مواضيع

هزيمة السحرة في ميدان المبارزة

<فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ 118 فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانقَلَبُوا صَاغِرِين>

قد أذهل المشهد المثير جميع الحاضرين في الميدان، السحرة وفرعون وملؤه، والجماهير المتفرجة، وانقطعت حجتهم بحسب العقل والمنطق السليم، وبان لهم الحق وثبت واستقر وعلا، قول الله تعالى: <فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ>[1] أي: ظهر الحق وبان وانكشف وثبت واستقر وعلا، وبطل السحر والمعارضة من الأساس، فقال السحرة جهاراً: لو كان ما جاء به موسى الكليم (عليه السلام) من نوع السحر لعرفناه؛ لأننا أهل الفن وأصحاب الصناعة وأعلم الناس بأسرار السحر والمحترفين فيه، وعندنا من العلم والخبرة والتدريب والمهارة والحذق في فنون السحر ما لا يوجد عند غيرنا، ولدينا معرفة واسعة وشاملة بالمعلمين والأساتذة وكبار المحترفين في السحر، وموسى الكليم (عليه السلام) ليس واحداً منهم، بل لم نكن نعرفه بين أصحاب الفن والمحترفين فيه، ولو كان ما جاء به موسى الكليم (عليه السلام) من نوع السحر لبقيت حبالنا وعصينا على حالها، ولم تتلاشَ وتنتهِ من الوجود وكأنها لم تكن؛ لأن السحر لا يفعل ولا يؤثر مثل ذلك الفعل والتأثير، وليس في مقدور البشر أن يفعل مثل هذا الفعل ويؤثر هذا التأثير.

وعليه: فإن ما جاء به موسى الكليم (عليه السلام) ليس من السحر قطعاً ويقيناً، وإنما هو آية إلهية كبرى ومعجزة عظيمة تقف وراءها قوة أزلية مطلقة قادرة على كل شيء، فوق الطبيعة وفوق قدرات البشر، وتجري قوانين عالم الطبيعة وفق مشيئتها وتقديرها، أي: عرف السحرة معرفة يقينية، وعلموا علماً صحيحاً منطقياً، استناداً إلى ما عندهم من العلم بحقيقة السحر والاطلاع على دقائق أسراره وخباياه وخفاياه والخبرة المهنية فيه، إلى درجة لا يمكن معها أن يخدعهم أو يضلهم أحد فيه وبشأنه، أن موسى الكليم (عليه السلام) ليس إنساناً عادياً، وإنما هو إنسان رباني صالح وطاهر ومؤيد بقوة غيبية أزلية أبدية مطلقة، تستطيع أن تحول العصا الجامدة الميتة إلى ثعبان حقيقي عظيم وفعال ومؤثر، ثم تعيدها إلى طبيعتها وسيرتها الأولى، وأن تعدم الأجسام وتفنيها من الوجود وكأنها لم تكن، أو تجعلها أجزاء لطيفة ودقيقة، لا ترى ولا يظهر لها أثر، لأن بيدها الموت والحياة، وأنها خلقت الأشياء من العدم، وجعلتها بأشكال وحقائق وأطوار مختلفة وتحت إرادتها جميع قوانين عالم الطبيعة وتجري وفق مشيئتها، وتجب طاعتها وتقديسها وعبادتها، لما تتمتع به من العلم والقدرة والرحمة بالعباد، وأن إليها معاد العباد وعليها حسابهم وجزاؤهم يوم القيامة.

وعليه: فموسى الكليم (عليه السلام) صادق في دعوى النبوة والرسالة عن رب العالمين، وأن قضيته عادلة، ومطالبه الإصلاحية الدينية والسياسية والحقوقية مشروعة، وتجب طاعته مطلقاً والتسليم إليه، وأن فرعون كاذب في دعوى الألوهية والربوبية وخائن للحقيقة ولأمانة الحكم والرعاية والمسؤولية، ونظامه الملكي فاسد، وحكومته ظالمة جائرة مفسدة في الأرض، وهو غير مستحق لأن يكون ملكاً أو حاكماً أو أن يتولى مسؤولية وطنية عامة.

وكانت هذه النتيجة العلمية المنطقية المجردة، الضربة القاسية المفجعة الأولى التي وجهها موسى الكليم (عليه السلام) إلى النظام الملكي الفرعوني الفاسد، وإلى فرعون الملك المتجبر الطاغية الخائن للحقيقة ولأمانة الحكم والرعاية والمسؤولية، حيث نسب إلى نفسه صفتي الألوهية والربوبية كذباً وزوراً وبدون وجه حق وبلا دليل أو برهان عقلي صحيح أو حجة مقبولة، وأقام نظامه الملكي الفاسد الجائر على هذا الأساس الباطل، وبسط نفوذه وسلطته على الناس وتحكم في إرادتهم، واستولى على ثروات البلاد ومقدرات العباد واستأثر بها مع ملئه وبطانته الفاسدة وجهازه الحاكم، الديني والسياسي والإداري والفني بفرض حكم الأمر الواقع عن طريق الإرهاب والعنف والقوة، وتحكم في مصائر الناس بغير وجه حق وبغير رضاهم وعلى خلاف إرادتهم ومصلحتهم، وخالف السنن الإلهية: الكونية والتاريخية، وخالف العقل والمنطق والفطرة والطبع الإنساني السليم، وانتهك حقوق الإنسان الطبيعية والمكتسبة (الوضعية) وحريته وكرامته، وأفسد في الأرض، وغيّر خلق الله تبارك وتعالى، وما ينبغي أن تكون عليه حياة الناس الخاصة والعامة والقوانين والتشريعات التي ينبغي أن تسير عليها، والمبادئ السامية والقيم الإنسانية التي ينبغي أن توجهها إلى غاية وجودها ومنتهاها، إلخ.

وبهذه النتيجة العلمية المنطقية المجردة للمبارزة بين السحرة وبين موسى الكليم (عليه السلام) ظهر الحق واستبان أمره للجميع وثبت واستقر على الباطل، وتبين الفرق الواضح الجلي الكبير بين الإفك والكذب والتمويه والخداع والتضليل، الذي يمثله سحر السحرة، وبين الحق الحقيق البيّن والصدق الوثيق والواقعية الفعلية الفاعلة المؤثرة تمام التأثير في الواقع الذي تمثّله عصا موسى الكليم (عليه السلام) وآيته الكبرى ومعجزته العظيمة من عند رب العالمين، أي: قد ثبت بما لا شك فيه ولا ريب ولا تردد بأن عصا موسى الكليم (عليه السلام) قد تحولت فعلاً وواقعاً وحقيقةً إلى ثعبان عظيم وفعّال في الظاهر وفي الحقيقة والواقع، فهي حق حقيق ثابت للعيان لا يشك فيه، وهي معجزة عظيمة وآية إلهية كبرى لا يقوى على مثلها إلا رب العالمين الذي بيده الموت والحياة، والذي خلق الكائنات الحية كلها، النبات والحيوان والإنسان من التراب، ثم يعيدها إلى التراب بعد الموت، ثم يبعثها ويعيدها إلى الحياة من جديد في يوم القيامة، وعلى وفق إرادته ومشيئته تجري جميع قوانين عالم الطبيعة، وهو القادر على كل شيء ولا يمكن أن يأتي بها غيره، لا بسحر ولا بغيره مما يكتسبه الإنسان بالتعليم والتدريب والخبرة.

وإن ما جاء به السحرة، ما هو إلا مجرد اِفتعال يقوم على الحيل والخداع والتمويه والتضليل، ولا حقيقة له وراء ذلك في الواقع ولا فاعلية، فهو الباطل والإفك المحض، قول الله تعالى: <فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ>[2] أي: ظهر الحق واستبان للجميع وثبت واستقر، واندحر السحر وتلاشى كتلاشي الظلام أمام الشمس الساطعة واستبان بطلانه للجميع أمام المعجزة، وبطلت المعارضة بين السحر وبين المعجزة من الأساس، وثبت بالدليل القطعي الواضح وبدون لبس أو شك صدق نبوة موسى الكليم وهارون (عليهما السلام) ورسالتهما عند رب العالمين وعدالة قضيتهما وشرعية مطالبهما الإصلاحية الدينية السياسية والحقوقية، وثبت بطلان دين فرعون وفساد نظامه وخيانته وظلمه وجريرته وجور حكومته وأجهزة دولته. يقول العلامة الطباطبائي: «<فَوَقَعَ الْحَقُّ> فيه استعارة بالكناية بتشبيه الحق بشيء كأنه معلق لا يعلم حاله، أيستقر في الأرض بالوقوع عليها والتمكن فيها أم لا؟ فوقع واستقر <وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُون> من السحر».[3] وذلك تصوير للحالة التي كان عليها الحق في نفوس الناس وعقولهم بعد أن ألقى السحرة عصيهم وحبالهم، فاسترهبوا الناس وخوفوهم غاية التخويف والترهيب، وجاؤوا بسحر عظيم لا مثيل له ولا نظير في فنه، بحيث ترك أثراً بالغاً في نفوسهم أصابهم بالانبهار والإعجاب الشديد، حتى أن موسى الكليم (عليه السلام) أوجس في نفسه خيفة بأن يترك ما جاء به السحرة من السحر العظيم أثراً بالغاً في نفوس الناس تصعب إزالته وإرجاع الناس إلى جادة الحق والصواب، قبل أن يلقي موسى الكليم (عليه السلام) عصاه فتتحول فجأة إلى ثعبان عظيم وتأخذ في ابتلاع جميع ما جاء به السحرة حتى تلاشى واختفى عن آخره، فتظهر الحقيقة واضحة تامة عياناً للجميع، ويتبيّن الفرق بين الحق (المعجزة) وبين الباطل (السحر) لكل طالب للحقيقة وباحث عنها بموضوعية ونزاهة. وهذا يدل على أن الحق وإن كان قوياً وواضحاً في نفسه، إلا أن الإنسان لا يستغني عن طلبه وبذل الجهد في تحصيله وسلوك أفضل السبل وتوفير الشروط اللازمة لذلك، وأن المرسلين والدعاة والمصلحين لا يستغنون عن جهاد الكلمة والقلم لبيانه ونشره وإقامة الدليل عليه والدعوة للعمل بمقتضاه.

وكانت تلك النتيجة العلمية المنطقية المجردة قد حلت كالصاعقة على رأس فرعون الطاغية ورؤوس ملئه وأعوانه وبطانته وجهازه الديني والأمني والعسكري والسياسي والإداري والفني، وزعزعت مفاصلهم، وقصمت ظهورهم، وأصيبوا جميعاً بالصدمة والذهول لهول وعظمة ما رأوه وشاهدوه بأم أعينهم وخيبة الأمل، وشعروا بالضعف والحقارة والخجل والفشل أمام ذلك الحشد والمشهد العظيم في ميدان المبارزة، فقد أتوا بالسحرة المحترفين المهرة الحاذقين المدربين على مختلف فنون السحر والعارفين بأسراره وخفاياه وخباياه من جميع المناطق والأنحاء في مصر، وبذلوا جهوداً جبارة في جلبهم وتنظيمهم وتهيئتهم وعمل المقدمات استعداداً للمبارزة التاريخية الفاصلة، وتحملوا في سبيل ذلك نفقات عظيمة باهظة لميزانية الدولة، وأعطوا السحرة ومنوهم ووعدوهم بأفضل ما يحلمون به من الأجر العظيم على عملهم والمكافآت المادية والمعنوية التي لا نظير لها ولا مثيل إن هم انتصروا على موسى الكليم (عليه السلام) ورفعوا رأس الملك والدولة والنظام في هذه المبارزة التاريخية الفاصلة، وحرضوهم على موسى الكليم (عليه السلام) ورسالته وحركته التحررية والإصلاحية بما لا مزيد عليه من التحريض، ونشر الإعلانات والدعايات عن طريق جميع وسائل الإعلام الرسمية والشعبية، وحرضوا الناس عن طريقها لحضور المبارزة واستثاروهم واستفزوهم من أجل ذلك، ووفروا كافة الوسائل والمستلزمات والظروف المشجعة والدافعة لحضور أكبر عدد ممكن من الجماهير، ووفروا أفضل الظروف والشروط من حيث الزمان، يوم العيد في وقت الضحى، ومن حيث المكان، استواء المكان وتهيئته لراحة المشاهدين والحصول على أفضل صور المشاهدة لوقائع المبارزة، مما يدل على أنهم كانوا واثقين تمام الثقة ومطمئنين كامل الاطمئنان إلى النصر والغلبة على موسى الكليم (عليه السلام) وكان هدفهم فضح كذب موسى الكليم (عليه السلام) وافترائه وإخماد نار فتنة دينه وثورته التحررية وحركته الإصلاحية، وتعزيز قوة النظام الملكي الفرعوني والأسس الدينية والفكرية التي يقوم عليها والثقة به، وترسيخ سلطة فرعون الملك الذي هو رأس الدولة والنظام والرب الأعلى لجميع مملكته والأولى بطاعتهم المطلقة له وبعبادته وتقديسه، أو على الأقل تضليل الجماهير عن طريق اللبس عليهم بعدم التمييز بين السحر وبين المعجزة؛ للشك في صدق نبوة موسى الكليم (عليه السلام) ورسالته وإثبات سوء نيته وأهدافه التآمرية، للانقلاب على النظام الشرعي القائم المدعوم من الآلهة، وعلى الدولة وأجهزتها، وعلى الملك ومصالح الشعب؛ تمهيداً لمعاقبته والانتقام منه وتصفيته إذا تطلبت الحاجة ذلك. فإذا بالسحر ينقلب على الساحر، وتنقلب الآية رأساً على عقب، وينقلب المكر على أهله، ويعود الكيد إلى نحور أصحابه، وتجري الأمور على خلاف ما يشتهون وما كانوا يخططون له ويريدون، لينكسر فرعون وملؤه بالعوامل التي أراد بها كسر موسى (عليه السلام) فينقلب الأمر عليه فتثبت عقيدة التوحيد، ويثبت صدق نبوة موسى الكليم وهارون (عليهما السلام) ورسالتهما وأمانتهما وعدالة قضيتهما وشرعية مطالبهما الإصلاحية الدينية والسياسية والحقوقية وواقعيتها، ويثبت في المقابل كذب فرعون فيما ينسبه إلى نفسه من صفتي الألوهية والربوبية، وخيانته للحقيقة ولأمانة الحكم والرعاية والمسؤولية، وفساد نظامه، وفرض إرادته على الناس، وحكمهم بغير رضاهم وبغير وجه حق ولا دليل، واستئثاره بالسلطة والثروة والمقدرات ونحو ذلك من المظالم والمفاسد.

وبعد أن ابتهج فرعون وملؤه والموالون لهم، وأصابهم الزهو والغرور بما رأوه وشاهدوه من السحر العظيم الذي جاء به السحرة بادئ الأمر، وتوهموا النصر والغلبة للسحرة الفجرة على الولي الناصح الأمين موسى الكليم (عليه السلام)، انقلب السحر على الساحر وانعكست الآية وتغيرت المعادلة تماماً، وعاد كيد فرعون وملؤه إلى نحورهم حين ألقى موسى الكليم (عليه السلام) عصاه، فابتعلت جميع ما جاء به السحرة وتلاشى تماماً واختفى، ولم يعد له وجود وكأنه لم يكن له أصلاً وجود، فأدرك الجميع الفرق الكبير الذي لا يمكن قياسه بين السحر المفتعل القائم على الحيل والتمويه والخداع والتضليل ولا حقيقة له في الواقع، وبين المعجزة التي تمثل حقيقة واقعية فعلية فعّالة، وتقف وراءها قوة أزلية أبدية مطلقة فوق الطبيعة وفوق البشر ولو اجتمعوا جميعاً، وقادرة على كل شيء ممكن عقلاً، ولا يعجزها إيجاد شيء ممكن عقلاً، فظهر بذلك الحق عياناً للجميع واستبان وانكشف وعلا، وزهق الباطل وتلاشى تماماً وكأنه لم يكن، وصعق فرعون الطاغية وملؤه المستكبرون الفاسدون وبهتوا من هول الصدمة المفاجئة وعظمة وجلال ما رأوه وشاهدوه بأم أعينهم، وأدركوا الحقيقة كما هي عليه واضحة جلية لا لبس فيها ولا غموض ولا شك ولا شبهة، وشعروا أمام ذلك التجلي العظيم للحقيقة وانكشافها في ذلك الجمع الغفير والحشد الكبير بالهزيمة النكراء، العلمية والسياسية، وأصبحوا بعد الكبرياء والاستعلاء صاغرين أذلاء مهانين مقهورين مبهورين مستوحشين، وأصبحت جميع العوامل التي عملوا على توفيرها من أجل هزيمة موسى الكليم (عليه السلام) وفضحه، مثل: حشد جيش من السحرة المحترفين المهرة الحاذقين لمبارزته، وجمع أكبر عدد ممكن من الجماهير لمشاهدة النزال، وتوفير أفضل السبل لأفضل مشاهدة لوقائع النزال، ونحوها، كلها أصبحت لصالح قضية موسى الكليم (عليه السلام) وإثبات حجته البالغة التامة على الناس، ولم يمر في خلد فرعون وملئه ومعاونيه وجهازه الديني والأمني والعسكري والسياسي والإداري والفني، أنهم سيواجهون موقفاً عسيراً مثل هذا الموقف، ومأزقاً شديداً مثل هذا المأزق، ومشهداً رهيباً مثل هذا المشهد، وكلها ليس بيدهم لها حل وليس لهم سبيل إلى الخروج والهروب منها. فباطلهم قد اضمحل وتلاشى تماماً، ولم يحصل فرعون الطاغية وملؤه على شيء مما أرادوه وخططوا له وبذلوا من أجله أقصى الجهود وأفرغوا أقصى الوسع والطاقة وبذلوا الأموال الطائلة، وكلها ذهبت هدراً أدراج الرياح.

بل حصل عكس نقيض ما أرادوا وخططوا له، فقد ظهرت الحقيقة وانكشفت تماماً للجميع، وثبتت عقيدة التوحيد، وصدق نبوة موسى الكليم وهارون (عليهما السلام) ورسالتهما وأمانتهما وعدالة قضيتهما وشرعية مطالبهما الإصلاحية: الدينية والسياسية والحقوقية بالدليل الساطع القاطع الذي لا يقبل الشك والريب والتردد، وثبت في المقابل نفس الدليل، كذب فرعون وخيانته وعدم استحقاقه لتولي الحكم والمناصب العامة وتحمل المسؤولية، وفساد نظامه الملكي الجائر، وانهدم الأساس الفكري والديني الباطل الذي بني عليه، وتصاغر فرعون في نظر نفسه وفي نظر ملئه والناس من حوله أمام تلك الآية الإلهية الكبرى والمعجزة العظمى والرب الجليل القادر على كل شيء الذي يقف وراءها، ويشعر بالخجل والفشل والهزيمة، وتساقطت قطرات العرق على وجهه لتخفف من حرقة قلبه وحرارة جسمه رحمة من رب العالمين به، لعله يتذكر أو يخشى. واضطربت الجماهير المتفرجة، وداخلها الخوف والرعب الشديد، وأخذوا يصيحون ويصرخون ويستغيثون، وبعضهم فروا من المكان من شدة الخوف والفزع، وأغمي على بعضهم من قوة الصدمة وفجأتها، وقيل: أنها لما تلقفت جميع ما صنع السحرة وابتلعته عن آخره، أقبلت نحو الحاضرين فأصابهم ما أصابهم، قول الله تعالى: <فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانقَلَبُوا صَاغِرِينَ>[4].


المصادر والمراجع

  • [1]. الأعراف: 118
  • [2]. نفس المصدر
  • [3]. تفسير الميزان، العلامة محمد حسين الطباطبائي، جزء 2، صفحة 204
  • [4]. الأعراف: 119
المصدر
كتاب اللامنطق في الفكر والسلوك - الجزء الأول | أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسين

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟