مواضيع

التعريف بموسى الكليم: عودة موسى (ع) لمصر وحمله لواء الرسالة والتغيير

بعد عشر سنين قضاها موسى الكليم في خدمة شيخ الأنبياء الكرام شعيب (عليه السلام) وهي أتم الأجلين، ارتوى فيها من معين علمه وحكمته، أراد العودة بأهله إلى وطنه وعشيرته في مصر. وفي صحراء سينا، عند جبل طور سيناء، نزلت عليه الرحمة الإلهية بالنبوة، وكلمه الله  (جل جلاله) من وراء الشجرة النورانية المباركة التي كانت تنبت في الجانب الأيمن من الوادي المقدس أسفل الجانب الأيمن من جبل طور، وكان في الأربعين من عمره الشريف، وحمله الله  (جل جلاله) رسالته إلى فرعون وملئه وجميع أهل مملكته من الأقباط والإسرائيليين وغيرهم، يدعوهم فيها إلى عقيدة التوحيد والنبوة والمعاد، وكلفه بإنقاذ بني إسرائيل من مظالم فرعون وطغيانه، ودعمه بمعجزتين عظيمتين تثبتان صدق نبوته ورسالته، وهما: العصا التي تتحول إلى ثعبان حقيقي عظيم، واليد السمراء التي تتحول إلى بيضاء من غير سوء أو مرض وتشع نوراً عظيماً. وكان فرعون موسى (عليه السلام) أعتى الفراعنة الذين حكموا مصر وأسودهم ملكاً وأعظمهم طغياناً، فكذّب هو وملؤه وجميع قومه بنبوة موسى الكليم (عليه السلام) ورسالته واتهموه بالسحر، وأنه جاء بالسحر وادعى النبوة والرسالة من رب العالمين لأهداف سياسية انقلابية خبيثة، وهي: الانقلاب على النظام الملكي الفرعوني القائم، وطرد الأقباط من مصر بهدف الاستئثار بالحكم والثروة والمقدرات في الدولة، وقرروا مبارزته بالسحرة المهرة الذين جمعوهم من جميع أنحاء مصر، إلا أنهم لم يؤمنوا حتى بعد أن استطاع موسى الكليم (عليه السلام) هزيمة السحرة، وإعلان السحرة إيمانهم بالتوحيد والنبوة والرسالة، فقتلهم فرعون جميعاً شر قتلة وصلبهم على جذوع النخل نكالاً لهم وليكونوا عبرة لغيرهم، وأذاق المؤمنين من بني إسرائيل صنوف العذاب، وأعاد سيرته السابقة فيهم، وهي: قتل الأبناء، واستحياء النساء للخدمة والمتعة الجنسية ونحو ذلك. فأنزل الله (عز وجل) عليهم آيات العذاب، مثل: الطوفان والجراد والقمّل والضفادع والدم والقحط ونقص الثمرات، ولم يؤمنوا، فكانت عاقبتهم السيئة أن أهلكهم الله (عز وجل) جميعاً بإغراقهم في نهر النيل العظيم، الذي كان مصدر ثروتهم ورخائهم وقوتهم وحضارتهم وفخرهم، ليكونوا بهذه النهاية السيئة المؤلمة عبرة لكل فرعون وطاغية ومتكبر يأتي بعدهم، ولهذا سمَي موسى الكليم (عليه السلام) بالمؤسس والمخلص، وسأذكر تفاصيل ذلك مع الآيات في محاور البحث.

وقد أنزل الله تبارك وتعالى على موسى الكليم (عليه السلام) التوراة، وفيها كل ما تحتاجه بنو إسرائيل من مسائل العقيدة والمواعظ والأحكام الشرعية والسير، فكانت دستور بني إسرائيل الديني والمدني، الذي ينظم شؤون حياتهم العامة والخاصة. وقد لقب موسى (عليه السلام) بكليم الله  (جل جلاله)؛ لأن الله سبحانه وتعالى كلمه من وراء الشجرة النورانية المباركة من جانب الطور الأيمن تكليماً، وفي الحديث الشريف: أن الله تبارك وتعالى اصطفى موسى (عليه السلام) لكلامه، لشدة تواضعه لله ذي الجلال والإكرام، مما يدل على موافقة الجزاء الإلهي للعمل، فقابل الله (جل جلاله) تواضع موسى الكليم (عليه السلام) بأن رفع شأنه، وأعلى مكانته، واصطفاه لكلامه، وجعله أحد أفضل الأنبياء الخمسة، وهم أولو العزم: نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد (عليهم السلام).

وقد توفي موسى الكليم (عليه السلام) في سنوات التيه الأربعين في صحراء سيناء، حيث أمره الله  (جل جلاله) بأن يذهب ببني إسرائيل إلى الأرض المقدسة (فلسطين) للإقامة فيها، وقبل أن يدخلها أرسل من يستطلع الوضع فيها، ويعرف أخبار أهلها، فأخبره رجال الاستطلاع أن قومها أقوياء جبارين طوال القامة، وأن مدنها حصينة جداً، فخاف بنو إسرائيل ورفضوا دخولها، وتمردوا على أمر الله  (جل جلاله) وأمر رسوله الكريم ومخلصهم موسى بن عمران الكليم (عليه السلام) وقالوا: {يَا مُوسَىٰ إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىٰ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُون}[1] فغضب الله  (جل جلاله) عليهم، وعاقبهم على معصيتهم لله (عز وجل) ولرسوله الكريم (عليه السلام) بالتيه في الصحراء، وأخبر نبيه الكريم موسى بن عمران (عليه السلام) بأن الأرض المقدسة محرمة عليهم، وأنهم سيتيهون في صحراء سيناء لمدة أربعين سنة، قول الله تعالى: {قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ 25 قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِين}[2] وفي هذه السنوات الأربعين توفي كذلك أخوه ووزيره وشريكه في الرسالة هارون (عليه السلام) وهو أكبر منه بثلاث سنين، وكانت وفاة موسى الكليم بعد وفاة أخيه هارون (عليه السلام) بثلاث سنين، وذلك بتاريخ: 21 رمضان، ودفن في صحراء سيناء، ولم يدخل الأرض المقدسة، وخلفه وصيه يوشع بن نون (عليه السلام).


المصادر والمراجع

  • [1]. المائدة: 22
  • [2]. المائدة: 25-26
المصدر
كتاب اللامنطق في الفكر والسلوك - الجزء الأول | أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسين

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟