مواضيع

التعريف بهارون: محاسبة موسى الكليم لأخيه هارون (ع)

ثم توجه موسى الكليم إلى أخيه ووزيره هارون (عليه السلام) فسأله: ما منعك إذ رأيتهم قد فتنوا بعجل السامري وضلوا عن دين الحق، أن تسلك طريقتي فيهم، بأن تمنعهم عن الانحراف والضلال والوقوع في الفتنة، ولو باللجوء إلى الشدة والقوة والغلظة وقتال من كفر منهم بمن آمن واتقى، أو أن تلحق بي لتخبرني بحالهم، أو يكون بخروجك عنهم نزول العذاب عليهم، بدلاً من البقاء بينهم؟ {أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي} لك بأن تتبع طريقتي فيهم والقيام لله  (جل جلاله) والشدة في ذاته ومنابذة من خالف دين الله الحق ومقاومته، وأقمت بين هؤلاء الضالين الفاسقين الذين اتخذوا العجل إلها وعبدوه وسجدوا له، ولم تنابذهم وتقاتلهم، أو تخرج عنهم لتخبرني بحالهم أو لينزل عليهم العذاب؟

والتعبير يدل في الظاهر: على لوم من موسى الكليم (عليه السلام) إلى أخيه ووزيره وشريكه في الرسالة هارون (عليه السلام) إلا أنه في الحقيقة والواقع ليس كذلك، بل هو إفهام إلى بني إسرائيل بأنهم قد ارتكبوا ذنباً عظيماً جداً وجرماً شنيعاً يجب الوقوف في وجهه بكل حزم وعزم وصرامة وشدة، ولا يمكن السكوت عنه والتجاوز عن أصحاب المسؤولية عنه وترك محاسبتهم ومعاقبتهم، وأنه من الخطورة بمكان رفيع، إلى المستوى الذي وضع فيه موسى الكليم أخيه هارون (عليه السلام) موضع المساءلة والمحاسبة مما يكشف عن أهمية مراقبة المسؤولين في المنظمات والدولة ومحاسبتهم، فمهما علت مرتبتهم أو وظيفتهم، ولا يوجد أحد في المؤسسة أو الدولة فوق المراقبة والمحاسبة، حتى رئيس الدولة أو المؤسسة، وأن المحاسبة يجب أن تبدأ بالمسؤول الأول (القائد) المعني بالموضوع، فإذا ثبتت براءته وعدم تقصيره أو خطأه تتجه المساءلة إلى الأتباع ومحاسبتهم، ثم معاقبة كل من يثبت خطأه وتقصيره، وبدون ذلك تقع الفتنة، ويتمكن الانحراف، وينتشر الفساد، ويحصل الضعف في المؤسسة أو الدولة، ويحل التخلف والانحلال في المؤسسة والشعب والأمة.

وتعتبر مساءلة موسى الكليم لأخيه هارون (عليهما السلام) وسيلة لاستظهار الحجة على بني إسرائيل، ولكي يثبت للجميع براءة هارون (عليه السلام) من كل خطأ أو تقصير أو اهمال أو نحو ذلك، وذلك من خلال التوضيحات والبينات والحجج التي يأتي بها هارون (عليه السلام) ويكشف عنها، أي: أن موسى الكليم (عليه السلام) قد وضع أخاه ووزيره الأمين وشريكه في الرسالة هارون (عليه السلام) في موضع المساءلة والمحاسبة، تنبيها لبني إسرائيل على عظيم الذنب الذي ارتكبوه، وتثبيتاً لمبدأ المساءلة والمحاسبة لجميع المسؤولين بدون مؤاربة ومحاباة أو استثناء، وإثباتاً لبراءة هارون (عليه السلام) من الخطأ والتقصر والاهمال أو نحو ذلك، وتحمل بني إسرائيل وعلى رأسهم السامري المسؤولية كاملة عما حدث، وفتح الباب أمام التحقيق العلمي الموضوعي واثبات الحقيقة في الموضوع، والكشف عن أسبابها الموضوعية والذاتية في نفوس المسؤولين عنها بحيادية تامة، لتكون الفتنة عبرة واضحة كاملة الأركان لجميع الأمم اللاحقة. وإلا فإن موسى الكليم (عليه السلام) يعلم علم اليقين الذي لا يشوبه شك أو تردد بأن أخاه ووزيره ووصيه وخليفته الأمين وشريكه في النبوة والرسالة هارون (عليه السلام) معصوم مثله، وحريص على هداية بني إسرائيل وصلاحهم وسعادتهم ونجاتهم من الهلاك والشقاء في الدارين الدنيا والآخرة مثله، وأنه لم يخالف أمره في شيء وقام بواجبه الإنساني وتكليفه الشرعي تجاه بني إسرائيل على أكمل الوجوه وأحسنها.

المصدر
كتاب اللامنطق في الفكر والسلوك - الجزء الأول | أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسين

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟