مواضيع

التعريف بهارون: الاجراءات الاحترازية التي اتخذها موسى الكليم (ع) بشأن العجل

ثم عمد موسى الكليم (عليه السلام) إلى عجل الفتنة التي أوقد نارها السامري بمكره فأحرقه بالنار، وقيل: سحقه بالمبارد، ثم رمى بقاياه (الرماد) في البحر، على مرأى من الذين صنعوه والذين عبدوه، ولكي لا يبقى له أثر يعود إليه أو يتمسك به الضالون المنافقون ويحيون به عبادة العجل أو يقدسونه في المستقبل، وبذلك تبددت أحلام السامري والذين اتبعوه وضاع أملهم ويأسوا وذهبت آمالهم وأحلامهم وجهودهم الخبيثة أدراج الرياح، قوله: {وَانظُرْ إلىٰ إِلَٰهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا}[1] وهذا الاجراء الحكيم الذي قضى به موسى الكليم (عليه السلام) على كل أثر للعجل لكي لا يبقى منه شيء، يثبت أيضاً: بأن العجل ليس إلهاً، ولا يليق بحكم العقل والمنطق والفطرة والطبع السليم أن يكون إلهاً ولو كان إلهاً حقيقياً لما انتهى إلى هذا المصير وهذه النهاية التي تدل على ضعفه وعجزه التام عن أن يدفع عن نفسه فضلاً عن أن يدفع الضرر عن الآخرين أو يقدر على فعل أي شيء.

وبهذه الطريقة الحكيمة والحاسمة والتعامل الحازم مع فتنة عجل السامري استطاع موسى الكليم (عليه السلام) أن يقضي عليها تماماً ويمحو آثارها من عقول بني إسرائيل وأنفسهم.

وهكذا ينبغي أن يكون الموقف في الأصل في مكافحة الانحرافات الجذرية والإبقاء على نتائج الثورات والحركات الإصلاحية، ولكن ينبغي كذلك الأخذ بعين الاعتبار التوقيت وسائر الظروف الموضوعية، التي قد تتطلب تأجيل الحسم في بعض القضايا إلى بعض الوقت، كما فعل هارون (عليه السلام) ويفعله الكثير من قيادات الثورات والحركات الإصلاحية، ولا يعد ذلك من التنازل، بل هو ضروري من أجل المحافظة على الرسالة ومكتسبات الثورة والحركة الإصلاحية، بحكم العقل والدين، وتقره الفطرة والطبع السليم.

وتعتبر نهاية العجل الذهبي النهاية المنطقية وفق السنن الإلهية الحاكمة في الكون والحياة، لكل أكذوبة ووهم وخرافة وبدعة ضالة في الدين الحق، ولكل ما هو مزيف وغادر ويعتمد على فرض حكم الأمر الواقع بالقوة والمكر والخداع والتضليل ونحو ذلك، ولا حقيقة له ولا أساس في العقل والمنطق والفطرة والطبع السليم والدين الحنيف.

وقد أخبر الله (عز وجل) عن المصير الأسود والعاقبة السيئة المذمومة التي لحقت بالسامري والذين اتبعوه في الدارين الدنيا والآخرة، قول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}[2] أي: عقوبتهم في الحياة الدنيا الذلة والخزي والعار، وفي الآخرة غضب الله (عز وجل) وعقابه الشديد المؤلم في نار جهنم وأكد القرآن الكريم بأن هذا المصير الأسود والعاقبة السيئة ستلحق حتماً بكل من يفتري على الله  (جل جلاله) الكذب، ويغير في دين الله الحق، فيدخل في الدين ما ليس فيه، أو يخرج منه ما هو ثابت فيه، قول الله تعالى: {وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ}[3] أي: أن تلك العقوبة في الدارين، سنة إلهية جارية باقية أبد الدهر في المفترين على الله  (جل جلاله) الكذب.


المصادر والمراجع

  • [1]. نفس المصدر
  • [2]. الأعشراف: 152
  • [3]. الأعراف: 152
المصدر
كتاب اللامنطق في الفكر والسلوك - الجزء الأول | أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسين

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟