها يتوقف على وجود الآخر، ويترتب على سقوط أحدهما سقوط الآخر، وهذه حالة متكررة تجد لها مثيلات كثيرة في الأنظمة السياسية الدكتاتورية التاريخية والمعاصرة، وتتمثل فيها أبشع وأقبح صور الاستغلال للدين والمشاعر الدينية، بحيث يسخر الدين والمشاعر الدينية الجياشة، لخدمة أنظمة دكتاتورية فاسدة وحكومات مستبدة جائرة، وتبرير الظلم والفساد والتخلف والتحلل والانحطاط وإرضاء شهوات ونزوات ورغبات حكام فاسدين فجرة، أعداء الدين والإنسانية والقيم العليا والمبادئ السامية والدفاع عنهم وحمايتهم وحماية عروشهم ومصالحهم من غضب الشعوب المظلومة المستضعفة، التي تطالب بالإصلاح والحقوق الواقعية، وتتطلع إلى حياة إنسانية طيبة كريمة أفضل، تسود فيها الحرية والعدالة والتمدن والازدهار، وتحترم فيها حقوق الإنسان، أي: يسخر الدين والمشاعر الدينية النبيلة الجياشة في هذه الأنظمة الدكتاتورية الفاسدة؛ لتعزيز الأوضاع القائمة الشاذة، وترسيخها، ومنع حدوث التغيير والإصلاح في المجتمع والدولة والنظام، وهذه رذيلة وطامة كبرى يجب التنبيه إليها، وتنزيه الدين الحنيف والمشاعر الدينية النبيلة عنها.

في ظل ذلك كله قال موسى الكليم (عليه السلام) بلسان المحبة والمودة موصياً لقومه المؤمنين بالصبر والثبات والصمود والتحمل، ومن أجل توعيتهم وتبصيرهم وتهدئة خواطرهم وتسكين قلوبهم، ومبيناً لهم ما يجب عليهم أن يستعينوا به في المقاومة ومواجهة المحنة، قوله: <يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّسْلِمِين>[1]، أي: لقد تسلط فرعون الطاغية وقومه الأقباط المستكبرون علينا، ومن الناحية الواقعية، وبحسب ميزان القوى المادية، فإني وإياكم لا نملك من القوة المادية والبشرية ما نستطيع بها أن نصد طغيان فرعون وقومه بعدوانهم علينا، فعددنا قليل جداً بالقياس إلى عددهم ولا نملك من المال والسلاح والعتاد عشر ما يملكون أو أقل بكثير، فميزان القوة المادية ليس في صالحنا بل لصالحهم، والفارق بيننا وبينهم كبير جداً ولا مصلحة لدينا ولنا أن نخوض معهم حرب استشهاد في هذه المرحلة، فالمحافظة على وجودنا ضروري لبقاء الدين ومصلحة المسيرة البشرية المتكاملة، وإحداث التغيير التاريخي الضروري المطلوب منا إحداثه، فإن كنتم آمنتم بالله ذي الجلال الاكرام، وصدقتم بآياته وبيناته، وكنتم منقادين لحكمه سبحانه وتعالى بحق وحقيقة كما أعلنتم وأظهرته أقوالكم، وهو ما ينبغي عليكم.

أي: ينبغي عليكم أن تكونوا مؤمنين بصدق وإخلاص نية وكاملي الإيمان، فأنتم تعرفون بما علمكم الله تبارك وتعالى بفضله ورحمته عليكم من مقام ربكم الجليل وشأنه العظيم، أنه فوق الأسباب الطبيعية والملكوتية وسبب كل سبب طبيعي وملكوتي، وهو المدبر الوحيد المطلق للعالم وكافة الموجودات فيه وللمسيرة التاريخية المباركة ولا يستغني شيء عنه في وجوده ابتداءً وبقاءً، وفي صفاته وأفعاله، ولا يستقل عنه في التأثير، ولا يغلبه أحد على ما يريد وما يشاء ويحكم في خلقه، وأن إليه مرجعكم في يوم القيامة وعليه حسابكم وجزاؤكم، وهو اليوم الذي لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.

وعليه: عليكم أن تقوموا بوظيفة الإيمان والانقياد للتكليف الإلهي الشرعي لكم، وهو صدق الإيمان وإخلاص النية في العمل لله رب العالمين سبحانه وتعالى، فلا يكون للشيطان الرجيم في عملكم نصيب، بل يكون عملكم سالماً خالصاً لوجه الله الكريم سبحانه وتعالى، وأن تتحلوا بالصبر والصمود والتحمل والثبات في المحن وأمام المصائب والنكبات، والمقاومة للأعداء، وعدم الخوف من فرعون الطاغية وملئه المستكبرين الظالمين وما يملكون من العدد والمال والعتاد وأسباب القوة والهيبة والأبهة والعظمة والتخطيط وما يتمتعون به من الكيد والمكر والخداع، وما يمارسونه من الكذب والافتراء والدسائس والتضليل ونحو ذلك، وعدم الخضوع لإرادتهم الاستعلائية وتجبرهم واستكبارهم، وأن تثقوا بالله العلي العظيم (عز وجل) في تخليصكم منهم ونصركم عليهم واستخلافكم في الأرض بدلاً عنهم كمال الثقة وتمامها، وتطيعوه في كل ما يأمركم به وينهاكم عنه، وفي ذلك توبيخ وتقريع لضعفاء الإيمان واليقين الذين أظهروا الولاء لفرعون الطاغية ونظامه ومارسوا الضغوط على أبنائهم الشبان والمستضعفين المؤمنين لكي يتراجعون عن الدين الحق وعن إظهار المعارضة للنظام الفرعوني الدكتاتوري الفاسد والملك الظالم المستبد، أو يعملون بالتقية بكتمان الإيمان والمعارضة خوفاً من فرعون وملئه المستكبرين الظالمين ومصانعتهم، وبيان لهم بأن ذلك يتنافى مع صدق الإيمان والإخلاص ومع منطق العقل والفطرة والطبع السليم، وفيه دليل على أن التقية تكون غير جائزة في بعض الأوقات والأوضاع والأحوال، فقد نهاهم موسى الكليم (عليه السلام) عن كتمان إيمانهم تقية؛ لخوفهم من بطش فرعون وحزبه المجرمين، وهذا ما نص عليه الفقهاء ويقره العقل والمنطق.

وحثهم على اللجوء إلى الله ذي الجلال والإكرام والتوكل عليه وتفويض أمورهم كلها إليه، وأن يعتمدوا عليه في نصرهم على عدوهم ودفع الضرر عنهم، ولا يعتمدوا في شيء من ذلك على أنفسهم بالاستقلال عنه، ويسندوا إليه بالكلية أمورهم في العصمة من فرعون الطاغية وملئه المستكبرين الظالمين وكيدهم ومكرهم ودسائسهم والخلاص من قبضتهم والنجاة من شرهم كله، وذلك بعد أن يؤدوا ما عليهم من التكليف الإلهي الشرعي، مثل: وضع الخطط الاستراتيجية الواضحة السديدة، وبرامج العمل الواقعية الفاعلة، وإعداد كل ما هو ممكن ومشروع من أسباب القوة المادية والبشرية والعلمية والمعنوية، والعمل الدؤوب المخلص، والصبر والثبات في المحن وأمام الصعوبات والتحديات وفي المواجهة والمقاومة، ورفض الخنوع والخضوع لإرادة العدو الغاشم والإذلال والمهانة، وتقديم التضحيات اللازمة، ونحو ذلك.

فهو القادر وحده على تخليصهم من محنتهم العظيمة ونصرهم على عدوهم، والظفر به والتمكن منه رغم قلة العدد وضعف الإمكانيات المادية، قول الله تعالى: <كَم مِن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللـهِ وَاللـهُ مَعَ الصابِرِينَ>[2] وقوله تعالى: <وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللـهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلةٌ فَاتقُوا اللـهَ لَعَلكُمْ تَشْكُرُونَ>[3] أي: كم من فئة قليلة العدد ضعيفة الإمكانيات المادية غلبت فئة كثيرة العدد شديدة القوة غزيرة في إمكانياتها المادية بإرادة الله (عز وجل) ومشيئته النافدة، فالأمر لله (عز وجل) لا لغيره، وأن العزيز من أعزه الله (جل جلاله)، والذليل من أذله، والمنصور من نصره، فلا تغني الكثرة مع خذلانه، ولا تضر القلة مع تأييده ونصره، وأنه مع المؤمنين الصالحين المجاهدين من الصابرين على الشدائد والمصائب وأداء التكاليف في مرضاته، يؤيدهم بتوفيقه وتسديده ونصره، وعليه: فالنصر يكون مع التقوى والثبات على الحق والإخلاص في النية، والاستماتة في الجهاد والمقاومة والتأييد الإلهي، وليس بكثرة العدد والعتاد.

ومن المصاديق البارزة في ذلك أن الله (عز وجل) نصر المسلمين على المشركين نصراً عظيماً في معركة بدر في السنة الثانية من الهجرة، مع الحالة التي كان عليها المسلمون من القلة والذلة وضعف الإمكانيات، والحالة التي كان عليها المشركون من الكثرة والقوة والعزة، حيث كان عدد المسلمين ثلاثمائة وثلاثة عشر، ومعهم من السلاح ستة أدرع، وثمانية أسياف، ومعهم فَرَسَان، وسبعون بعيراً، وكان عدد المشركين نحو ألف مقاتل مع الأسلحة الكثيرة والعدة الكاملة، ومعهم مائة فرس، حيث أمد الله تبارك وتعالى المسلمين بالملائكة، وقوَّى قلوبهم وربط عليها، وألقى الخوف والرعب في قلوب المشركين.

وعليه: فإن المطلوب من المؤمنين المجاهدين والمستضعفين ملازمة التقوى، وإعداد القوة، وحسن التخطيط، والتحلي بالصبر والثبات في المواجهة، والإخلاص في النية، والتوكل على الله (عز وجل) والاستعانة به، وانتظار الفرج عنده.

وقد بيَّن موسى الكليم (عليه السلام) لبني إسرائيل، بأن أداء التكاليف الشرعية والعبادية والمدنية والأمنية والعسكرية، والتوكل على الله (عز وجل)، وعدم الاستقلال بالنفس عنه سبحانه وتعالى، وعدم الاعتماد كل الاعتماد على الأسباب الطبيعية، مثل: المال، والعدد، والعتاد، ونحوها، وعدم إهمالها بالطبع في طلب النصر والظفر على الأعداء والتمكن منهم، والثقة بالله (عز وجل) والتصديق بوعده والتوكل عليه والاستعانة به، وعدم الوقوع في براثن اليأس والقنوط من رحمة الله تبارك وتعالى مهما كانت الشدة والنكبة والعوائق والصعوبات والظروف والأحوال، هو مما يقتضيه الإسلام الصحيح وصدق الإيمان وكماله وملازم لهما، قوله: <إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ>[4]، أي: إن كان إيمانكم إيماناً صادقاً مخلصاً لله سبحانه وتعالى من شوائب الشرك والشك والتردد في قدرته والثقة بوعده لكم، وقد وعدكم بالنصر والظفر على الأعداء والتمكن منهم واستخلافكم في الأرض مكانهم، وكنتم مسلمين لقضاء الله (جل جلاله) وقدره ومنقادين لحكمه (جل جلاله)، فعليكم أن تكونوا من المتوكلين على الله (عز وجل)، وتفعلون كل ما آمركم به، فمن فعل ذلك كان مؤمناً حقاً وكان الله (عز وجل) معه ومؤيده بتوفيقه وتسديده ونصره، وكافيه عدوه، قول الله تعالى: <وَمَن يَتقِ اللهَ يَجْعَل لهُ مَخْرَجًا ٢ وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِن اللهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللـهُ لِكُلِ شَيْءٍ قَدْرًا>[5].

أي: من يتقِ الله  (جل جلاله) في أوامره ونواهيه والوقوف عند حدوده التي حدها لعباده ويحترم شرائعه ويعمل بها، فإن الله (عز وجل) يجعل له مخرجاً من الشدائد والأحزان والغموم والمضايق ومشاكل الحياة وأزماتها، ويفرج عنه ويعطيه الخلاص ويرزقه من طيب عيشه من حيث لا يتوقع ولا يشعر ولا يخطر له على بال، ومن يتوكل على الله (عز وجل) فيما نابه من أمور الدين والدنيا، فإن الله (عز وجل) يكفيه ما أهمه وما توكل عليه فيه؛ لأن أمر الله (عز وجل) نافذ في كل شيء، ولا يفوته ولا يعجزه شيء، والرزق والموت والحياة والصحة والمرض والسعة والضيق ونحو ذلك لا يكون إلا بتقديره وإمضائه، فقد جعل للشدة والرخاء والضيق والسعة ونحو ذلك مقداراً وأجلاً ينتهي إليه، فلا يبقى إلا التسليم والتوكل عليه.

والآية كما هو الظاهر، بيان لوجوب التوكل على الله سبحانه وتعالى والاستعانة به وتفويض الأمر إليه في كل المهمات؛ ليكفي الله سبحانه وتعالى عبده كل الملمات في الدين والدنيا والآخرة، ومن أخل بشيء من ذلك، فقد أخل بحقيقة الإسلام والإيمان لما بينهما من التلازم، يقول آية الله الشيخ ناصر مكارم الشيرازي: «إن حقيقة التوكل هي إلقاء العمل والتصرف في الأمور على كاهل الوكيل، وليس معنى التوكل أن يترك الإنسان الجد والسعي وينزوي في زاوية، ويقول: إن الله معتمدي وكفى. بل معناه: أن يبذل قصارى جهده، فإذا لم يستطع أن يحل المشكلة ويرفع الموانع من طريقه، فلا يدع للخوف طريقاً إلى نفسه، بل يصمد أمامها بالتوكل والاعتماد على لطف الله والاستعانة بذاته المقدسة وقدراته اللامتناهية، ويستمر في جهاده المتواصل. وحتى في حالات القدرة والاستطاعة، فإنه لا يرى نفسه مستغنياً عن الله؛ لأن كل قدرة يتمتع بها هي من الله في النهاية. هذا هو مفهوم التوكل الذي لا ينفك عن الإيمان والإسلام»[6].

وقيل: إن موسى الكليم (عليه السلام) أمر بني إسرائيل بالتوكل على الله سبحانه وتعالى بقوله: <فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا>[7] ولم يقل توكلوا عليه؛ لأن العبارة الأولى <فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُو>[8] بقصد الحصر، كأنه (عليه السلام) أمرهم بالتوكل على الله سبحانه وتعالى ونهاهم عن التوكل على غيره؛ لأن كل ما سواه فهو ملكه ومسخر له وتحت تصرفه وتدبيره وإليه ينتهي كل سبب، ولازم ذلك بحكم العقل والمنطق السليم التوكل عليه، وتجنب التوكل على غيره.

فأجاب بنو إسرائيل نبيهم الكريم موسى بن عمران الكليم (عليه السلام) ممتثلين بقولهم: <عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا>[9]، أي: لقد آمنا بالله سبحانه وتعالى بحق وحقيقة وصدق اعتقاد ويقين، وعليه اعتمدنا في أمورنا كلها وبه استعنا وإليه أسلمنا وتركنا إليه أمرنا؛ لبلوغ مرادنا في كمال الإيمان والسلوك إليه، والخلاص من الذل والاستعباد، والنجاة من فرعون وملئه، والانتصار عليهم والاستخلاف في الأرض، ولا نلتفت إلى أحد سواه، فقولهم: <عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا>[10] مشتمل على خصوصية الحصر المقتضي تجردهم من التوكل على غير الله سبحانه وتعالى، والثقة التامة بحكمته البالغة وحسن تدبيره وقدرته المطلقة على كل شيء، والتصديق بوعده لهم بالخلاص والنجاة من فرعون وملئه والنصر عليه وهلاكه مع جنوده، واستخلافهم في الأرض بعده، وعدم اليأس والقنوط من رحمته الواسعة، والإخلاص في نية العمل من أجله وابتغاء رضوانه.

وقد سأل بنو إسرائيل الله (عز وجل) بمسألتين بعد أن أعلنوا توكلهم على الله سبحانه وتعالى والتفويض إليه، وهما:

1. قولهم: <رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِين>[11]، أي: انزع عنا لباس الخوف والضعف والمذلة والمهانة والمسكنة، فإن تلك الصفات المذمومة من العوامل التي تشجع الأقوياء الظلمة المتجبرين على استضعاف الأقوام والشعوب والأمم التي تتصف بها، وتساعد على قهرهم وفرض إرادة المستكبرين في الأرض بغير الحق عليهم، وقد قيل بحق وحقيقة: «ضعف الضعفاء فتنة للقوي الظالم» وفي المثل الشعبي: «ويش فرعنك يا فرعون قال ما أحد ردني» وسلّمنا من شر فرعون وملئه وقومه الظالمين المستكبرين، وخلّصنا من كيدهم ومكرهم وظلمهم واضطهادهم واستعبادهم وإذلالهم إيانا، ولا تظهرهم وتمكنهم منا وتسلطهم علينا، فيفتنونا بضعفنا وتسلطهم علينا ويظلمونا ويعذبونا ويحملونا على المعصية لك، والانصراف عن دينك الحق وعن شريعتك العدل وعدم العمل بأحكامك، ويظنون أنهم على الحق ونحن على الباطل؛ فيستضعفونا ويذلونا ويقهرونا ويفرضوا علينا إرادتهم ودينهم، ويمارسون ضدنا صنوف التعذيب والتنكيل والقهر، والتمييز ضدنا، ويسخروننا لخدمتهم ومآربهم، والقيام بالأعمال الشاقة والوضعية، أو يفتنوا بنا غيرنا، بأن يقولوا لهم: لو كان هؤلاء على الحق ولهم كرامة كما يقولون؛ لما غلبناهم وتسلطنا عليهم وقهرناهم وعذبناهم وأخضعناهم لإرادتنا في الدين والدنيا، فحالنا وحالهم يدل على أننا في الحقيقة والواقع أحسن وأفضل وأكرم منهم؛ فيصدوا قومهم وغيرهم ويضلوهم عن دينك الحق، وفي الحديث الشريف عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنه قال: «إن قوم موسى استعبدهم آل فرعون، وقالوا: لو كان لهؤلاء كرامة كما يقولون ما سلطنا عليهم»[12].

وهنا ينبغي التوقف والإشارة إلى أن اتباع الدين الإلهي الحق لا يمنع بحكم العقل والمنطق السليم والتجربة من ظهور الكفار والمشركين والظلمة والمستكبرين على المؤمنين في وقت من الأوقات، نعم الباطل في نفسه لا يمكن أن يهزم الحق في نفسه، فالحق ظاهر دائماً بالدليل والبرهان على الباطل، وأن الشبهات لا تدوم، بل يكشف زيفها وباطلها وتزول، ولكن المؤمنين في صراعهم مع أعدائهم قد يتعرضون للهزيمة والخسارة ولكن إلى حين، ثم تكون العاقبة لهم في نهاية المطاف، قول الله تعالى: <وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِين>[13] ولولا ذلك لبطلت حكمة التكليف التي تقوم على العقل والاختيار؛ لأن النصر يكون دائماً حليف المؤمنين، وتنقطع صلة النصر والهزيمة بالأسباب الطبيعية المباشرة تماماً، مما يلغي الاختيار الذي هو مع العقل ملاك الإنسانية والجوهر والأساس الذي يقوم عليه التكليف الإلهي للإنسان، ويعطل الأخذ بالأسباب الطبيعية المباشرة الذي هو أساس التكامل الإنساني المعرفي والتربوي والحضاري، واستحقاق الإنسان للثواب الإلهي، فلا يحصل الارتقاء والتكامل ولا يستحق الإنسان للثواب الإلهي بدون الأخذ بهذه الأسباب.

وهذا هو السر والحكمة من تلبس الروح بالجسد، ومكوث الإنسان في عالم الدنيا والمادة، الذي هو عالم التكليف والارتقاء والتكامل، ثم الثواب والرضوان الإلهي في الآخرة، أو المعصية والمخالفة للتكليف الإلهي والانحطاط والانسلاخ من رتبة الإنسانية، ثم العقاب الإلهي في الآخرة.

وعليه: ينبغي على المؤمنين الأعزاء الانقياد التام للتكاليف الشرعية الإلهية جميعاً، وإظهار الخضوع المطلق لرب العالمين، وترك التمرد أو المخالفة نهائياً لأمره ونهيه، والأخذ بالأسباب الطبيعية المباشرة، مثل: وضع الخطط الاستراتيجية الواضحة السديدة، والبرامج العملية الواقعية الفاعلة، وبذل الوسع والطاقة في إعداد القوة المادية والبشرية والمعنوية، والعمل الدؤوب لتنفيذ البرامج وتطبيق الاستراتيجيات، والتحلي بالصبر، والتحمل والصمود والثبات أمام الصعوبات والتحديات والعوائق، وحل المشكلات، والرفض والمقاومة للأعداء، وممانعتهم والتمرد عليهم، وعدم الخضوع لإرادتهم، وتقديم ما يلزم من التضحيات، وبذل الوسع والطاقة، والأخذ بالأسباب؛ للارتقاء في سلم ومعارج الكمال العلمي والمعرفي والتربوي والحضاري، والتوكل على الله (عز وجل) والاستعانة به، والوثوق بوعده بالنصر والأجر العظيم، وما النصر إلا من عنده والعاقبة للمتقين.

وأن يعلموا بأن الإيمان والثبات عليه في ساعة العسر أدل على اليقين والإخلاص وصدق الإيمان وكماله من الإيمان والثبات عليه في ساعة اليسر، قول الله تعالى: <أَحَسِبَ الناسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ ٢ وَلَقَدْ فَتَنا الذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَن اللهُ الذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَن الْكَاذِبِين>[14]. وقول الله تعالى: <وَمَا لَكُمْ أَلا تُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللـهِ وَللهِ مِيرَاثُ السمَاوَاتِ وَالأرض لَا يَسْتَوِي مِنكُم منْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَـئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلاً وَعَدَ اللهُ الْحُسْنَى وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ>[15] أي: ما الذي يمنعكم أيها المؤمنون، وأي عذر لكم في ترك الإنفاق في سبيل الله تبارك وتعالى وطاعته ولا سيما في شأن الجهاد وأنتم تعلمون أن المال مال الله سبحانه وتعالى، وأن حياتكم وما بأيديكم من المال وغيره لا يدوم، بل هو خارج من أيديكم لا محالة، إما بالموت، وإما بالإنفاق، وخروجه من أيديكم إن لم يستوجب المقت والعقاب، فإنه لا يستوجب المدح والثواب، وخروجه بالإنفاق في سبيل الله وطاعته، يستوجب الثناء والرضوان والثواب الإلهي.

وعليه: فإنه لا داعي من العقل والمنطق والحكمة للشح والبخل والامتناع عن الإنفاق في الطاعة، فسارعوا واغتنموا الفرصة، واستوفوا حظكم من الإنفاق في سبيل الله تبارك وتعالى وطاعته، ما دامت الحياة والأموال بأيديكم، قبل أن تخرجوا من الحياة، أو تخرج الأموال من أيديكم، فيفوتكم بذلك الخير الكثير، واعلموا بأنه لا يستوي في الفضل عند الله سبحانه وتعالى، من بذل منكم نفسه وماله في أوقات الضعف والشدة والاستضعاف قبل الغلبة والانتصار على الأعداء، حيث الحاجة إلى النصرة والمعونة أكثر، والخوف من الأعداء أشد، والبذل أشق على النفوس، ومن قاتل وبذل ماله في أوقات العزة والمنعة والقوة واليسر والسعة، بعد الغلبة والانتصار على الأعداء، فالذين بذلوا أنفسهم، وقاتلوا في سبيل الله (عز وجل)، وانفقوا أموالهم في أوقات الضعف والشدة والاستضعاف، أعظم فضلاً وأرفع شأناً ومكانة عند الله ذي الجلال والإكرام، وأعلى درجة وأكثر ثواباً، من الذين قاتلوا وأنفقوا أموالهم في أوقات العزة والمنعة والقوة واليسر والسعة، لما تحلى به الفريق الأول من الصدق والإخلاص والصبر والثبات والتضحية والفداء، وهذا شيء بين واضح، تقتضيه الحكمة والعدالة بحكم العقل والمنطق السليم.

إلا أن هذا التفضيل لا يغلق الباب على الفريق الذي تخلف وتأخر، فقد وعد الله تبارك وتعالى كلا الفريقين الأجر والمثوبة الحسنة على إيمانهم وأعمالهم الحسنة، رغم تفاوت الدرجات، وقد يسبق بعض المتأخرين بعض المتقدمين في الفضل، إذا ندم على تأخره، أو كان معذوراً فيه، وعمل وجاهد وبذل بصدق وإخلاص.

واعلموا أيها المؤمنون بأن الله سبحانه وتعالى عليم خبير بإيمانكم ونياتكم وأعمالكم وبجميع الجزئيات والتفاصيل المتعلقة بها، ولا يفوته شيء من ذلك، فهو يعلم أسباب التقدم والتأخر، ويعلم أسباب الإنفاق وأوقاته، ويعلم أحوال المنفقين والمجاهدين ونواياهم ونحو ذلك، فيجازي كلاً منكم بما يستحق من الأجر والثواب على إيمانه وأعماله، بما هما عليه ولا يظلم أحداً شيئاً، وفي حديث عمار بن ياسر قبل استشهاده في معركة صفين «37 هـ – 567م»، أنه قال: «والله لو هزمونا حتى يبلغوا بنا سعفات هجر، لعلمنا أنّا على الحق، وأنهم على الباطل»[16]، والسعفات: جمع سعفة، وهي جريدة النخل ما دامت بالخوص، فإن زال عنها قيل لها جريدة وخصت هجر «الأحساء اليوم» بالذكر وهي مدينة بالمنطقة الشرقية بالحجاز؛ لبعد المسافة، ولكثرة النخيل فيها، والمراد أن النصر والهزيمة لا تغيران شيئاً في يقين أصحاب البصائر من أهل الحق وأعمالهم ومواقفهم، وإنما ينفع النصر والقوة والظهور على الأعداء البسطاء وضعفاء الإيمان، ويؤثر البلاء والهزيمة سلباً على إيمانهم ويهز يقينهم، ويحملهم على الضعف والتراجع في مواقفهم والمواجهة مع الأعداء، وذلك بسبب قلة بصيرتهم وضعف إيمانهم وسوء منطقهم وتعلقهم بعالم الدنيا والمادة والمصالح.

2. قولهم: <وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ>[17]، أي: أرنا الحق حقاً، وثبِّتنا عليه قولاً وعملاً، وأرنا الباطل باطلاً وأبعدنا عنه قولاً وعملاً، ولا يوهن عزائمنا وعقيدتنا بالوساوس والشبهات الباطلة، والشكوك التي هي لواقح الفتن، التي يثيرها أمامنا الكافرون والمشككون، وأظهرنا عليهم بقوة الحجة والبرهان والبيان الواضح، وانصرنا على أعدائنا أجمعين ومكّنا من إقامة الدين الحق وإظهاره وتطبيق حدوده والعمل بأحكامه؛ لنسلم بذلك من شرورهم، ونقيم دينك الحق بدون معارض أو منازع أو منغصات، ونحو ذلك.

وقيل: إن لفظ برحمتك في قولهم: <وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ>[18] يدل على التبرؤ من الإذلال والمنة على الله سبحانه وتعالى بإيمانهم؛ لاعتقادهم بأن لله سبحانه وتعالى المنة عليهم بأن هداهم للإيمان، وأن كل ما بهم من الخير والنعمة في الدين والدنيا فهما من الله تبارك وتعالى، قول الله تعالى: <يَمُنونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لا تَمُنوا عَلَي إِسْلَامَكُم بَلِ اللهُ يَمُن عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ>[19]، أي: يعدون إسلامهم منة عليك، وهم مخطئون في ذلك من ثلاثة أوجه:

–   لأن فائدة الإسلام وشرفه لأنفسهم في المقام الأول، وليس إليك.

–   لأن النعمة العظمى في الإيمان والعمل بمقتضاه الذي هو مفتاح السعادة في الدارين الدنيا والآخرة، وليس في مجرد الإسلام.

–   لأن الدين لله سبحانه وتعالى، وليس لك من أمره إلا التبليغ به عنه.

وعليه: قل لهم: ليس لكم أن تمنوا على الله سبحانه وتعالى إيمانكم الذي ادعيتموه، بل الله تبارك وتعالى يمن عليكم أن هداكم للإيمان، بأن بينه إليكم وأرشدكم إليه ورغبكم فيه، وشرح صدوركم لقبوله والعمل به؛ من أجل خيركم وصلاحكم وخلاصكم ونجاتكم في الدارين الدنيا والآخرة، وهنا هو الحق والواقع الذي يجب عليكم أن تعتقدوا به إن كنتم صادقين فيما ادعيتموه من الإيمان؛ لأنه لازم عنه.

وعليه: يمتنع عقلاً أن تمنوا على الله سبحانه وتعالى إيمانكم إن ذقتم حلاوة الإيمان وكنتم صادقين فيه، وفي الحديث الشريف: «أن المدل لا يصعد من عمله شيء»[20].

وقيل: إن ترتيب الطلبين في قولهم: <رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ 5 وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ>[21]، يدل على اهتمامهم بأمر دينهم وآخرتهم فوق اهتمامهم بأمر أبدانهم ودنياهم، وهذا أمر طبيعي ومنطقي في فكر ورؤية الإنسان المسلم الواعي، وهو من توفيق الله تبارك وتعالى وتسديده لهم.

كما أن الطلب الثاني <وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ>[22]، يدل بحسب البيان السابق على أهمية تمكن المؤمنين وقوة شوكتهم للمحافظة على الدين الحق وتطبيق أحكامه والسعي لتحقيق أهدافه العظيمة المقدسة في الحياة.

ولهذا أمر الله (عز وجل) المؤمنين بإعداد القوة، قول الله تعالى: <وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ>[23]، أي: أعدوا لمواجهة هجمات أعدائكم الفعليين والمحتملين الساعين في هلاككم وإبطال دينكم الحق وانتقاص حقوقكم، كل ما تتقوون به على الحرب والمقاومة والمواجهة وتحقيق النصر مما تقدرون عليه وتتمكنون منه علمياً ومادياً ومعنوياً، مثل: بناء الجيش وحسن تنظيمه وتدريبه تدريباً ممتازاً على جميع فنون القتال وفي مختلف الظروف والأوضاع، وتقوية عزائم الجنود ورفع معنوياتهم وتحصين عقيدتهم القتالية ونحو ذلك، والتخطيط الاستراتيجي والميداني والتكتيك، وبناء الحصون والقلاع والبنى التحتية، وتصنيع وتجميع أقوى وأسرع وسائل القتال الحديثة وأكثرها فاعلية في الدفاع والهجوم، مثل: الصواريخ والطائرات والدبابات والمدافع والبنادق والرشاشات والقنابل والمتفجرات وغيرها من صنوف وأنواع السلاح المتطور الفعال والعتاد، ووسائل الإعلام والنشر والثقافة والاقتصاد والسياسة، وحراسة الحدود والثغور ونحو ذلك، والتحلي بالصبر والتحمل والصمود والثبات والجرأة والشجاعة التي تلامس الإمكانيات المتوفرة وتفعيلها بأقصى قدراتها، واختيار أفضل وأقوى الشعارات، ونحو ذلك؛ بهدف ترهيب الأعداء وتخويفهم، فلا يفكرون في مهاجمتكم والاعتداء عليكم وقتالكم، فيندفع بذلك شرهم عنكم.

وعليه: فالاستعداد للحرب والمواجهة هو أحسن أسلوب لمنع الحرب والمحافظة على السلم وتحصيل الحقوق وتحقيق العدالة الدولية والاجتماعية والأمن والاستقلال وحماية الحق والمنجزات، فلا حق ولا عدالة بدون قوة تحميهما؛ لأن المستعمرين وأعداء الإنسانية من الطواغيت والفراعنة والحكام المستبدين والمترفين لا يستمعون لكلمة الحق، ولا يستجيبون لنداء العقل والمنطق والضمير، ولا يعترفون بدين أو مبدأ أو قيمة إنسانية، ولا يفهمون إلا منطق القوة والمصالح.

فإذا كان المسلمون والمصلحون والمطالبون بالحقوق ضعافاً؛ فسوف يفرض عليهم المستكبرون والمستعمرون والطواغيت والفراعنة والحكام المستبدون المترفون المستغلون إرادتهم، فيفقدوا استقلالهم وتُرتَهَنْ بلادهم وثرواتهم ومقدراتهم، وتنتهك كرامتهم وحرياتهم وحقوقهم، ويفرض عليهم حكم الأمر الواقع بغير إرادتهم وبغير رضاهم وعلى خلاف مصالحهم.

أما إذا كانوا أقوياء، فإن أعداءهم سوف يشعرون بالخوف والرعب منهم، فلا يجرؤوا على مهاجمتهم والاعتداء عليهم وانتهاك حقوقهم، وإذا جازفوا بالاعتداء عليهم فإنهم سيتلقون الرد القوي الحاسم منهم.


المصادر والمراجع

  • [1]. يونس: 84
  • [2]. البقرة: 249
  • [3]. آل عمران: 123
  • [4]. يونس: 84
  • [5]. الطلاق: 2-3
  • [6]. تفسير الأمثل، ناصر مكارم الشيرازي، جزء 6، صفحة 260
  • [7]. يونس: 84
  • [8]. نفس المصدر
  • [9]. يونس: 85
  • [10]. نفس المصدر
  • [11]. نفس المصدر
  • [12]. تفسير القمي، جزء 1، صفحة 314
  • [13]. الأعراف: 128
  • [14]. العنكبوت: 2-3
  • [15]. الحديد: 10
  • [16]. الاختصاص، الشيخ المفيد، صفحة 14
  • [17]. يونس: 86
  • [18]. نفس المصدر
  • [19]. الحجرات: 17
  • [20]. معجم مجمع البحرين، الطريحي، مادة دلل، جزء 5، صفحة 372
  • [21]. يونس: 85-86
  • [22]. يونس: 86
  • [23]. الأنفال: 60
المصدر
كتاب اللامنطق في الفكر والسلوك - الجزء الأول | أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسين

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟